صفحات الحوار

الشاعرة الأمريكية كيم أدونيزيو: أنا لست شاعرة اعترافية.. ومرتاحة لأنني غير أكاديمية

null
بيروت – مازن معروف: الشاعرة والروائية الأمريكية كيم أدونيزيو، كانت واحدة من خمسة عشر شاعرا معاصرا ترجمهم سامر أبو هواش إلى العربية (دار كلمة ومنشورات الجمل). حاصلة على ماجستير في الآداب، تمارس التدريس الجامعي في كلية غودار (Goddard) وتعيش في أوكلاند (كاليفورنيا). لها أربع مجموعات شعرية هي “نادي الفيلسوف”، “جيمي وريتا”، “قل لي” (وهي المجموعة التي تنافست فيها على الجائزة الوطنية للكتاب)، و”ما هذا الشيء الذي يدعى الحب”. إضافة إلى روايتين هما “روعات صغيرة” و”أحلامي هناك في الشارع”. شخصيتها الخجولة والكتومة لا تسهل مهمة إجراء حديث معها. إلا إذا جازفت بالالحاح. أقامت في بيروت أمسيتين شعريتين، وكان لنا معها هذا الحوار.
– نلاحظ في قصائدك أنك تقفين على مسافة من الرجل، مسافة كافية فقط لأن تقيمي حوارا معه كأنه غائب حاضر في نفس الوقت. ما مرد هذا الأمر؟
– هذا صحيح. الرجل يمثل رمزا بالنسبة لي. رمزا غامضا لكن ليس بالضرورة أن يكون فلسفيا. الأمر بسيط، فأنا كما يضع الشعراء الرجال، إمرأة في مركز حياتهم، وشعرهم، أقوم بنفس الأمر، لكنني أضع الرجل. ليس هناك رجل معين، بمعنى أنه ليس لحما ودما بل هو رجل مجازي، شعري، استعاري، له وظيفة بناء القصيدة معي. فالمهم في الأمر هو التفاعل، ما بين الرجل والمرأة، تلك الديناميكية الموجودة منذ زمن بعيد. لكن هذا التفاعل لا يشترط وجود رجل وامرأة حقيقيين. يكفي أن أفكر برجل متوهم، لكي أحاوره من خلال القصيدة. لا أحتاج أكثر من ذلك. لطالما كانت العلاقة ما بين الرجل والمرأة، علاقة حب أو جنس أو ود أو صداقة، الاحتمالات كثيرة في هذا السياق. وأنا لا أطلب شيئا محددا. والذي اقوله قد يتقاسمه معي الجميع، نحن البشر نعيش في هامش المودة، نريد أن نحِب وأن نُحتضن، هكذا هي الحياة في العالم أجمع. انا ببساطة مهتمة بالرجال، نعم الرجال لكن لا أملك تفسيرا فلسفيا لهذا الأمر.
– هل تكفي التجربة الشخصية لأن نكتب شعرا؟ وهل على الشعر في المقابل أن يحمل مسألة عامة؟
– كلما ازدادت أسئلة الحياة في رأسي، إزددت قناعة بأنني لست وحدي في هذا الكوكب. عندما أكتب، الأكيد أنني أنحاز إلى نفسي، لأن الفن كما تعرف، ينبع من إحساسنا بذاتنا وإحساسنا بالأحداث والتطورات المحيطة بنا كذلك. لا يمكن للشعر أن يكون قاضيا ولا أن يطلق أحكاما نهائية. وحتى عندما تحاول أنت تفسيره، لا يمكن لك أن تخلص إلى نتيجة محددة. الشعر يقف على مسافة من الأنا، والأشياء، إنه أكثر نقاوة، لكنه لا يمكن أن يظل مثقلا بالامور الإيديولوجية والفلسفية والمبهمة. عليه أن يكون قريبا من الجميع، وغير ضعيف في الوقت ذاته. أنا لا أكتفي بالاتكال على تجاربي الشخصية في الحياة لأكتب الشعر، فهناك أناس يعيشون حولي، ولهم قضاياهم الخاصة وشؤونهم ومشاكلهم اليومية، ولا أعتقد اننا جميعا مختلفون عن بعضنا في هذه المسائل. لذلك، قد يحدث مثلا أنني سمعت قصة من هنا او هناك، فأكتبها شعريا، لا أعني أن أسرد او أحكي، فأنت تعرف كيف أكتب الشعر. أحاول وضع الجميع في قصيدتي. يكون في هذه الحالة أنني سمعت القصة، تلمستها بحواسي دون أن أعيشها فعليا، فيكون أن أعيشها على الورق، في القصيدة. لا أحكي من منطلق رومانسي أو عاطفي ساذج، إنه ببساطة أن تشرك الناس معك في الكتابة. أنا مهتمة بما نعيشه يوميا. هناك ألم أريد أن أكشفه للآخرين.

