القارئ هو أكبر تهديد للصحف الورقية
حسين جمو
تواجه الصحافة الورقية تحديات كبيرة في ظل انتشار وسائل الإعلام الفضائي المعتمد على الصوت والصورة في نقل الحدث، إضافة الى إدمان جيل الشباب على الإنترنت الذي أصبح يشكل للكثيرين البديل الأكثر تطوراً عن الصحافة الورقية. هذه التحديات تناولها بالشرح والأرقام الصحافي والإعلامي البارز عبدالوهاب بدرخان، في ندوة نظمتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في 16 يونيو 2008، ولم يُخفِ عبدالوهاب بدرخان قلقه على مستقبل الصحافة الورقية، إلا أنه فصل بين مصيرها في الغرب عن عالمنا العربي، لأن ما يجري للصحافة الورقية هناك لا يعكس صورة مستقبل الصحافة الورقية في العالم العربي. ودعم بدرخان وجهة نظره بالكثير من الأرقام خاصة من ناحية نمو الإيرادات الإعلانية لهذه الصحف؛ ففي دولة الإمارات وصلت إيرادات الصحف من الإعلانات 1780 مليون دولار في العام 2007؛ وفي السعودية 747 مليوناً، وفي مصر 463 مليون دولار، والتوقعات المستقبلية تشير الى أن هذا النمو سيبقى مستمراً خلال الأعوام المقبلة، بسبب الإعلانات التي اعتاد الجمهور مطالعتها في الصحف وليس في التلفزيون، وبالتالي تشكل الصحافة الورقية فرصة تجارية كبيرة للشركات.
لكن إذا كانت الصحافة ستكون بخير كما توقع بدرخان، فهل مهنة الصحافة ستكون بخير في ظل تحكم الشركات بإيرادات الصحف؟
هذا لا يمنع من الشك في مستقبل الصحافة الورقية، خاصة في ظل السلوكيات الإعلامية المنحرفة التي بدأت تتبعها بعض الصحف في محاولتها التأقلم مع الأوضاع الجديدة؛ فاهتمامها بالمعلن فاق في الكثير من الحالات الاهتمام بالقارئ، ويمكن تلمّس هذا الأمر عندما نجري مقارنة بين الصور التي تحرص الصحف على نشرها بشكلها الفني الأرقى بالنسبة للإعلان في الوقت الذي يكون فيه عدد هائل من القطع الخبرية والتقارير من دون صور، وإن وجدت تكون صوراً لا تقارن من حيث شكلها الفني وأسلوبها الإخراجي بالصور الإعلانية. وهذه النتيجة ترسم إجابة مخيفة حول ما آلت إليه العلاقة بين الصحيفة والقارئ الذي لن يحتمل وجود من هو أهم منه في الصحيفة التي يشتريها؛ والتفسير المنطقي لسبب إقبال جيل الشباب على التلفزيون مثلاً على حساب الصحيفة، هو أن هذا الجيل لا يتوقع من التلفزيون أن يكون هو محور أولوياته، فالأجندة هنا تكون واضحة بالنسبة للمشاهد والجمهور، بينما في الصحيفة التي تعرف بالاتزان والالتزام والاحترام، يكون لرد الفعل على تحويل سلوكها الى سلوك تلفزيوني أثر سلبي على علاقتها بالجمهور، لأن الأخير لا يتوقع فقده المركز الأول من ناحية اهتمام الصحيفة به على حساب المعلن. وإذا سلّمنا بأن ثقافة الصورة هي التي تستقطب الجمهور الى التلفزيون وتبعده عن الصحف الورقية، فإننا لم نجد محاولة جدية من جانب الصحف لمقاومة مثل هذا الاحتلال التلفزيوني الواسع لمناطق نفوذها ضمن اهتمامات الناس؛ فهناك ضرورة تستوجب من الصحف الورقية ابتكار أساليب جديدة في الإخراج والتحرير، مثل التوسع في نشر الصور على حساب تقليص المتن (النص)، كما أن تعديل حجم الصحف من القياس الكبير الى التابلويد ضرورة ملحة في ظل تغير عادات القراءة للناس؛ فلا أحد يستمتع بقراءة صحيفة من الحجم القياسي أو القياسي المعدّل في السيارة أو في النادي أو في المقهى. مثل هذه الخطوات الإصلاحية تفرض على الصحف متاعب من نوع آخر مثل التغيرات التقنية والبشرية اللازمة لمرافقة تطوير الصحف من حيث الشكل والمضمون، لكن المؤكد أن عدم التحرك والمكابرة التي تبديها الصحف الورقية تجاه المخاطر التي تحدق بها سيرسم لها مصيراً لا تتمناه على الإطلاق.
المستقبل