عذرا سماحة المفتي .. أعداد المسيحيين في سورية إلى تناقص مستمر
ميشال شماس
لم أتصور يوماً أنني سأكون في موقع الرد على شخصية محترمة تحتل مركزاً مرموقاً في سوريا والعالم العربي، كسماحة المفتي العام للجمهورية العربية السورية الدكتور أحمد حسون
صاحب القول المشهور:” يجب أن نربي أطفالنا تربية سليمة على الحب لا على الحقد، وعلى الاعتراف بالشخص الآخر، الذي هو أخوه”.
على كل ما سأقوله في هذه العجالة ليس رداً بقدر ما هو تسليط الضوء على حقيقية أعداد المسيحيين في سورية خلافاً لما صرح به سماحته أمام وفد من مجلس كنائس أميركا الوطني الذي زار سورية مؤخراً، عندما أكد : ” أن أعداد المسيحيين تضاعفت في سورية منذ عام 1967 في حين أن أعدادهم في مدينة بيت لحم (مهد المسيح) في تناقص مستمر فمن 65 ألف نسمة في عام 1967 هم اليوم نحو ستة آلاف فقط وأضاف: مسؤوليتنا جميعاً أن نعيد لأرض المسيح مسيحييها وللمسجد الأقصى مسلميه وأحمل المسؤولية الكبرى بهذا الأمر للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا فإسرائيل لا تستطيع تفريغ فلسطين من المسيحيين والمسلمين دون دعم هائل أوروبي وأميركا.
ولا أدري من أين استقى سماحته معلوماته عن تضاعف أعداد المسيحيين في سورية؟ وإذا كنت أتفق مع سماحته في أن عدد المسيحيين يتناقصون باستمرار في مدينة بيت لحم ، وإني أتفق معه أيضاً في قوله عندما سألوه في ألمانيا عن عدد المسيحيين في سورية: ” هم 19 مليوناً وعدد المسلمين 19 مليوناً فكلنا نؤمن بالإله الواحد والإنسان والدين والحضارة الواحدة”. وبهذا المعنى يصح قول سماحته “أن أعداد المسيحيين في سورية قد تضاعف في سورية منذ العام 1967″، ولكن ذا دخلنا في تفاصيل نسبة التضاعف التي تحدث عنها سماحته فسنجد أن تلك الزيادة حصلت فقط عند السوريين الذين يؤمنون بالإله الواحد عن طريق النبي محمد، أما السوريين الذين يؤمنون بالإله الواحد عن طريق يسوع المسيح، فهم إلى تناقص مستمر منذ أن انطلقت المسيحية من سوريا إلى أنحاء العالم ، قبل أن تزحف جيوش المسلمين من الجزيرة العربية إلى سوريا وباقي البلاد العربية وتستوطن فيها.
يبدو أن سماحة المفتي لم يقرأ ما كتبه الصحفي والكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه “عام من الأزمات- كلام في السياسة” : ” أشعر، ولابد أن غيري يشعرون، أن المشهد العربي كله سوف يختلف حضاريا وإنسانيا وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقرا واقل ثراء لو أن ما يجرى الآن من هجرة مسيحيي المشرق ترك أمره للتجاهل أو التغافل أو للمخاوف. أي خسارة لو أحس مسيحيو المشرق أنه لا مستقبل لهم أو لأولادهم فيه، ثم بقي الإسلام وحيدا في المشرق لا يؤنسه وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية – بالتحديد أمامه في إسرائيل”./1
ولم يطلع سماحته على تلك الدراسات والأبحاث والمقالات التي تشير بوضوح إلى تناقص عدد المسيحيين ليس في سوريا وحسب، بل في جميع البلدان العربية كلها، وهي منشورة على الانترنيت ، ولمن يريد الاطلاع عليها ،يكفي أن يضع عبارة” نسبة المسيحيين في سورية” في أي محرك بحث، وسيجد أمامه عشرات من تلك الدراسات والأبحاث التي سنشير إلى بعضها فيما يأتي: ففي محاضرة للكاتب منير درويش بتاريخ 23/3/2005 بعنوان” الهجرة الواسعة للمسيحيين المشرقيين وتهميش حضارة المنطقة” نشرت على الانترنيت قال فيها :” وازدادت هجرة المسيحيين بعد عام 1967، وبلغت ذروتها في فترة الأحداث التي اندلعت بين السلطة والأخوان المسلمين منذ عام 1980 وبعدها، ثم تعاظمت الهجرة حتى بدت واضحة تماما بعد أن انحسرت نسبة المسيحيين لدرجة ملحوظة، ففي عام 1980 كانت نسبة المسيحيين في سورية حوالي 16.5 %، انخفضت خلال ربع قرن إلى 8 – 10 %، ولم تكن النسبة هي التي انخفضت فقط بل العدد نفسه، إذ كان عدد المسيحيين في تلك الفترة 2 مليون، بينما الآن لا يتعدى هذا العدد 1.5 مليون،”/2
وكان موقع كلنا شركاء قد نشر بتاريخ 8/2/2006 إحصائية أرسلها د. محمد موصللي جاء فيها: تعقيباً على ما ورد في سياق مقالة د. كمال خلف الطويل ، حول كون السنة العرب يشكلون ثلثي المجتمع السوري ، أود أن أساهم في تصويب تلك المسالة عبر إرسال إحصائية لم يتم نشرها مسبقاً ، وتبين إحصاء دقيق للطوائف في سوريا .
في إحصاء دقيق ولم يتم نشره ، أجرته الجهات المختصّة في سورية ، طيلة النصف الثاني من عام / 2005/ تبيّن في محصّلته أنّ تعداد سكّان سورية القاطنين ، يبلغ /18/ مليون نسمة ، موزّعين على الشكل التالي : – الســـــنّة 45%،8.100 ملايين، العلــــويون20%3.600000 الأكــــراد 15%2.700000 ملايين – المسيحيون12% 2.160000 ملايين الـــدروز3% أي540000 نسمة ،المرشديون3% أي5400000 نسمة الإسماعيليون1.5% 270000 ، الشيعة 5ر0% أي 90000 نسمة”./3
وفي دراسة عن الخصائص السكانية في سورية نشرت على موقوع موسوعة ويكيبيديا: “بحسب موقع مجلس الشعب السوري على الإنترنت فأن نسب الأديان في سورية هي كالتالي : 86% مسلمين 13,5% مسيحيون ، وبضعة آلاف من اليهود. وهذه النسب مستندة لما ورد في كتاب سورية اليوم لوزارة الإعلام لعام 1982 و جاء في الدراسة أيضاً :” أما بحسب تقرير جهاز السي أي إيه الأمريكي لحرية الأديان لعام 2007 فأن النسب هي كالتالي:
74 % من السكان من الإسلام السنة، و 13% مسلمون من مذاهب مختلفة علويون اسماعيليون ، شيع) والدروز يشكلون 3%، أما المسيحيون فنسبتهم تبلغ 10 % من السكان ينتمون لطوائف مختلفة، كما توجد جاليات صغيرة من اليهود هاجر معظمها خارج البلاد، وتوجد أيضا أقلية يزيدية. / 4/
وفي بحث مطول بعنوان سورية من الاستقلال إلى حافظ الأسد منشور على موقع المقاتل: جاء فيه أن عدد المسيحيين بما فيهم الأرمن يبلغ حوالي 14% من سكان سورية./ 5/
وفي أيار من العام 2007 أورد موقع كلنا شركاء :” ترددت أحاديث في الأوساط السورية نقلاً عن دراسات ميدانية وأبحاث لجهات أوروبية أكدت أن نتائج هذه الدراسات أشارت إلى أن أعداد المسيحيين في سورية آخذاً في التناقص لجملة أسباب أبرزها الهجرة وقلة عدد الولادات وسوء الأحوال الاقتصادية والعزوف عن الزواج وقيل إن الدراسة بيّنت أن عدد المسيحيين في سورية سيكون عام 2025 بحدود 2 بالمائة بينما هو اليوم 10 بالمائة تقريباً، وكانت نسبة المسيحيين في سورية قبل حوالي 30 عاماً قرابة الـ 25 بالمائة، علماً أن قسم كبير منهم يتبوأ مناصب عليّا في الدولة والمجتمع وجزء كبير منهم يعتبر مع إخوانهم السوريين من النخب العلمية والفكرية والسياسية والاقتصادية في شتى الميادين لكنهم على ما يقال ليسوا من صناع القرار”.
وسواء كانت الأرقام التي أوردتها تلك الدراسات والأبحاث والمقالات قريبة من الواقع أو مبالغ فيها كثيراً، إلا أننا في المقابل لا يمكننا أن نشك لحظة في تلك المخاوف التي أبداها الكاتب محمد حسنين هيكل وإشارته إلى خطورة تناقص أعداد المسيحيين العرب وهجرتهم إلى خارج بلدانهم العربية، وما قاله الأمير طلال بن عبد العزيز عن “بقاء المسيحيين العرب” في صحيفة النهار اللبنانية، ” أن ما يحدث للمسيحيين العرب نتاج بيئة تفترش التعصب والتطرف وبالتالي العنف المؤدي إلى كوارث تاريخية والأهم من ذلك كله على فكرة إلغاء الآخر، وأن بقاؤهم ترسيخ للدولة العصرية وللتنوع الثقافي وللتعددية وللديمقراطية ولمنع استـنزاف الطاقات العلمية والفكرية والثقافية من منطقتنا، وهجرتهم ضربة عميقة توجه إلى صميم مستقبلنا”. وما قاله غيرهم الكثير من أخوتنا المسلمين الشرفاء، وما قاله أيضاً سماحة المفتي نفسه : “مسؤوليتنا جميعاً أن نعيد لأرض المسيح مسيحييها وللمسجد الأقصى مسلميه”. إنما يؤكد حقيقة واحدة وهي أن أعداد المسيحيين في تناقص مستمر سواء في سورية أو في غيرها من البلدان العربية. وإن هجرتهم ازدادت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين بحثاً عن أوضاع أفضل في أوروبا وأمريكا، فضلاً عن تخوفهم من صعود التيار الإسلامي الأصولي المتطرف، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وتصاعد التوتر والصراع بين الشرق المسلم والغرب المسيحي.فهل بات على المسيحيون العرب اليوم أن يدفعوا دائماً ثمن ذلك التوتر والصراع؟
لا يسعني في النهاية إلا التأكيد على حاجتنا الضرورية والملحة إلى نشر ثقافة قبول الآخر واحترامه واستخدام كل الوسائل التربوية والإعلامية والثقافية المتاحة،وعدم الاكتفاء بالخطابات العاطفية والمجاملات من فوق. بل إن الأمر بات يتطلب العمل من تحت صعوداً إلى أعلى الدرج، على أن يترافق ذلك مع تحديث الخطاب الديني وتطويره بحيث يساهم في إزالة الأحكام والتصورات المسبقة عن الآخر، والسعي للتعلم والفهم عن الآخر المختلف وقبوله، بما يؤدي في النهاية إلى مزيد من التجانس بين أبنا ء الوطن الذين يتشاركون معاً في هذه الأرض بحلوها ومرها ” وبما يؤدي لوقف هجرة المسيحيين العرب، وإلى إعادة اللحمة بين أبناء سورية التي نحبها على قاعدة المواطنة وبغض النظر عن أي انتماء سياسي أو أديني أو عرقي.
المصادر:
1- كتاب عام من الأزمات- كلام في السياسة طبعة- 2001 للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل
2- http://www.al-moharer.net/moh252/m_darwish252.htm
3- نشرة كلنا شركاء 8/6/2008
4- موسوعة ويكيبيديا على الأنترنيت
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
5- http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/soria/sec03.doc_cvt.htm
ميشال شماس: ( كلنا شركاء ) 3/8/2008