بدرالدين حسن قربيصفحات الناس

حبيب صالح والمدعي العام السوري والارجنتيني

null
بدرالدين حسن قربي
في كل مرة يعبّر فيها مواطن معارض عن رأيه، ويمارس فيها حريته كاتباً أو متكلماً وفي ظل حالة إعلان قانون طوارئ قرابة خمسة وأربعين عاماً متواصلة، يواجه هذا المواطن الآبق من قبل الجهات الرسمية بتهمٍ أقلها توهين نفسية الأمة وإضعاف عزمها وأكثرها التخوين والارتباط والعمالة للأجنبي، وما بين الأكثر والأقل من التهم يبرر النظام الأمني لنفسه ضرب المعارضة تحت الحزام بالاعتقالات الواسعة والمستمرة والزجّ بها في سجونه تأكيداً أن مُعارضَه فسادُه ثابت، وتآمره مُثبت وخيانته أثبت وإن كان من الصالحين، وعدته في ذلك مجهزة من أجهزة أمن تعتقل، ومدعي عام لاأرجنتيني يتهم، وقاضي يحكم وإعلام يؤكد سلامة الإجراءات، ومثقفون وقادة أحزاب وثوريون إسلاميون وعلمانيون وليبراليون ومشايخ يباركون مايجري دعماً للمقاومة والممانعة ولمنازلة أعداء الله والأمة.
يتأكد ماقدمناه في محاكمة كل معارض سواء كان مجموعة كما في المجلس الوطني لائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي أو فرداً كما كان مع الدكتور عارف دليلة أو ميشيل كيلو وكثيرون غيرهم، وآخرهم وليس أخيرهم ومنذ يومين فقط الكاتب حبيب صالح الذي اعتقل في أيلول/سبتمبر قبيل يومين من عملية ضرب برجي نيويورك عام 2001  في سياق الاعتقالات التي طالت رموز ما سمي حينها بربيع دمشق حيث قضى حكما بالسجن ثلاث سنوات ليخرج بعدها في عام 2004 .  أعيد اعتقاله بعد ثمانية أشهر من إطلاق سراحه(فترة راحة أو عطلة)  بتهمة نشر أخبار كاذبة في مقالات له معارضة على الشبكة العنكبوتية وليحكم بالسجن ثلاث سنوات أخرى.  وللمرة التالية أعيد اعتقاله في أيار/مايو 2008 بعد ثمانية أشهر من إطلاق سراحه كالمرة الثانية وانقطعت أخباره كاملاً لمدة ثلاثة شهور تقريباً، ليتأكد أهله من جديد أنه حي يرزق وقد ظهر أمام قاضي التحقيق محالاً من المدعي العام بتهمة إضعاف الشعور القومي وإثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، وهي تهم معادة ومكرورة.
اللافت فيما وجّه للكاتب المعارض من تهم بليغة على ذمم منظمات حقوقية تتابع أمر أمثال هؤلاء الآبقين في نظر السلطة قد تفضي به إلى تأبيدة وقد تكون الإعدام، والأمر بجملته حقيقةً ليس أكثر من مقالات يكتبها مواطن مسكون بحب وطن يتآكل ويحترق بفعل قوى الاستبداد والفساد وحيتان التشبيح والنهب في إطار إيمانه بحرية التعبير عن رأيه وقناعته حباً وإخلاصاً لوطن يزوي.  وهو ما يؤكد أن الجهة الحاكمة والممسكة بكل مرافق الدولة ومفاصلها قرابة أربعين عاماً، مابين والد وما ولد، مازالت تؤكد في ممارستها أنها في ريب من سلامة بنائها الذي بنت، وشكٍ بأنه مازال ضعيفاً فاقداً للمناعة فرغم عقوده الأربعة لايحتمل لمسة ولا حتى كلمة من نقدٍ أو تصويب خشية فرط الأمة وخوف إضعافها.  كما يؤكد أن الجهات الرسمية رغم مذهبها الخاص والعياذ بالله في تفسير مايقوله أي كاتب معارض على طريقتها الأمنية حيث يحسَبون بالنتيجة مقالة المفكر والكاتب و كل ممارسة لحريته من رأي أو فكر أو نصيحة صيحةً عليهم ومن ثمّ يعتبرونها تكسيراً وتوهيناً وإضعافاً لنفسية أمة صامدة ومقاومة،  لكنها في الوقت نفسه تتعامى عن عمليات القمع والتعذيب وتصفية المعارضين، ولصوصية النهابين والقراصنة من الهوامير والحيتان، وكأن ليس فيه شيئاً مذكوراً من التوهين والإضعاف للوطن والأمة وإنما هو طعام وشراب ولقاحات تقوي جسد الأمة وتزيد عزمها.
ومايدعو للتساؤل والاستغراب حقيقةً أن كل هالمكسرين والموهنين والمضعّفين والمروّجين والمرتبطين سبحان ربي لانسمع عنهم ولانجدهم ولايتجمعون إلا في بلاد القمع والاستبداد والفساد، وأن التهم التي توجه إليهم من المدعي العام غير الأرجنتيني تكاد تتطابق نصوصها إلا من تغيير ببعض الكلمات بين معتقل وآخر، وكأن ملف السيد المدعي العام جاهز والتهمة معروفة ومحضرة وتنتظر وصول المتهم.
العجيب في نبأ مدعينا العام أن لاأحد ينبس بكلمة عن ادعاءاته وممارساته من كتاب المقاومة والممانعة ومثقفي السلطة ومشايخها عاملين ومتطوعين، مما يجعلنا نتساءل لماذا لايكون أمثال هكذا مدعي عام في المحكمة الجنائية الدولية ونجنّب العالم الدربكة الأخيرة التي سببّها قبل ثلاثة أسابيع مدعيها الأرجنتيني والمعترضون عليه دولاً وأفراداً على مطالبته باعتقال الرئيس السوداني بتهم جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية من تعذيب واغتصاب وقتل، فإلى متى تصرّ الأمم المتحدة ومجلس أمنها العتيد على المضي عكس السير.  قد نختلف مع قرار المدعي العام أوكامبو ابتداءً لأنه أرجنتيني، فلو كان عربياً لسكتنا عليه ومشيناها له دون صخب أو ضوضاء، فلا تليق بنا أن يكون أرجنتيناً ومن خارج بني قومنا ويطلب اعتقال واحد منا ومن زعمائنا ومن السودان أيضاً، فلا نامت أعين الجبناء.
الغريب أن غضبة المحتجّين على القرار الأوكامبوي انصبت على الطعن فيه شخصياً وعلى صلاحياته ولم نسمع أحداً منهم يطمئننا ويصحح في أرقام الموت والتهجير ويبرّد قلوبنا عن صحة ماقيل من عدمه شهادةً ليوم الدين في الاتهام بأن أكثر من 300 ألف سوداني لاقوا مصرعهم فيما تمّ تهجير أكثر من مليونين ونصف من أماكنهم.
قد يكون في قرار لويس بن مورينو الأرجنتيني مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية مافيه، ولن نجادل أحداً من المناضلين ولن نناظر أحداً من المجاهدين، ولكن ماذا عن المحكمة الدولية لو أخذت الطريق من أقصره وجاءت لنا بمدعي عام سوري من اللي ببالي أو لبناني (ع.ع) من اللي بخاطر اللبنانيين، ممن يعتبرون مقالة كاتب أو حديث معارض أبلغ من البندقية والرشاش ويطالبون بإنزال أقصى العقوبات بمواطن حبيب وصالح كل سلاحه لسان وقلم، فماذا تراهم فاعلون بمتهم عن مصرع وتهجير عشر معشار الأرقام التي أشار إليها بن مورينو أوكامبو..!!!
مفارقات غير مفهومة، قامت فيها قيامتنا على المدعي الأرجنتيني وقد تحرك بأرقام مرعبة من جرائم القتل والإبادة يطالب فيها باعتقال، ونترك فيها (س.س) السوري أو (ع.ع) اللبناني وقد أرجفته مقالة أو هشهشته رسالة لمعارض نشرها على الانترنت فاعتَقل وسَجن وقَهر، وانتهاءً طالب بفرض أقصى العقوبات عليه ليكون لمن بعده آية وعبرةً للمعتبرين.
حبيب صالح ومن معك من كرام المعارضين وأفاضلهم نساءً ورجالاً..!! لأنك لستَ الفاسدَ ولاالمفسد، ولستَ اللصَ ولا النهّاب، تطمح إلى حياةٍ حرةٍ كريمةٍ بعيدةٍ عن القمع والاستبداد والقرصنة، فأنت في قلوب الأحرار والشرفاء من مواطنيك ومحبيك.  قلوب قامعيك باتت هواءً، تخاف مقالاً يكتب تعبيراً عن رأي، ونصيحةً تُقَال تسديداً وتصويباً وترشيداً.  إنهم يرون مقالاتكم وكتاباتكم أعاصيرَ تتهدد كراسيهم، فيُحوِّلون وهنهم وضعفهم بمكناتهم الإعلامية وقدراتهم الأمنية ومدعيهم العامّين غير الأرجنتينين تهماً لكم بتوهين الأمة وإضعاف عزيمتها، لتَوَهُمهم أنهم الأمة وأنهم قدرها وعزيمتها.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى