محاكمات !
محمد زكريا السقال
اليوم يقف معتقلو اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي,,بقصر العدل، من أجل محاكمتهم بتهم ملفقة وغير دستورية ومضحكة.
نعرف نحن الذين عايشوا عسف هذه السلطة الأمنية، طبيعتها، ونعرف فسادها وتسلطها على رقاب المواطنيين. ونعرف كيف أُبد قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية. ونعرف أننا كوطنيين سوريين محكمون بالأمل والحلم بوطن فضائه الحرية واسسه الكرامة والعدالة. وندرك أيضا ان هذا لن يكون مجانا بل له ثمنا ندفعه بسخاء، وقد دفعنا ومازلنا ندفع دماء واعتقال ونفي. وما وقوف رفاقنا اليوم امام القضاء الافتراضي الا حالة من الثمن الذي يدفع. هذا كله نعرفه. لكن الذي لا نعرفه ونندهش له، هو هذا الصمت من قبل المثقفين العرب واحزابهم وحركاتهم. كيف يمكن الصمت عن هذا العسف والظلم، رغم إننا ندين بكثير من الاحترام والتقدير لعدد من الكتاب الذين لم يرتضوا الكذب على أنفسهم قبل الآخرين، واعلنوا تضامنهم مع المعتقلين دون مجاملة او تدليس لأنهم لا يريدون أن يخسروا أنفسهم.
فالمثقف هنا عبارة عن موقف. موقف مع الحرية والحق والعدالة والحياة، وخارج هذا المفهوم يصبح المثقف نصاب، أو ثرثار و منافق. لذا لا بد من ذكر هؤلاء السادة الذين رفعوا صوتهم تضامنا واستنكارا مع الوطنيين السوريين وضد اعتقالهم. نخص منهم الرئيس سليم الحص، الياس خوري، فهمي هويدي ، فواز طرابلسي وكثيرين لا تحضرهم الذاكرة. إلا أنه يبقى الجل الأكبر من المثقفين العرب في دائرة الاستفهام.
لماذا نتصدى لمثل هذه الظاهرة فلأنا أولاً نهتم بالوضع العربي ومستقبله وحريته، وثانياً لأن سورية حلقة مهمة ومركزية لنهوض المشروع العربي المأمول أن يأخذ على عاتقه حل كل المسائل التي خانتها الأنظمة العربية وطرحتها بمزاد الدول العظمى.
أن طرح هذا الموضوع بالحقيقة ليس موضوعه التضامن مع رفاقنا المعتقلين على أهميتها، بقدر ماهو تسليط الضوء على نهج ينهجه المثقفين العرب، الذين يريدون تحرير الوطن دون أحرار، دون رفاق، وهذا بدوره يملي فهما قاصرا، حيث يعتقدون بهذه الحالة أن النظام في سوريا هو نقطة الارتكاز لهذا المشروع التحرري. وهنا هم يكذبون على أنفسهم وعلى الجماهير، وذلك لنقص كل الشروط الأساسية التي يجب ان تمتلكها هذه الحلقة. قد يجابهوك ببعض المخاوف وهذا وارد إلا أنهم يتهربون أيضا من المقدمات التي يمكن لها أن تشكل سياق هادئ ومتوازي من أجل الوصول لهذه الشروط. أي ألا يمكن أن تتعزز سوريا وتحصن من خلال مناخ التغيير الديمقراطي الذي سيكون متدرجا وسلميا يعيد تمتين الوحدة الوطنية، ويعزز الحياة الدستورية، ويشيع التعددية السياسية. ألا يمكن الغاء قانون الطوارئ، ألا يمكن أن يشرع قانون للأحزاب، قانون للاعلام. كثيرة هي الأسئلة، والتي هي حقوق أساسية من المفروض أن يتمتع بها أي شعب. من حق الشعوب أن تكون لها سلطتها على أوطانها من خلال ممثليها، من حق المواطنيين النقد والاحتجاج، والاعتراض والتظاهر. هذه القضايا لا يقف عندها المثقفون العرب الكثيرو الحج لموائد النظام، ولا أحزابهم، وكأن وضع سوريا لايعنيها. غريب أمر هؤلاء، فهم لشدة ثوريتهم لايناقشون أدبيات الحركة الوطنية السورية، حتى ولا يبدون ملاحظاتهم عليها. الغريب أنهم يهتمون بأمريكا اللاتينية وهذا مهم ولكن ايضا اهتموا بسوريا بعض الشئ .
اليوم أيها المثقفون العرب وبقصر العدل يقدم الوطنيون السوريون مرافعة اتهام ضدكم، سيقرأ هؤلاء الوطنيون مرافعتهم التي ستكون مقدمتها ان الوطن لا يبنيه سوى الأحرار، والتاريخ تسجله المواقف، لذا فالسجن والجلاد والصامتون والوالغون والمنافقون أدوات احتلال بغيض.
* برلين