شاعرٌ عاشِقٌ في مدينةٍ تتهدّم
أدونيس
– 1 –
ألَن تُصدِّق أخيراً، أيها الشاعر،
أن القمر نفسه ليس إلا كرةً
تتدحرج حول قَدمَيْ أرضٍ اسمها الحب؟
– 2 –
يكفي أن تزهوَ قائلاً:
إنهم وضعوا على رأسكَ
إكليلاً من الغار.
يكفي أن تتناسى أنهم قطفوا أغصانه
من شجرة هي نفسها ذَبُلَت وماتت.
– 3 –
المدينة؟ إنها الجحيم كما تقول حقاً، أيها الشاعر.
لكن، كيف لا تسألُها:
لماذا، أيتها المدينة، لا تتمددين
إلا في أحضان السماء؟
– 4 –
أسألكَ همساً، أيها الشاعر:
«أهنالك شخصٌ قادرٌ على الحب
إذا لم يكن قادراً على الكراهية؟»
لا تُجبنيَ الآن. خُذ وقتك.
– 5 –
أكتب لصديقك الشتاء، أيها الشاعر،
اكتبْ ولو أربع كلمات:
«أمطِر، إن كنتَ تُحبني».
– 6 –
أسألك جهراً، أيها الشاعر:
«كيف تُسمّي أولئك الذين يضعون
مَهْدَ الفرح في القيد، تحت الرقابة،
ويزرعون في كل اتجاه
شوكَ الآلام؟».
– 7 –
يقولون لك أيها الشاعر: الحبُّ هو كذلك ينتهي.
وصحيحٌ هذا القول.
لكن، صحيحٌ كذلك أن الإنسان
لا يتذوَّق في الحب،
خلافاً للأشياء التي تنتهي،
إلا طعمَ اللانهاية.
– 8 –
الموت نفسه، أيها الشاعر،
لا مكان له يأوي إليه، لكي يزهوَ بأعماله،
إلا ذلك البيت المُنفرد، الوديعُ،
الجامحُ الذي يُسمّى الحب.
– 9 –
المكان نفسه، أيها الشاعر،
لا مكان له إلا بوصفه عُروةً
في قميص الحب.
– 10 –
أعترفُ لكَ، أيها الشاعر:
«صحيحٌ، كما يقول بعضهم،
أنّ الظلمة في بيروت تنضجني.
لكن هاجسي الدائم هو:
هل يقطفني النور؟».
– 11 –
أسألك من جديد همساً:
«هل الدين هو، وحده، الذي يُجلِسُ الحب
على ركبتيه، كل يوم،
لكن يتفنَّن في شتمه ولطمه؟».
– 12 –
أسألكَ من جديدٍ جهراً:
«أولئك الذين يُسيّرون السياسة
على إيقاع واحد
يخرجُ من طبلٍ اسمه الجمهور،
هل يعرفون الحب، حقاً،
وكيف يعرفُ أن يَسوسَ
من لا يعرف أن يُحب؟».
– 13 –
أيها الشاعر،
ماذا تقول لذلك العاشق الخائب، صديقك،
الذي يُوشِكُ على الاقتناع
بأنه لم يعد يُطيق السير على قدميه؟
وها هو يُطلِقُ سهامه بلا توقف،
حيث يُخطئ الهدف، دائماً.
– 14 –
هل يمكن أن يعيش الإنسان في خُسرانٍ متواصل؟
يسأل الشاعر.
ويُجيب أصدقاؤه:
البحر الذي يُباع في بيروت، يقول: نعم.
إذاً، ضمّخوا تلك المبادئ والمُثل التي تحملونها
في رؤوسكم، أيها «الصاعدون»، –
ضمِّخوها برائحة الطحالب.
– 15 –
اكتشف الشاعر في بيروت، قرب المنارة، في مقهى حسان،
مكاناً للعين التي تريد أن تبتكر موجاً آخر
يُمكن أن يُسمى الدمع.
– 16 –
أعطى الشاعر لبيروت الماضي والتاريخ،
وجميع الدروب التي تؤدي إليهما.
غير أنها رفضت وترفض أن تسير
إلا مُمسكةً بيده،
مُطوّقةً بحبّه.
هكذا، لا شيء يتكلم إلا ذلك
الصامت الأكبر: الموت،
ولا شيء يُصغي إلا التراب.
– 17 –
سُئِل الشاعر:
من أي جذرٍ اشتُقّت كلمة آمين؟
بعدُ، لم ينته الشاعر من كتابة الجواب.
– 18 –
يلبَسْن جالسات في المقهى، ماذا يلبَسْنَ؟
بين جدائلهنَّ زهرٌ أحمر،
وعلى صدورهن يسيل تِرياق الليل.
قولوا للشمس أن تُسرِع في الغروب.
– 19 –
ربما لا يصح القول، في بيروت خصوصاً،
إن لكلٍّ جسده،
إلا بدءاً من القول
إن لكل جسد جراحه.
– 20 –
«لم يعد لبيروت صبرٌ
على احتضان سماء ينخرها
مرضُ العقل والقلب»،
يقول الشاعر.
يقول أيضاً: «سأقَلِّمُ غابات اليأس بمقصَّات حادة كنت قد حظيتُ بها في صناديق فَتَحَتْها لعينيّ شمسُ الهاوية».
«وماذا لو أغلق الفضاءُ حدودَهُ مع الريح؟»-
يتساءل أصدقاؤه.
الحياة – 03/07/08