– هل لهذا الأمر علاقة بإصدارك كتابا مع الشاعرة دوريان لوكس بعنوان “رفيق الشاعر: دليل إلى متع كتابة الشعر”؟
– لا أحصر هذا الأمر بهذه الزاوية، قد يكون لفكرة الكتاب علاقة به، لكنه موجود ليرشد الآخرين، وليس ليملي عليهم أسلوبا محددا. لماذا لا؟ فليكتب الجميع الشعر. لكل منا تجربته الخاصة التي قد تكون أعمق من تجربة شاعر معروف. يعتبرني البعض شاعرة إعترافية، لكنني لا أوافق على هذا التصنيف. ليس الموضوع موضوع اعتراف أو ما سواه. البعض لا يقرأ من الأشياء سوى ظواهرها. ليس بالضرورة أنني أكتب نفسي. إلا أنني “أعترف” هنا، بأنني أستعمل نفسي، أخاطب نفسي في القصيدة، أو أخاطب إمرأة أخرى، هي أنا، بشكل كأنني أرسم بورتريها، لكن ليس بالضرورة أن يكون بورتريها شبيها بي شخصيا. أما مسار الحدث، أو تسلسل التفاصيل في القصيدة، فهي ليست مكتوبة من أجلي، ولا من اجل أن يقرأ الآخرون ويقولون “إنها تعترف”. حياتي الخاصة وتفاصيلها قد لا تتقاطع بالمرة مع تفاصيل هذه القصيدة أو تلك. “آن” (وتقصد الشاعرة الاعترافية الأبرز آن ساكستون)، كتبت القصيدة بشكل علاجي، إنه اعتراف الذات للذات بالشعر، وقد يكون اعترافا غاضبا لكن له مفعول المهدئ، نحن جميعا نمر بفترات عصيبة في حياتنا. أما “سيلفيا” (وتقصد الشاعرة المنتحرة سيلفيا بلاث)، فقد خلقت أسطورتها واستعملت عناصر الأسطورة، لتحكي عن حياتها، وهي قالت شيئا عن الانتحار. معظم أعمالي المنشورة، عن أشخاص ليسوا قريبين مني. لا يمكن أن نحدد القصيدة في دائرة حياتنا. يمكننا أن “نعترف” بالآخرين، ومآسيهم في أشعارنا. هذه طريقتي ووجهة نظري، وأنا لا أقول بأنها وجهة النظر الوحيدة. هناك شاعر تقليدي، وشاعر حديث، وآخر مجدد، وواحد يعمل على اختبارات لغوية معينة. لكل منا طريقته. وأنا لا أريد أن ينظر إليّ كـ “شاعرة تحتسي الخمر وتكتب الشعر”. إنها نظرة محدودة للكتابة.
