المقال الذي ازعج علي مملوك فحقق مع كاتبها: النظام السوري والاستحقاق التاريخي
فؤاد عليكو
خمسمائة مليون مواطن شرق أوسطي يتابعون بعمق أمام أنظار البشرية ويتفاعلون مع ما يحصل في دولهم من تحولات كبيرة منذ شهرين بعد أن أضرم المواطن اليائس محمد بوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على حالة القمع والفقر الذي تعرض له من النظام الاستبدادي السابق في تونس بن علي وانتشر نار التمرد على النظام من مدينة سيدي بوزيد ليعم كل تونس ولم يتوقف حتى هرب الديكتاتور بن علي مذعورا من لهيب ثورة الشعب التونسي ولم تسعفه كافة توسلاته ونداءاته التي جاءت متأخرة جداً, وهرب معه معظم طاقمه الأمني أملا في النجاة من حكم الشعب التونسي, وما أن وضعت الثورة التونسية أوزارها, و بدأت كوادرها ببناء تونس جديدة حرة وديمقراطية بعيدة عن الإرهاب الأمني حتى اندلعت ثورة الشعب المصري ضد قلعة الاستبداد العربي وحامي أنظمة الشمولية والاستبداد
ولم يصدق أحد حتى الآن كيف ان مبارك توسل إلى الشعب المصري مذكراً بتاريخه النضالي العريق وخدماته لمصر بهدف أن يغفر له الشعب قمعه ونهبه وفساد أجهزته الأمنية وعائلته, ولكن هيهات فقد تأخر كثيرا ولم يعد بإمكان العطار أن يصلح ما أفسده الدهر, فالنظام هرم وفقد كل مصداقية لدى الشعب المصري، ونجا بنفسه وترك خلفه كوادره الأمنية والسياسية يواجهون محكمة الشعب العادلة. وبسقوط القلعة اندلعت الانتفاضات الشعبية في كل من اليمن والبحرين وليبيا والجزائر والمغرب وإيران والأردن والسودان وجيبوتي والحبل على الجرار، ومن المؤكد إن الشعوب في هذه البلدان سوف تنال حريتها في وقت قريب رغم شراسة الأنظمة القمعية الحاكمة وما تمارسه من قمع عار بحق شعوبها بما فيه استخدام الطيران والسلاح الثقيل (ليبيا نموذجاً).
أما بالنسبة لسوريا وهي موضوعنا ومحط اهتمامنا كوننا مواطنون سوريون ونعرف جيدا سياسة النظام وما يمارسه من قمع أمني شديد بحق الشعب بكافة مكوناته وتحديداً بحق اصحاب الرأي والمهتمين بالشأن الإنساني والثقافي العام.
لابد من التأكيد على وجود تشابه كبير بينه وبين تلك الأنظمة الراحلة والتي في طور الرحيل من حيث سيطرة الحزب الواحد على مفاصل الدولة والمجتمع وفرض الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية وقمع الآخر المختلف معه في التوجه السياسي والثقافي، والإعلام المبرمج على مقاس النظام وغياب الصحافة المعارضة وحتى المحايدة, فالحياد مرفوض لدى النظام والمسموح به فقط لمن يصفق له ويروج لسياسته ويسبح بحمده, أما الفساد الإداري رغم كل الدعوات المتكررة بإصلاحه فانه بات مستشرياً وتحول إلى مرض مزمن لا يمكن معالجته بالقرارات الفوقية والمراسيم الرئاسية ولا بد من إجراءات جذرية وحاسمة في تغيير الكادر الإداري أفقيا وعمودياً.
وإذا كانت كل هذه العوامل من التشابه بين النظام في سوريا وهذه البلدان فلماذا تبقى سورياً بمنأى عن هذه التحولات الكبيرة؟
ـ المسألة مسألة وقت لا أكثر حسب رأي معظم المحللين السياسيين وان ناراً تحت الرماد تتوهج شيئاً فشيئاً والحادثة البسيطة بين المواطن والشرطي في الحريقة في قلب العاصمة دمشق وتضامن أكثر من 5 آلاف مواطن في لحظات قليلة وبصورة عفوية مع هذا المواطن ورفعهم شعارات (الشعب السوري ما بـيـنـذل – يا حرامية) إلا عنوانا لبصيص النار الكبير الذي يفعل فعله بهدوء ولكن بقوة، ولولا تدخل وزير الداخلية مباشرة ومعالجة الموضوع بحكمة وهدوء لحدث ما لم يكن يتوقعه احد.
إذا الموضوع والحدث كبير لم يعد قابلاً للتأجيل ولن يسعف النظام محاولاته إضفاء الطابع السياسي والعامل الخارجي العام والوطني على ما يحصل في تلك الدولة من حيث موالاتها لأمريكا أو كامب ديفيد… الخ فإيران والجزائر واليمن وليبيا لم يكونوا من أتباع كامب ديفيد ولم يتم رفع لافتة واحدة في تلك المظاهرات تنوه إلى كامب ديفيد أو الصمود والتصدي كما جرى الترويج له في الإعلام السوري. والشعار الرئيسي للتظاهرات والإعتصامات كان ولازال (الشعب يريد اسقاط النظام) إلى جانب شعارات أخرى ضد الديكتاتورية والإستبداد.
