عودة الدور الإقليمي السوري
رنده حيدر
قد يكون الاستنتاج الأولي بعد مرور عامين على الحرب الاسرائيلية ضد لبنان أنها ساهمت في صعود القوة السياسية لـ”حزب الله” وأظهرت ضعف الحكومة الاسرائيلية واخفاقات جيشها. والأدلة على ذلك كثيرة ومتعددة؛ من استرجاع “حزب الله” زمام المبادرة في الحياة السياسية الداخلية اللبنانية وفرضه شروطه على الأكثرية النيابية، الى موافقة الحكومة الإسرائيلية على صفقة تبادل الأسرى مع الحزب، والذين من أجلهم خاضت حكومة أولمرت في صيف 2006 حربها ضد “حزب الله”، مروراً بنجاح “حزب الله”، رغم القرار 1701 وانتشار القوات الدولية المعززة جنوب الليطاني، في استرجاع قدراته العسكرية والحصول على كميات أكبر من السلاح والذخيرة التي كانت لديه قبل حرب تموز، وتمكنه وفقاً لتقارير المراقبين لتنفيذ القرار الدولي من التغلغل جنوب الليطاني من جديد واعادة تمركزه واسترجاع مناطق نفوذه وانتشاره العسكري البعيد عن أعين جنود “اليونيفيل” وعبر ما يطلق عليه الخبراء العسكريون الاسرائيليون “المحميات الطبيعية” للحزب.
لكن ما شهدته نهاية العام الماضي ومطلع هذا العام من تطورات أضاف الكثير من الظلال على ما حققه كل من “حزب الله” وسوريا في الحرب الأخيرة. فالغارة الاسرائيلية على المنشأة النووية شمال سوريا من دون اي رد سوري عليها الان، واغتيال القائد العسكري لـ”حزب الله” عماد مغنية في قلب العاصمة السورية من دون ان يظهر حتى الى الآن ما يدين اسرائيل مباشرة وهي الجهة التي اتهمها الأمين العام السيد حسن نصر الله بأنها وراء العملية ، والحدث الأهم عودة المفاوضات السياسية السلمية غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا برعاية تركية، بالاضافة الى تزايد الحديث عن محاولة دولية حثيثة لحل مشكلة مزارع شبعا بنقلها الى رعاية الأمم المتحدة الى ان يتم ترسيم الحدود بين لبنان اسرائيل.
كل ذلك بدأ يطرح من جديد دور سلاح “حزب الله” في المرحلة المقبلة من الحياة السياسية في لبنان والتي على ما يبدو دخلت طوراً جديداً مع خروج سوريا من عزلتها الدولية وتحررها من وطأة الاتهامات الموجهة اليها بالضلوع في سلسلة الاغتيالات التي طالت شخصيات سياسية لبنانية بارزة على رأسهم رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. والمشهد الذي سيقدمه مؤتمر دول البحر المتوسط المنعقد في باريس الأسبوع المقبل والذي سيحضره الرئيس السوري بشار الأسد أبرز شاهد على التبدل الحاصل.
بعد ان وظفت سوريا الانتصار الذي حققه “حزب الله” في مواجهاته مع الجيش الاسرائيلي صيف 2006 من اجل استعادة نفوذها السياسي في لبنان بعد خروج جيشها المهين من هناك بضغط شعبي هائل لم يعرفه لبنان من قبل؛ ها هي اليوم تحاول توظيف هذا النفوذ بالاضافة الى مفاوضاتها غير المباشرة مع اسرائيل من أجل الخروج من عزلتها الدولية بإظهار نفسها الدولة العربية ذات الدور الإقليمي، القادرة على منافسة دول عربية كبيرة مثل مصر والسعودية لتحقيق الإستقرار في لبنان والمصالحة الفلسطينية، من دون ان تضطر في المقابل الى تقديم ما يمس أو يضر بدعمها غير المحدود لـ”حزب الله” ولا بتحالفها العسكري الوثيق مع ايران.
المشهد بعد عامين على حرب تموز مركب وشديد التعقيد. من جهة هناك اسرائيل التي تشعر أن زمن المواجهة العسكرية مع المشروع النووي الإيراني بدأ يقترب ومن هنا الحاجة الى تأمين الحد الأدنى من التهدئة على جبهتيها: الشمالية مع لبنان والجنوبية مع “حماس” حتى لو بدت هذه السياسة في نظر أعدائها في الخارج وأخصامها في الداخل متساهلة وضعيفة؛ ومن جهة اخرى هناك دولة مثل سوريا التي تدرك تماماً أنها اذا ما استمرت الى النهاية في تحالفها مع ايران في الظروف الدولية الحالية الضاغطة والتهديدات المتصاعدة بين ايران واسرائيل سيؤدي ذلك الى دفعها أثماناً باهظة؛ في الوقت الذي بامكانها ان تحصل على ما تريد: الجولان ولبنان من دون أن تدفع شيئاً.
النهار