العبودية في مجتمع سورية
ربى بلال
“لا تضربوا وجوه المصلين وأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون فإن رابوكم فبيعوهم”
مع أني من أكثر الرافضين لفكرة إستخدام خادمة دائمة في البيت لترعى الأطفال والعائلة، ولأني أرى سلبياتها الخطيرة، إلا أن البديل في سوريا غير متوفر. ولما كانت فترة الأمومة غير كافية حسب القوانين السورية ويرافقها فقر في دور الرعاية للأطفال وإن وجدت فهي تفتقد لخبراء ونظافة ومعاملة جيدة تساعد الأم العاملة على ترك أطفالها في أمان، كان الحل البديل هو توظيف مربية أجنبية تقوم بالبقاء مع طفلي لحين عودتي من العمل.
تجربتي مع المكاتب لإستقدام الخادمات بحاجة لكتاب يروي ما شاهدت وماسمعت من قصص وأحداث لا تحصل إلا في زمن العبودية القاسي الذي نتغنى نحن المسلمون والعرب بالتخلص منه منذ قدوم الإسلام.
قبل أن اسرد لكم قصصاً صغيرة عن مدى الظلم الذي تتعرضن له الفتيات الأجنبيات، أحب أن أعطي بعض المعلومات والحقائق عن سمعة الشعب السوري في الخارج:
– منعت الفلبين فتياتها من الذهاب لسوريا بسبب كثرة حالات القتل والإنتحار والهرب، فمن أرادت القدوم لسوريا تقوم بالهرب بحراً من بلادها، كما أن دولتهم وبسبب رغبتها بزيادة الدخل لمواطنيها، أجبرتهم على توقيع تعهد يقتضي عدم قبول أي عمل براتب شهري يقل عن 400 دولار، بينما الراتب الذي تتقاضاه مرغمة في سوريا هو 150 دولار كحد أقصى. علماً أن راتبهن في مصر مثلاً 600 دولار في الشهر
الفتيات الأثيوبيات يعرفن حق المعرفة أن الوضع في سوريا ليس بجيد، وأحب أن أخبركم أن أغلب الأثيوبيات لم يكن يردن القدوم لسوريا، بل هن يقدمن أوراقهن في أثيوبيا طلباً للذهاب لدبي أو دول الخليج، ولكنهن يتفاجئن عند وصولهن لسوريا، وطبعاً لا يمكن الإعتراض أو العودة وهذا بسبب عدم وجود سفارة لهم بسوريا تعنى بمشاكلهم وعدم وجود ضمير في السماسرة السوريين الذين يجبروهن على العمل براتب 100 دولار في الشهر فقط.
أحد المكاتب مختص بالأثيوبيات فقط، تستطيع مقابلة ما لا يقل عن 25 فتاة قد وضعهن صاحب المكتب في غرفة صغيرة يمنع عليهن الخروج منها إلا للعمل في منزله أو لدخول الحمام، ينمن على الأرض دون فرشات أو مخدات، رائحتهن تفوح كأنها رائحة حظيرة للبهائم، يلبسن ثياباً خفيفة تناسب طقس بلادهن الحار، تصطك اسنانهن من البرد، عيونهن جياع، مناظرهن كالأشباح السوداء ولكنهن مجبرن على وضع الحجاب مع العلم أن أغلبهن مسيحيات.
طلبي كان فتاة تستطيع التكلم بالعربية أو الأنكليزية، هذا كان مطلبي الوحيد مبدئياً، لكن صاحب المكتب أصر على أن أراهنّ جميعاً وأختار ما يعجبني كأنني أشتري نعجة أو حتى كرسي ….جلست في غرفة واسعة فخمة فيها كنبات مريحة وهو خلف مكتبه يشير بإبهامه للفتيات بأن تدخل علينا تباعاً…..يدخلن كل خمس فتيات معاً، يقفن أمامي بكل ذل وعيونهن متعلقة بي، تحدثنني بصمت وتترجاني بأمل أن أنتقيها لأخلصها من هذا الوضع، يطلب منهن الدوران أمامي حتى أراهن…….اشعر بالذل والإهانة، أحتقر نفسي التي جعلتني أقف بهذه الموقف، أن أكون طرفاً مساعداً لشقاء هؤلاء النسوة……مشاعر مختلطة، لم أستطع الإختيار، لم أعرف ماذا أقول….جمدت للحظات…..طلبت منهن الجلوس لأكلمهن…نظرن لصاحب المكتب بخوف…كأنهن تسألنه …هل مسموح لنا بالجلوس….لكني متأكدة من نظرته الثاقبة التي منعتهن حتى من الحركة…..سحبت طلبي، وبدأت أحدثهن لأعرف من منهن فهمت ماقلت…..واحدة فقط من أصل 20 فتاة أظهرت بعض التجاوب.
بعد الإتفاق على السعر المتضمن عمولته ومصاريف سفرها بالإضافة لثلاث اشهر من راتبها يأخذها هو بكل حقارة، أخرج لي العقد المروس بالحديث المذكور في مقدمة مقالي هذا، وقعه وأعطاني لأوقع….سألته، هل لها ضمان صحي؟؟؟ ماهي مسؤوليتي إن حدث لها حادث ما… فيجيبني بكل جدية والبسمة على وجهه، (بقرة وفطست) لا تهتمي….عندي الكثير وأستطيع أن أعطيكي فتاة جديدة.
وقف أمام الفتاة التي اخترتها، يصرخ بوجها بالعربية قائلاً (كوني منيحة يا حيوانة وإلا بعلقك من رقبتك. ممنوع ترجعي لهون) وهو يشير بيده إلى رقبته ويمسك كتفها بشدة بيده الثانية، وعيونه كلها غضب. ترد الفتاة بهزة شديدة من رأسها على أنها موافقة مع خوف شديد…..اسأله كيف فهمت عليك؟؟؟؟ يرد ويقول “تعودو علينا من القتل” ويقهقه بصوت عالي. أخبرني عن مغامراته ورجولته وطرق تعذيبه للفتيات وكيف يضرب الكف “فيلتزق رأس الفتاة بالحيط ليرن” ، لأنه وبرأيه، يجب أن يعاملن كالدواب وإلا ركبنه.
أخذت الفتاة وهربت من المكتب إلى السيارة بإنتظار باقي الأوراق، وأنا في السيارة أسمع تمتمة تخرج بصوت خفيف، أنظر إلى الخلف فأرى الفتاة سعيدة ترفع يديها وتشكر إلهها الذي وضعها معي في السيارة، وعندما رأتني أنظر إليها، أمسكت يدي وحاولت تقبيلها.
أحد اصحاب المكاتب اتصل بي ليخبرني أن لديه فتاة أثيوبية رائعة، خريجة جامعة محاسبة، أنكليزي ممتاز، وزد على ذلك رائعة الجمال. سألته: وماهمني بشكلها؟؟؟ هل سأزوجها لزوجي؟؟؟ فأجاب: “لأ يا مدام مشان لماتاخديها معك على المطعم تشوفي حالك فيها قدام رفقاتك…!!!”
لقد استبدلت أكثر من 4 فتيات، كانت لحظة إخبار الفتاة بأنني سأعيدها للمكتب كفيلة بأن تملأني حزناً وغضباً على مدى أسبوع، بكاء ورجاء متكرر مع محاولة لتقبيل القدمين أملاً بأن نبقيها حتى لا تعاقب حين عودتها من اصحاب المكتب كما يفعلون عادة.
كل مكتب تذهب إليه تقريباً، يعطيك توصيات مهمة عن كفية التعامل مع الخادمات قبل مغادرتك المكتب مع الفتاة. منهم من يطبعها على أوراق ويوزعها على الزبائن كخدمة إضافية.