وان ما يحصل في هذه الدول هو ثورة الخبز والحرية رغم إرادة أمريكا والغرب والشعارات القومية المرفوعة هنا وهناك.
وإذا كان النظام يحاول مسك الخيط من طرف واحد والاهتمام بالجانب الاقتصادي فقط (كما يصرح)، وذلك بتوزيع بعض الفتات على المواطنين أو خفض أسعار بعض السلع على أمل أن يغض المواطن الطرف عن المطالبة بحريته السياسية ورفع القمع الأمني عنه وتركه الاستئثار بالسلطة والدولة معاً. وبوسائله المعتادة والممارسة منذ نصف قرن فهو (النظام) واهم لان رياح التغير عاتية ومن الصعب مواجهتها بمثل هذه الوسائل البدائية, علما أنه لا زال أمام النظام فرصة ذهبية ويفترض به تداركها قبل فوات الأوان وقبل أن يصعد احد أقطاب النظام المنبر ويردد ما ردده بن علي ومبارك وعلي صالح وحمد عيسى والقذافي الابن بأنهم فهموا كل شيء وأنهم على استعداد لمعالجة كل شيء ولكن كما يقول المثل (بعد خراب البصرة) وبعد سيلان الدم والدموع في الشوارع وبعد ضياع فرصة المصالحة والإصلاح الحقيقي وتكبيد البلاد خسائر بشرية ومادية لا تقدر بثمن.
كما أنه معلوم أن الدول الديمقراطية لاتتحارب فيما بينها وأن الديمقراطية هي المفتاح الرئيس للتقريب بين الدول المتجاورة وتساعد على تشكيل الكيانات الكبرى كالإتحاد الأوروبي فهل لنا أن نتصور تحول الدول العربية إلى دول ديمقراطية وإنشاء اتحاد فيما بينها باستثناء سوريا !!
لذلك ولكل ما تقدم فان النظام مدعو اليوم وقبل الغد على البدء بسلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية الكبيرة لبناء سورية جديدة – سوريا الحرية والديمقراطية – بكل ما تعني الكلمة من معنى عبر جملة متكاملة من القرارات وفي مقدمتها:
1- إصدار عفو عام عن جميع السجناء السياسيين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية دون استثناء .
2- رفع الحظر الأمني عن جميع المهجرين والمبعدين عن الوطن لأسباب سياسية ودعوتهم للعودة الى وطنهم ودون أية مراجعات أو مساءلات أمنية.
3- إعادة المفصولين والمنقولين لأسباب سياسية إلى وظائفهم وتعويضهم مادياً عن جميع الأضرار التي ألحقت بهم جراء عمليات الفصل والنقل التعسفي الأمني.
4- إعادة الجنسية للكرد المجردين من الجنسية السورية بموجب إحصاء 1962 وتعويضهم عن الغبن الذي لحق بهم خلال هذه الفترة الطويلة.
5- وقف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية.
6- إلغاء كافة القرارات والمراسيم الاستثنائية التي تتعلق بالشعب الكردي في سوريا وكذلك بالتيارات الدينية مثل قانون 49 الخاص بالإخوان المسلمين والمرسوم 49 لعام 2008 الخاص بالمناطق الحدودية .
7- فتح باب القنوات الإعلامية الرسمية (صحافة – راديو – تلفزيون — الخ) أمام جميع أطياف المعارضة والنخب السياسية والثقافية وعلى مختلف انتماءاتهم لإفساح المجال أمام كافة ألوان المجتمع السوري للتعبيرعن ذاته ورأيه بكل حرية وصراحة.
8- دعوة النظام (وحلفائه من أحزاب الجبهة) لكافة أطياف المعارضة السورية دون استثناء وفتح باب الحوار الجاد والمسؤول ينبثق عنه تشكيل لجنة (قانونية – سياسية) لصياغة دستور عصري جديد لسوريا يعتمد قاعدة اللامركزية في الحكم للدولة، والمبادئ الديمقراطية الحقيقية والمساواة التامة في الحقوق والواجبات والتوزيع العادل للثروة على أن يتضمن في صياغة الدستور الخطوط العريضة لحل القضية الكردية في سوريا كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية مع احترام خصوصيته وكذلك حل قضايا الأقليات الأخرى وبأسلوب ديمقراطي بعيداً عن نظرة الاستعلاء القومي والمفاهيم العنصرية ومن مبدأ سورية وطن الجميع وتتسع للجميع ومن حق الجميع أن يتمتعوا بكامل حريتهم وحقوقهم الوطنية و القومية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.
9- إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وفق الدستور الجديد وتحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الحقوقية والدولية والمحلية.
ولكن يبقى السؤال الكبير والمهم
ـ هل يملك النظام القدرة على السير بهـذه الخطوات ( التنازلات المؤلمة حسب قناعته) بعد ثمان وأربعون عاما من الإنفراد بالحكم؟
هذا ما يجب أن يجيب عليه النظام
اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي