صفحات سورية

إسرائيل بين استعدادات الحرب وأحاديث السلام

null
باتريك سيل
تدل الإشارات الحادة التناقض التي تطلقها إسرائيل اليوم على الجدال الصعب والذي لم يحسم حتى الآن، الذي يدور بين زعماء هذا البلد حول الطريقة التي يجب أن تعيش فيها إسرائيل في الشرق الأوسط. تزعم إسرائيل أنها تريد السلام، إلا أنها تعمل من دون ملل للاستعداد إلى الحرب.
إسرائيل قوية للغاية على الصعيد العسكري. إلا أنها ضعيفة إلى حدّ تبدو فيه غير قادرة على الشعور بالأمان إلا إذا كان العرب من حولها خاضعين لها. وتُشير تناقضات مماثلة إلى حالة متقدمة من الانفصام الوطني.
ويقع في قلب الجدال قلق إسرائيل على تدهور قدرتها الرادعة التي طالما افتخرت بها، إذ قوّضها كل من «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في غزة وبروز قوة إيران. ومنذ أن أقامت إسرائيل دولتها، سعت إلى فرض سيطرتها العسكرية على المنطقة برمتها، وقد توصلت إلى ذلك. ويتسبب افتراض مفاده أن هذه السيطرة لن تدوم إلى الأبد، وأن من الضروري اعتماد طريقة تفكير جديدة لجهة المسائل الأمنية، باضطراب حادّ بين المخططين الاستراتيجيين في إسرائيل.
يجسّد إيهود أولمرت، رئيس الوزراء المستقيل، هذا الاضطراب العقلي. أقرّ أولمرت في مقابلة مطوّلة اختتم بها عهده كرئيس للوزراء مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وحازت اهتماما دوليا كبيرا، بأن أمام إسرائيل حاليا فرصة وجيزة، أي وقتاً قصيراً للغاية، لتتوصل إلى اتفاق تاريخي مع الفلسطينيين ومع سورية.
وأوضح أن الأمر قد يعني بالضرورة انسحابا إسرائيليا «من معظم الأراضي إن لم نقل من جميع الأراضي… بما في ذلك اراض في القدس، لأنه من دون ذلك، لن يحل السلام». وأضاف: «يكمن الهدف في محاولة التوصل للمرة الأولى إلى ترسيم دقيق للحدود بيننا وبين الفلسطينيين، ليقول العالم بأكمله هذه هي حدود إسرائيل وهذه هي الحدود المعترف بها للدولة الفلسطينية».
كما بدا أولمرت حازما في موضوع السلام مع سورية فقال: «أود أن أعرف ما إذا كان يوجد شخص واحد جدّي في دولة إسرائيل يؤمن بأنه من الممكن إبرام اتفاق سلام مع السوريين من دون التخلي عن هضبة الجولان».
كما أنه أظهر صراحة لافتة إزاء إيران عبر القول إن الاتهامات التي وجهتها إسرائيل إلى إيران، ولا شك أنه كان يعني محاولات الإساءة إلى إيران وتهديدها وتحريض الرأي العام الدولي ضدها، كانت مجرد أعراض لجنون العظمة التي تشكو منها إسرائيل. وتابع أولمرت بالقول «نحن بلد فقد حس التناسب بين نفسه والآخرين».
تعتبر هذه أفكاراً رائعة، إذا أمكن تصديق كلمات أولمرت. لكن كما هي الحال دائما معه، سرعان ما تناقض أفعاله أقواله. ففي هذا الأسبوع، سارع للذهاب إلى موسكو للطلب من الرئيس ديميتري ميدفيديف عدم بيع أنظمة مضادة للطائرات إلى إيران أو سورية. هذا يعني بوضوح أن إسرائيل لها الحق وحدها في امتلاك حق الدفاع عن نفسها في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، ستحصل إسرائيل على اكثر طائرة حربية اميركية تطوراً، وهي الطائرة المقاتلة من طراز «الشبح» الخارقة لجدار الصوت «أف 35»، في إطار صفقة شراء 25 طائرة، تقدر قيمتها بأكثر من 15 بليون دولار، مع احتمال شراء 50 طائرة إضافية.
بالتالي، ستكون إسرائيل اول بلد لا ينتمي إلى حلف شمال الأطلسي ويملك الجيل الأحدث من الطائرات المقاتلة، معززّة بالتالي تفوقها الجوي القائم حالياً على الدول المجاورة كافة. هذا بالإضافة إلى مئتي رأس حربي نووي أو أكثر التي تملكها وإلى صواريخ «كروز» البعيدة المدى الموجودة على الغواصات وما تبقى من ترسانتها الهائلة.
