طاولة واحدة لكنْ لا مصافحة
حازم صاغيّة
على طاولة واحدة في باريس، في القمّة المتوسطيّة الموعودة، سوف يجلس الرئيس السوريّ بشّار الأسد ورئيس حكومة اسرائيل ايهود أولمرت، أو من ينوب منابه في حال استقالته أو سقوطه لسبب ما. لكن الرئيس السوريّ، على ما أوضحت دمشق، لن يصافح ممثّل اسرائيل الأوّل.
حسناً. من حقّ سوريا أن تفعل ما هو في صالحها الوطنيّ والعامّ، أو ما تراه كذلك. ووحدهم الديماغوجيّون والشعبويّون وأصحاب النوايا السيّئة دائماً من سيأخذون عليها مسالمة إسرائيل إذا سالمت، ومن يأخذون على رئيسها التفاوض مع ندّه في الدولة العبريّة.
ما ليس من حقّ النظام السوريّ، والحال على ما هي عليه، استغفالنا والحديث عن الجلوس على طاولة واحدة من دون تبادل السلام. والاستغفال هذا الذي يراد منه تجسير الهوّة بين ضرورات الواقع وخرافات الايديولوجيا القوميّة، يبلغ حدّ اعادة الاعتبار للوعي الوثنيّ. ففي عالم الوثنيّة وحدها يغدو التخاطب والمؤاكلة والمصافحة والتعبير بالإشارات والإيماءات بديلاً من المضمون الفعليّ للأمور، اختلافاً أو اتّفاقاً. والحقّ أن الرئيس المصريّ الراحل أنور السادات كان، قبل ثلاثين عاماّ، قد تخلّص من هذا النزوع الوثنيّ حين توجّه الى تلّ أبيب وابتدأ عمليّة سياسيّة شجاعة وجبّارة تدور حول أساسيّات الخلافات، لا حول التحدّث معاً والمصالحة والجلوس أو عدم الجلوس على طاولة واحدة.
والراهن أن هذا التصوير الوثنيّ للنزاع العربيّ – الإسرائيليّ (شوهدوا معاً، تصافحوا، الخ…) لم يلعب فقط دوراً ابتزازيّاً محضاً من قبل الأنظمة، خصوصاً نظام البعث، بل أدّى الى توسيع الهوّة الفاصلة بين العرب والعالم: يكفي أن يحضر إسرائيليّ مؤتمراً علميّاً، مثلاً لا حصراً، حتّى نقاطعه. أما السؤال عن الخاسر والرابح من سلوك كهذا، فيُفترض بجوابه أن يكون معروفاً سلفاً.
هكذا توجّه اللغة السياسيّة السوريّة طعنة نجلاء للعقل تجد ما يكمّلها في التعاطي الدمشقيّ مع حكومة لبنان الشرعيّة. فهذه الأخيرة ليس من حقّها، في عرف دمشق، الجلوس على طاولة واحدة مع “العدوّ الاسرائيليّ”، ناهيك عن المصافحة… حتى لا نقول: التوصّل الى سلام. فما يقدم عليه القويّ حقّ لا يُناقش فيه، بينما الأمر نفسه يغدو خيانة إذا ما أقدم عليه الضعيف تبعاً لصالحه الوطنيّ والعامّ. والأنكى والأشدّ ايلاماً ان هذا “الاستحمار” (والتعبير للمثقّف الإسلاميّ الإيرانيّ علي شريعتي) يجد بين اللبنانيّين أعداداً ضخمة تردّده وتعيده وتعتمده مرجعاً للقياس!
لهؤلاء يقال: برافو.