خيانة الثورة

ساطع نور الدين
عندما يصرخ الشعب الليبي، أو معظمه، مناديا بالتدخل الاجنبي لانهاء مأساته، وتقف الدول الكبرى مترددة ازاء حرب الابادة الجماعية التي يتعرض لها الليبيون، تطرأ معضلة سياسية واخلاقية لم يسبق لها مثيل، ولن يكون لها حل جذري لا في ليبيا ولا في أي بلد عربي آخر يمكن ان يواجه وضعا مشابها مع نظام دموي، يشعر بتواطؤ المجتمع الدولي معه، او يظن انه يملك عناصر قوة على بعض عواصمه.
الصرخة الليبية المتكررة منذ اطلاق الثورة الشعبية في 17 شباط الماضي، موجعة فعلا، لكنها صادقة حقا. وهي لا يمكن ان تصدر الا عن مذعورين أعيتهم الحيلة للتخلص من حاكم مجنون ونظام وحشي وجيش دموي. ولا يجوز ان تصم الآذان عنها، ولا ان يتهم مطلقوها بأنهم يرتكبون جريمة الخيانة الوطنية… التي افقدها العقيد معمر القذافي وأسرته الكثير من معاييرها القانونية، لا سيما في معاملاته وصفقاته مع المجتمع الدولي خلال السنوات العشر الماضية، لا سيما مع الاميركيين والبريطانيين، والاسرائيليين ايضا.
الشعب الليبي في مأزق حرج. هو يريد استرداد حريته وديموقراطيته وبقية حقوقه المشروعة، كما نالها التونسيون والمصريون وكما يناضل من اجلها اليمنيون والبحرينيون وسواهم من الشعوب العربية. لكنه يواجه سلطة شرسة وقوة ساحقة. التسوية مستحيلة والتراجع قاتل، لن يوقف الابادة بل سيزيد النظام بطشا. والفرصة الوحيدة للنجاة هي في تدخل خارجي ايا كان مصدره ومهما كان شكله ومداه. وأي نقاش حول تسرّع الليبيين في الذهاب الى الثورة بدافع الحماسة او المواكبة للتجربتين المجاورتين التونسية والمصرية من دون حساب موازين القوى الداخلية والتحالفات الخارجية، هو الان خارج السياق. المهم ان تنتهي المذابح فورا، وان يبقى من ذلك الشعب اثر على الارض الليبية المعذبة.
الصرخة التي يتردد صداها هذه اللحظات في الصحراء الليبية الكبرى لم تكن موجهة الى الاشقاء العرب او المسلمين الذين لا تزال غالبيتهم تميل الى العقيد واسرته وتحبذ بقاءهم في السلطة، باستثناء الخليجيين العرب الذين دفعتهم الاحقاد الشخصية والخلافات الثنائية الى التفرد الذي لا يسمع جيدا في العواصم الغربية. النداء كان ولا يزال يستهدف الغرب الذي سبق ان اخرج العقيد من عزلته وقبض تعويضات مجزية وقبل يده التي توقع على عقود النفط والاستثمار الخرافية.
وهي لذلك أشبه بصرخة في واد تنادي ضميرا غربيا اشتراه العقيد، ولا يمكن ان يستيقظ الا اذا صحا الشارع الغربي، وطالب بالتحرك لوقف حرب الابادة الليبية، ووجه حكوماته الى حقيقة ان حماية الشعب الليبي باتت معيارا حاسما للعلاقات العربية الغربية، وشرطا ضروريا لمنع اي تهديد للثورتين التونسية والمصرية اللتين يمكن ان تنتجا فعلا تطرفا عربيا من نوع جديد ضد الغرب، ولتشجيع بقية الشعوب العربية على المضي قدما في طريق الالتحاق بروح العصر وثقافته وقيمه، المستمدة من مصدر وحيد ومعروف.
الثورة الليبية في خطر، ومعها كل الثورات العربية، التي لا تثق بالغرب، لكنها تطالبه بعدم خيانتها او طعنها من الظهر.
السفير