المصالح المتبادلة نواة الإتحاد المتوسطي
نـوري بـريـمـو
مع دنو موعد قمة (الإتحاد من أجل المتوسط) المزمَع إنعقاده في العاصمة الفرنسية باريس، في يوم الثالث عشر من تموز الجاري 2008م، ومع إقترابنا من محيط دائرة العدّ التـنازلي للحظة إطلاق صافرة إنطلاقة هذا المشروع الأورومتوسطي الذي يبدو أنه سيشكـّل بدخوله في طور التنفيذ العملي، نقطة البداية لمرحلة متوسطية جديدة قد تكون مغايرة أو بالأحرى أكثر إنفتاحية من سالفاتها الموصوفة بالإنغلاقية والعدائية.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة، فإنّ معظم الدلائل توحي إلى أنّ خيوط نسيج هذا المشروع باتت تـنكشف شيئاً فشيئاً لتـُظهر للقاصي والداني بأنه في الغالب فضاء ديموقراطي مبني على مبادرة سياسية هادفة لجمع شمل دول المنطقة ودفعها صوب مصالحات سياسية هامة ومشاريع إقتصادية حيوية لطالما حلـُمتْ بها بلداننا الشرق الأوسطية التي إعتادت في الماضي على التصارع مع جيرانها الأوربيين المتشاطئين معها في الطرف الآخر من هذا البحر الذي قد يدفع بإندفاعة أمواجه التي كانت عاتية والتي أضحت في طريقها إلى نوع من التهدئة التي من شأنها تحويل هذه الصراعات المؤذية إلى حوارات حضارية قد تجلب الأمن والإستقرار والخير لكافة شعوبنا الحاضنة بشكل طبيعي لحوض البحر الأبيض المتوسط العظيم بعظمة تاريخه وبحضارية حاضره وبإستشراقية مستقبله المنشود بهكذا مشاريع سياسية إقتصادية مصيرية ولا يجوز الإستهانة بأهميتها على هذا الصعيد المحلي القريب أو ذاك الأبعد منه مكاناً وزماناً.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه بعض المحللين السياسيين السلبيين بطباعهم ومراميهم، بأنّ أي تفاؤل بنتائج هذه القمة يمكن إعتباره في عداد الرهانات الخاسرة التي قد تصدمنا بسراب دولي آخر كما كان يحدث في الجولات السابقة!؟، فإنّ البعض الآخر الإيجابي يعتبر بأنّ ما يجري هو خيار إستراتيجي في المسار الصحيح الذي قد يضع قطار العلاقات المتوسطية فوق سكته السليمة، في الحين ذاته تؤكد بعض الرشوحات الخبرية المبشرة بالخير والإطمئنان، بأنّ هذه القمة التي يجري الترويج لها هنا وهناك، هي نقلة نوعية بشكلها وبمضمونها، خاصة وأنها ستستضيف حول طاولتها المستديرة التي سترعاها فرنسا كلاً من الرؤساء الذين كانوا متعادين وقد يصبحوا متعانقين بفعل هذا الملتقي الإنفراجي، كالرئيس الفلسطيني محمود عباس والسوري بشار الأسد واللبناني ميشيل سليمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، إضافة لرؤساء كل من تونس والجزائر والمغرب ومصر واليونان وتركيا وقبرص وغيرها من الدول المتوسطية التي ستتمثـّل في هذا المحفل الدولي الذي سيشرف عليه ويحضره عدداً من زعماء الأسرة الدولية التي باركت وستبارك إنعقاد مثل هكذا حضور دولي ينشد لتأسيس حلف طويل الأمد وذو أهمية بالغة.
ولعلّ ما يضفي صفة الديمومة على هذا المشروع الذي لا يزال في طور التنشئة والسائر بإتجاه ترجمته لاحقاً إلى حقيقة عيانية راسخة، هو ترافقه لا بل تلازمه مع مشروعات إقتصادية فعالة يجري تمويلها بأموال هائلة قد تزيد من فـُرَص العمل والحوار والتواصل فيما بين الدول المتشاركة ضمن إطار هذا الاتحاد من اجل المتوسط، وبما أنّ العامل الإقتصادي بحد ذاته هو وسيلة لتحقيق غايات لا حصر لها، فإنه كلما تعززت المصالح المشتركة بين بلداننا المتجاورة تقلصت معها مختلف الصراعات والخلافات والمواجهات بينها، وإنقلبت الممانعات إلى معانقات والتنابذات إلى تجاذبات والـ…إلخ، ما قد ينعكس بالضرورة بشكل إيجابي على حاضر ومستقبل شعوبنا التي ستكون المستفيد الأكبر من التداعيات، لكن بالمقابل كلما تشربكت الأمور وتكالبت الخلافات فإنها ستجلب معها المزيد من الإنتكاسات، ويمكن إعتبار قرار نقل مقر الأمانة الدائمة للإتحاد من تونس إلى بروكسل بمثابة أول إرهاصة لقاطني جنوب المتوسط المعنيين بالمشروع، فلولا الانقسام الذي حصل بينهم الشهر الماضي في ليبيا لما تم إستبدال تونس ببروكسل…!؟، في حين يبدو أنه ليست هنالك أية مخاوف مستقبلية على الرئاسة المشتركة للإتحاد التي من المقرّر أن تنحصر بين فرنسا ومصر التي من المرجّح أن تتولى الرئاسة على مدى عامين، أي إلى حين موعد انعقاد القمة الثانية للاتحاد في القاهرة.
ولتحقيق المزيد من التفاعل الإيجابي مع هذا الحدث المعني بشؤون منطقتنا سواءً أرضي بعض حكامها أم لم يرضوا بذلك، ليس بالوسع سوى التأكيد على أنّ التوافق ينبغي أن يكون سيد الموقف، لأنّ أي تردد أو إعاقة من قبل أي طرف قد يزحلق بلداننا إلى منزلقات دولية لا ناقة لشعوبنا فيها ولا جمل، ويبقى خيارنا الأفضل هو تدارك واقع الحال عبر الإلتحاق بهذا الركب الحضاري الجامع.
خاص – صفحات سورية –