وكأن ذلك ليس كافيا، استخدم الجيش الأميركي أو يستعد لاستخدام نظام رادار أميركي حديث في النجف، يُشغّله الطاقم الأميركي، أقلّه في بادئ الأمر. وهو يهدف إلى السماح برصد مبكر للصواريخ الإيرانية القادمة، رغم أنه ما من دليل يشير الى أن إيران تملك القدرة أو النية أو الحاجة الانتحارية، إلى شن هجوم مماثل. واعتبرت الصحف الإسرائيلية أن السبب الرئيسي لنشر نظام الرادار يكمن في تعويض إسرائيل عن معارضة واشنطن لشن هجوم على إيران.
فهل تخلت إسرائيل عن خططها لضرب منشآت إيران النووية؟ يعتبر رئيس الخارجية الفرنسية برنار كوشنير أنها لم تتخل عنها. وفي زيارة قام بها إلى إسرائيل في الأسبوع الماضي، صرح لصحيفة «هآرتس» بأن «إسرائيل طالما رددت أنها لن تنتظر أن تصبح القنبلة الإيرانية جاهزة. ويعرف الإيرانيون والعالم أجمع ذلك». وأضاف: «إن الخيار العسكري ليس الحل فهو خيار خطر لكن قد يتم اللجوء إليه». وليست هذه الرسالة الحازمة التي توقع البعض أن تصدر عن فرنسا لمعارضة استخدام القوة.
وفي المقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» طمأن أولمرت الإسرائيليين الى أن «القوة التي نملكها اليوم عظيمة وهي كافية لمجابهة أي تهديد». وأضاف: «يجب أن نبحث اليوم في طريقة استخدام أسس القوة هذه، بغية بناء السلام وليس ربح الحرب».
لكن ما من إشارة تدل على إمكانية التوصل جدياً إلى حل سلمي قريبا. وتعمل تسيبي ليفني، الزعيمة الجديدة لحزب «كاديما»، في ساحة سياسات إسرائيل المضطربة بغية تشكيل ائتلاف مناسب. وبعدما لعب زعيم حزب العمل إيهود باراك دور الشخصية الصعبة المنال، يبدو اليوم أنه يميل إلى الانضمام إلى هذا الائتلاف. لكن بغية ضم حزب «شاس»، وهو حزب لليهود الشرقيين (السيفارديم)، تعهدت ليفني بعدم الدخول في مفاوضات حول القدس مع الفلسطينيين. ومن شأن ذلك أن يبعد احتمال التوصّل إلى أي اتفاق معهم.
فيما يتطرق أولمرت إلى الحاجة الملحة لإحلال السلام، يهدد الإسرائيليون الآخرون بشن حرب مدمرة. ففي مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» منذ أسبوع، حذر الجنرال غادي عيسنكوت قائد منطقة الشمال في الجيش الإسرائيلي قائلاً: «سنستخدم قوة غير متكافئة ضد كل قرية يتم إطلاق النار منها على إسرائيل وسيسبب ذلك ضرراً ودماراً كبيرين… وقد تمت الموافقة على تنفيذ هذه الخطة».
ويؤمن الصقور الآخرون كالجنرال في الاحتياط جيورا عيلاند، وهو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي، أنه يجب أن تعلم الحكومة اللبنانية جيدا أنه في الحرب المقبلة، ستدمر إسرائيل الجيش اللبناني والبنية التحتية المدنية اللبنانية.
وفي هذا الوقت، استكمل قائد «الموساد» مائير داغان جهوده للإخلال باستقرار جيران إسرائيل. ومن بين العمليات التي نسبت إليه، ذكرت الصحف الإسرائيلية الاستعدادات التي قام بها لشن ضربة جوية إسرائيلية في شهر أيلول (سبتمبر) 2007 ضد مبنى عسكري سوري، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قد زعمتا أنه منشأة نووية، فضلا عن اغتيال عماد مغنية في سورية وهو أحد كبار المسؤولين الامنيين في «حزب الله» وتدمير موكب تابع للحرس الثوري الإيراني بالقرب من إيران، قيل إنه ينقل أسلحة الى «حزب الله».
وهذا الاسبوع أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أنه تم تفكيك «خلية إرهابية» مرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية. وتم اعتقال ستة من أعضاء هذه الشبكة التي تعمل تحت «شعارات اسلامية»، بشبهة الضلوع في الهجوم الذي شن في 17 أيلول (سبتمبر) على السفارة الاميركية في صنعاء وأودى بحياة 18 شخصا.
رفضت إسرائيل هذه الاتهامات معتبرة إياها «تافهة» إلا أنها حشدت الولايات المتحدة ضد «الإسلام المتطرف» وبالتالي ضد العرب. وطالما كانت هذه سياسة إسرائيل منذ زمن طويل. هل يمكن أن يكون ذلك عملية «استخدام خاطئ للمعلومات»، على غرار قضية لافون في العام 1954 عندما قصف العملاء الإسرائيليون مكتبات تابعة للاستخبارات الأميركية في القاهرة والإسكندرية ومسرحا يملكه البريطانيون بغية تحويل الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الزعيم المصري جمال عبد الناصر؟
على رغم عبارات أولمرت الطيبة، لا يزال السلام يبدو بعيدا للغاية.
•        كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
الجياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى