عهد الحراسة الجديد
ميشيل كيلو
تخلص مؤتمر حزب البعث مما كان يسمى الحرس القديم، وأزال العقبة التي كثيرا ما قيل انها تحول بين الرئيس والإصلاح. بذهاب الأشخاص الذين شكلوا النواة القيادية التي عرفت بالحرس القديم، تكون سوريا قد قطعت خطوة نحو الوضوح، تجعل من الصعب على أي كان التذرع بوجود عقبات داخل الحزب تكبح الإصلاح وأي أشخاص يمكن تحميلهم مسؤولية غيابه، فهل يعني غياب الحرس القديم ان سوريا ستنطلق، بدءا من المؤتمر القطري العاشر، في طريق الإصلاح لا تلوي على شيء، بعد ان زالت باختفاء الحرس القديم المصاعب الداخلية، التي كانت تعترض سبيله وتحول دونه؟.
إذا تحقق من الآن فصاعدا الإصلاح، سيصدّق السوريون ان الحرس القديم كان بالفعل العقبة التي وقفت في دربه، اما اذا لم يحدث ذلك، فإنهم سيشعرون بالخيبة والغضب لأن جهة ما خدعتهم طيلة خمسة أعوام، ولا شك في انهم سيحاولون معرفة الجهات التي ضيعت عليهم فرصة الإصلاح، وسيرونها لدى الحرس الجديد الذي سدد فجأة ضربة قاضية أطاحت بقيادة الحزب التقليدية التي كان يقال انها قوية إلى حد جعلها قادرة على مقاومة ووقف الإصلاح خلال فترة طويلة امتدت من تموز 2000 إلى حزيران 2005، لكنه تبين خلال المؤتمر انها اشد ضعفا من ان تستطيع مقاومة أي شيء، ناهيك عن إحباط وكبح إصلاحات رئاسية تقودها جهة لديها صلاحيات واسعة واستثنائية تمكنها من تحقيق ما تريده.
مهما يكن من أمر، ستغيب مع الحرس القديم سياسة نسبت كل سوء إليه، وحملته وزر كل خطأ، وجعلته هدف مشاعر سلبية لشعب كان يبحث عن تفسير لبقاء أوضاعه على ما هي عليه من سوء، رغم وعود الإصلاح والتحديث: شعب قيل له ان السبب كمن في وجود مقاومة للإصلاح لدى قوم يحتلون مراكز قيادية في الحزب، هم حرس قديم شكل قوة غرقت في الفساد ورفضت التحديث والتطوير.
ذهب الحرس القديم، وحقق الحرس الجديد نصرا كاسحا لا بد ان يضع سوريا في قلب الإصلاح لأنه أزال ما كان في السلطة من ازدواجية وتناقض، ووحدها ووضعها في أيدي الحرس الجديد صاحب وحامل المشروع الاصلاحي الذي لن يقف شيء في وجهه بعد اليوم، ولا بد ان ينتقل إلى تحقيق الإصلاح، علما أن الشعب ينتظر أفعاله بعد ان استمع بتعاطف إلى أقواله، وكادت الهوة بين ما قاله وما فعله تصيبه بخيبة أمل وإحباط.
نقل المؤتمر العاشر البلد إلى وضع جديد، بقوة الاصلاحيين، الذين يمسكون اليوم بأعنة النظام، فليس من المنتظر ان يقبل الشعب أي عذر يبررون به ترددهم في تنفيذ وعودهم، بعد ان استتب الأمر لهم على قمة السلطة والحزب، وصار جليا ان من كنس الحرس القديم بسهولة وسرعة يملك من القوة ما يكفي لتخطي أي عقبة داخلية، ولتحقيق ما يريد تحقيقه بمعونة القيادة الجديدة التي تم اختيارها من حزبيين لم يعرف معظمهم بالفساد ـ باستثناء ما يشاع حول بعض المحافظين السابقين وليس لأحد تجربة سلبية معهم، رغم انهم ليسوا معروفين إلى الحد الذي يجعل المواطن العادي يمنحهم ثقته على بياض.
حقق الحزب نقلة نوعية، حتى ليمكن القول انه صار حزب الرئيس، الذي تبدأ ولايته الحقيقية بدءا من المؤتمر القطري العاشر، وبما ان الشعب صدق وعود الرئيس الاصلاحية وانتظرها، فمن المؤكد انه لن يقبل من الآن فصاعدا أي اصلاح جزئي أو محدود، ولن يكتفي بالوعود، ناهيك عن غياب الإصلاح أو تعثره.
بسقوط الحرس القديم وانفراد الحرس الجديد بالسلطة، تسقط القوى التي قيل انها كبحت الإصلاح، وتنتصر القوى المؤيدة له، وهذا يضع القيادة الجديدة امام امتحان حقيقي، يجعل من كل خطوة تقوم بها اختبارا لمصداقيتها ولجدية ما وعدت به من تغيير، فإن جاءت أفعالها متفقة مع آمال المواطنين، بدأ عهد جديد حقا، اما اذا بقي الإصلاح غائبا أو متعثرا، فإن ذلك سيكون نقطة فصل بين عهدين وموقفين، وبداية مأزق وطني حقيقي لا مصلحة للبلد فيه.
ذهب الحرس القديم، فدقت ساعة الحقيقة. هذه هي بكل بساطة المعادلة السورية الجديدة، فهل يتحقق اخيرا اصلاح جدي زالت من امامه العقبات، هو في الوقت نفسه، مصلحة وطنية عليا، ام تذهب سوريا ـ لا سمح الله ـ إلى حيث لا يريد محبّوها لها ان تذهب، اذا تبين انه ليس لدى الاصلاحيين ما يقدمونه لها؟