– هل يعني ذلك أن كيم جاهزة للكتابة في أي وقت باعتمادها فقط على تجارب حياتية مختلفة؟ ومتى تكتبين الشعر؟
– ليس بالضبط. ما قلته لا يعني أنني أنتظر حكايات الآخرين وفور وصولها أباشر الكتابة. إنها حساسيتي تجاه الحياة ما يحركني. أنا لست شاعرة على استعداد دائم للكتابة.احيانا أجلس خلف طاولتي النهار كله. لا أتزحزح كي لا أضيع أية دقيقة. أكتب في السرير، على الكنبة. لكنني أحاول الالتزام بمقعدي خلف الطاولة. إن لم اكتب في الصباح، فتأكد أنه لن يكون امامي متسع من الوقت لأكتب خلال فترات النهار الباقية. أول ما افعله في نهاري، هو الكتابة. تحركك أشياء كثيرة للكتابة. لا يمكن حصر الموضوع بأمر واحد. أحيانا لا يكون عندي وقت للقراءة، لكنني إذا ما أردت الكتابة، فإنني اعزل نفسي في منزلي، لا أرى أحدا من الأصدقاء ولا ارد على الهاتف، تنقطع أخباري تقريبا إذا ما أخذني عمل كتابي كبير. الكتابة هي الواقع الذي يأخذني من الواقع الأكبر. سلطة الكتابة بالنسبة لي أقوى من سلطة الحياة. وهي اكثر إغراء.
– يعتبرك بعض الشعراء الأمريكيين شاعرة غير أكاديمية، فيما يعتقدك البعض الآخر انفعالية، وتنساقين خلف لغة سردية، أو قصصية توقع النص أحيانا في السهولة، وتحرفه عن الشعر. كيف تفسرين هذا؟
– أنت تعرف جيدا كم يحب المثقفون التصنيفات. يتوقعون منك دائما أن تتموضع في خانة معينة، ان تتحلى بأسلوب كتابي يرضيهم، أو يتوافق مع ذائقتهم الشعرية. ينسون في خضم هذا كله أن الكتابة أفق مفتوح، وهي وجدت لتحرر لا لتعتقه. أنا أكتب بالشكل الذي أرتاح فيه. ولا أكترث بالتصنيقات والتحليلات. كما أنني لا أمنهج قصيدتي بشكل سابق. فليس هناك خطة محددة للكتابة أعتمدها. قد تعتبر أن ما أكتبه شعر، أو ليس شعرا على الإطلاق. وهذا شأنك، فأنت لك ذائقتك الفنية، وثقافتك وخلفيتك الاجتماعية التي حتما هي مختلفة في تفاصيلها عني، حتى وإن كنت تقطن بالقرب مني. الحياة متعددة، ولكل منا تجربته الشخصية. وكما ذكرت، فقد لا تكون تجربتي الشخصية أعلى شأنا من أي تجربة اخرى، إلا أنها بلا شك مؤثرة في وعيي الكتابي إلى حد ما. أنا فعلا غير أكاديمية، وهذا يشعرني بالارتياح. أنا لا أريد أن اكون أستاذة في الجامعة. لأنني أعتبر نفسي فنانة. أسعى لأن اكون شاعرة. ولا أعتقد انني راضية تماما عن قصائدي. بعض النقاد يعتبرون أنني لا أكتب شعرا جيدا لأنني لست اكاديمية. أنا لا اكتب بخلفية لغوية محددة أو موجودة قبلا. وذلك ما يزعج هؤلاء.

