بيرة معتمة لتخفيف عتمة القلب
الشخص الذي يسكن لصق بيتي، سألني ماذا يفعل المرء الذي يعيل عائلة من زوجة وولدين لكي يسدد الأقساط الشهرية المترتبة عليه، وهو لا يملك أن يشترك في المولّد الكهربائي في الحي بسبب غلاء المازوت، كما يتحاشى ان يقود سيارته العتيقة بسبب ارتفاع صفيحة البنزين.
هو لم يسألني مباشرةً، لكني رأيته متجهماً ذلك الصباح وهو ينقل المأكولات المحفوظة في برّاد مطبخه راجياً مني أن أضعها موقتاً في برّادي كي لا تفسد بسبب عدم قدرته على مواصلة الاشتراك في المولّد.
هذا الجار يقبض شهرياً ما يعادل تقريباً مليوناً ومئة ألف ليرة لقاء أشغال مياومة مختلفة، هنا وهناك. وهذا المبلغ لا يقوم بأوده وأود عائلته، فكيف يقوم بأود الكهرباء والمازوت وما سوى ذلك. قال لي إن ولديه يدرسان في مدرسة رسمية، وهذا يعفيه من دفع الأقساط. وسألني إن كنتُ أستطيع أن أساعده في إيجاد عمل، أي عمل، لزوجته التي تتمنى العثور على وظيفة للتخفيف من الأعباء، ولم تفلح حتى الآن مع انها متعلمة وتحمل شهادة مقبولة.
كلما عدتُ ليلاً الى البيت، رأيتُ هذا الجار متكئاً على البلكون، منتظراً في عتمته المتألمة أن يعود التيار الكهربائي الرسمي لكي يستعيد المأكولات المحفوظة موقتاً في برّادي.
جاري لا يسرق ولا ينهب ولا ينصّب على الناس، وهو ليس حزبياً ولا ينتمي الى أي طرف سياسي، وليس عنده زعيم يلجأ اليه، ولا يريد زعيماً يلجأ اليه. يريد فقط أن يعيش كمواطن صالح تحت سقف الدولة الصالحة.
قال لي ليل أمس بالذات، إن عائلته لم تعد تتحمل هذا الذل المعتم، وهو لا يريد ان يخرج على قيمه وأطواره. سألني ماذا يفعل فلم أعرف أن أعطيه جواباً شافياً. فقط، شربنا قنينتين مثلّجتين من البيرة الوطنية المعتمة (السوداء) تخفيفاً، ليس لعتمة الكهرباء، وإنما فحسب لعتمة القلب.
بقلم مواطن
النهار