– عدم السماح لها بالخروج من المنزل
– عدم السماح لها بالوقوف أمام النوافذ
– عدم السماح لها بإستعمال الهاتف، إلا مرة في الشهر للإتصال بأهلها
– إياك أن تعطيها هاتف محمول
– عدم السماح لها بالجلوس معنا في نفس الغرفة
– عدم المزاح معها
– إطعامها أندومي و تونا
– عدم السماح لها بالتحدث مع بنات بلدها إن صادفناهن في مكان عام
– عند تركها في المنزل، يجب قفل الباب من الخارج
– إذا هربت تكون مسؤوليتنا
طبعاً يوصيك صاحب المكتب بأن نتصل به إن أخطأت الفتاة ليأتي لإصطحابها من أجل أن يعيدها صفحة بيضاء مرة أخرى …..(مرباية يعني).
ماذكرته لكم هو بعض من مغامراتي مع أصحاب المكاتب الكرام، الذين يبدأون كلامهم بالحلال والحرام، وحب الله والإيمان، لا بل إجبار الفتيات المسيحيات على الحجاب وتأمين غطاء الرأس الذي هو أهم من تأمين طعام أو غطاء يقيهن برد كانون في الليل. مؤمنون هم بلا شك!!!
أما عن معاملة السيدات السوريات للخدم، فهي ليست بالأفضل، فمنهن من يعاقبن الخادمات بإحراقهن بالسجائر، ومنهن من يمنعنهن من الخروج من المطبخ، ومنهن من يجعلن الفتيات تستحم في “التواليت العربي”، ومنهن من يمنعهن من التحدث مع أي صديقة أو حتى مع أهلها، ومنهن من يمنعهن حتى من الطعام كعقوبة، ومنهن من لا يدفعون لهن راتبهن الشهري، وأغلب العائلات لا تعطيهن ثيابا أو حذاءً جديداً، فترى الخادمة بثياب رثة وسخة مهترئة مع سيدتها التي تلبس أفخم المجوهرات في بيوت فخمة وكبيرة. ومنهن من يضعن الفتاة في صندوق السيارة لشعورها الشديد بالقرف من أن تجلس بجانب أطفالها. وطبعاً لن نتحدث عن التحرشات الجنسية من قبل صاحب البيت الذي يراهن أماة له ليتمتع بهن.
قصص هرب الخادمات كثيرة، والأكثر هي قصص الإنتحار التي شهدت أنا أثنتين منها عند عائلتين مختلفتين، إحداهن ابتلعت علبتين من البانادول وسارعت أنا لإسعافها والأخرى رمت نفسها من الطابق الخامس بعد أن شريت كلور.
في جعبتي الكثير من القصص، ولكني سأكتفي بهذا القدر علنا نساعد بطريقة ما بتوعية مجتمعنا وتذكيرهم أن الخادمة هي أولاً إنسان لها حاجات أساسية، قد تركت عائلتها لتجمع 5 آلاف دولار، أي مايعادل 250 ألف ليرة سورية فقط بعد أربع سنوات خدمة متواصلة، ليس لديها يوم عطلة ولا إجازة ولا تعويض، ليس لديها أهل ولا أصدقاء، ثقافتها مختلفة عن ثقافتنا بحاجة لكلمة ناعمة ولمسة حنان…..غالباً هي طفلة لم تتجاور 22 عاماً.
هل التعامل بإنسانية بات صعباً هذه الأيام؟ هل بتنا في زمن لا نفرق بين العبودية والعمل الحر؟؟؟ هل أضعف الإيمان أصبح لغزاً…..هل السبب هو نحن، أم المجتمع المقهور أم ثقافة الإنسانية المفقودة أم كل هذه الأسباب مجتمعة…..سؤال يجول بخاطري دائماً وأحاول أن افك اللغز الذي يحول النساء السوريات إلى وحوش ضارية، ترمين بكل عقدهن النفسية على فتاة غريبة ذنبها الوحيد أنها فقيرة وعزيزة النفس، تعمل لتساعد، بعكس سيداتها السوريات اللواتي مازلن عالةً على أزواجهن ومجتمعهن.
هلوسات – مجتمع و ثقافة في سورية