– زيارتك هي الأولى لبيروت. ما هي انطباعاتك الأولى عن هذه المدينة؟
– بصراحة، كنت متخوفة قليلا قبل المجيء. لأن منطقة الشرق الأوسط تعاني الكثير كما هو معروف. توقعت ان تكون مدينة عربية تقليدية. ألا تكون مفتوحة بهذا الشكل. صدمني التعدد والتنوع الهائل والواضح الموجود فيها، كما تفاجأت كثيرا بوجود بعض المحال الأمريكية المصدر. لم أشعر بالغربة في هذه المدينة، إستطعت سريعا التأقلم معها وهي ودودة معي بطبيعة الحال. أعتقد أنها مدينة تتيح لأي كان أن يجد فضاءه الخاص به دونما تعب. هي من المدن القليلة التي تتميز بهذه الروح النشطة والحيوية. إنها مدينة يومية، لا تصيبك بالضجر. تشعرك بالألفة، وتقدم لك كل ما تشتهيه. أحببتها كثيرا وأظن انني سأكرر هذه الزيارة مستقبلا. إنها تتشابه مع أي مدينة عالمية أخرى كنيويورك من حيث الحراك اليومي والنشاط الثقافي.
– في أمسياتك أنت لست فقط شاعرة. إذ تلعبين على آلة الهارمونيكا، وتقدمين فواصل موسيقية بين القصيدة والأخرى. هل لهذا علاقة بحقيقة أن الشعر بحاجة لعكاكيز كي يكمل طريقه إلى القرّاء؟
– أوافقك الرأي تماما. أنا أعرف أن قرّاء الشعر محدودون. وأن علينا في نفس الوقت مواصلة هذا الطريق الوعر. في الولايات المتحدة، الشعر يحتل المكانة الأخيرة في اهتمام الناس. القليل من الناس يكتبون ويقرأون الشعر. لطالما حظي الشعر بجمهور قليل في أمريكا. الشبان يهتمون بكتابات السينما والمسرح والرواية وليس الشعر. كتابة الشعر تستلزم في هذه الحالة شيئا من العناد. إلا أن الشعر وللصراحة، لم يعد يكفي كفنّ مستقل بذاته ليصل إلى الناس. عليه أن يتشارك مع فنون اخرى. أنا عاشقة للموسيقى وقد سررت كثيرا بالجمهور في لبنان الذي يعرف معظم المقطوعات الموسيقية التي ألعبها. الموسيقى تجعلني أصغي لإيقاع اللغة. هناك شيء سري في الجملة، احاول اكتشافه من خلال الموسيقى. انا درست الموسيقى قبل الشعر. والآن لا يمكنني في أمسياتي الشعرية أن أحضر كشاعرة فقط، الموسيقى تساعد القصيدة، وتتكامل معها. كما أنها تفك عزلتها. وتضفي على الأمسية تنوعا ودينامية.
– من قرأت من الشعراء العرب؟ وما كان شعورك فور إبلاغك بأن مختارات من أشعارك سوف تترجم إلى العربية؟
– ليس هناك أسماء محددة. لكنني اطلعت على بعض الترجمات لشعراء مثل الشاعر الفلسطيني محمود درويش وحافظ الشيرازي وكفافي. قراءاتي للشعراء العرب محدودة جدا، وأنا أستغل وجودي في بيروت للتعرف ببعض الأسماء عن كثب. أميل إلى قراءة السورياليين، وأحب اعمال خوسييه ساراماغو، كما انني أذكر في هذا السياق س.ك. ويليامز الشاعر الأمريكي الذي كان لكتاباته أثرا كبيرا علي. عندما ابلغت أنني سأترجم إلى العربية، وإن أشعاري ستصل إلى جمهور ذي خلفية حضارية وامتداد ثقافي مختلف، شعرت بالرهبة والفرح، كنت متخوفة من الترجمة قليلا لكن علمت فيما بعد أن قصائدي نُقلت بكل جيد. أمر ممتع أن تترجم قصائدك إلى لغات اخرى. العربية تحدٍ لي. فأنا أكثر من مقاربات الشارع واليومي، بمعنى ان المدينة المتحركة حاضرة في شعري، لكنني لم أكن أعتقد انني سأحظى بهذا القبول. ففي واقع الأمر ما أكتبه لا يختلف كثيرا عما يمكنك أن تعيشه في بيروت مثلا.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى