صفحات ثقافية

التعدد الثقافي اللبناني من منظور عباس بيضون

null
كامل عباس
نشرت جريدة السفير اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ /18/ 8/ 2008 مقالا لرئيس صفحتها الثقافية الأستاذ عباس بيضون تحت عنوان – التعدد الثقافي اللبناني –
لكن المقال انتهى بالحاشية التالية ( جزء من نص معد للتقرير الوطني للتنمية البشرية للعام 2008 بعنوان- نحو دولة المواطن – ” ضمن برنامج هيئة الأمم المتحدة “) مما يحملنا على الاعتقاد بان الأستاذ بيضون واحد ممن اعدوا التقرير , ولكنه على ما يبدو معجب بهذا الجزء من التقرير ولذلك أراد نشره في صفحته الثقافية .
ما من شك في ان الأستاذ بيضون يريد- كغيره من المثقفين العرب الغيورين على نهضة أمتهم – دفع الأمور في لبنان نحو دولة وطنية تكون هوية أفرادها قائمة على المواطنية لهذه الدولة بغض النظر عن لون او جنس او عرق او طائفة او قومية ذلك المواطن .
واذا أردنا قراءة التاريخ الحديث لدولنا العربية لقلنا ان دولة المواطن قامت في منطقتنا بشكلين .
الأول جسدته الدولة السورية بعد الاستقلال وتحديدا فترة الخمسينات . حيث ساد في سوريا دولة وطنية تعدية ديمقراطية , لاشرقية ولا غربية, والمعروف كيف تكالبت الدول العربية والأجنبية لتهديم أسس تلك الدولة . كان الجوار العربي والدولي يريد لسوريا دولة مبنية على التعددية الطائفية كما جرى في لبنان واستمر حتى الآن .
الثاني جسدته الدولة الناصرية والذي تشكل عكس دولة سوريا من أعلى وعبر انقلاب معروف جرى في مصر وانتهى الى ما هو عليه الوضع الآن .
لم يخبرنا الأستاذ بيضون , أي طريق يفضل السير فيه نحو دولة المواطن , هل هو الطريق السوري قبل قيام دولة البعث ام الطريق الناصري ؟ اغلب الظن انه بفضل الدولة الوطنية الناصرية , بشرط ان تقوم بطريقة مختلفة عن قيامها في السابق , ودليلنا على ذلك هو الهجوم المبطن على التعدد الثقافي اللبناني الذي ولّد ويولد الدولة الطائفية اللبنانية .
يصب المقال جام غضبه على نوعين من النخب الثقافية اللبنانية .
1- نخب طائفية تريد رفع الجماعة الطائفية الى مصاف ثقافة كاملة يرضي نخبها ’ فالطائفية لا تشكل عندئذ وطنية خاصة , بل تشكل ثقافة كاملة بذاتها , ويستشهد بكلام الأب ضو عن الموارنة الذي يرى بالطائفة المارونية – امة في طائفة في دولة –
نحن نقر مع الأستاذ بيضون بحجم وقوة تلك النخب الطائفية التي تريد رفع الجماعة الطائفية الى مصاف ثقافة كاملة ينتج عنها دولة تقوم على التعدد الطائفي , ولكن عدم رؤيتنا الوجه الايجابي داخل النخب الطائفية ودعمنا له يسهل قيام الدول الطائفية .
لماذا استشهد الأستاذ بيضون بالأب ضو ولم يستشهد بالأب غريغوار حداد الذي قال في صحيفة النهار البيروتية تحت عنوان – العلمانية تحتضن ولا تهدد – بتاريخ 25/9/2005
انا مؤمن بالله , ومؤمن بالعلمانية الشاملة
مؤمن بالله ولذلك أنا علماني , ومؤمن بالعلمانية دعما لإيماني بالله . وإيماني المسيحي على مسافة واحدة من جميع الأديان وأنا مقتنع بأنه كلما أصبح المسيحيون مؤمنين بالإنجيل حقا , والمسلمون مؤمنين بالقرآن حقا أصبحوا قادرين على تكوين وطن علماني حقا .
لمادا لايرى الأستاذ بيضون الوجه الايجابي عند الشيعة متمثلا بالشيخ علي الأمين الذي يأخذ بولاية الأمة على نفسها ولا يأخذ بولاية الفقيه؟
لماذا لايرى الأستاذ بيضون الاسلاميين الوسطيين المعتدلين الذين يرون بالاسلام دين الشورى واحترام الراي الآخر وليس دين الملك العضوض!!
نخب لبرالية تجد في التعدد الثقافي منالا وتنزع بمخيلة كونية الى إسقاط تصورات عالمية على الوضع اللبناني , انها لبرالية حسب قوله مفتونة بالتعدد تقف الى جانب طوائف تريد نفسها مجتمعات كاملة .
انا واحد من اللبراليين العرب الذين انتقلوا من خانة الماركسية الى الخانة اللبرالية , وتلقوا شتائم بالجملة , لدرجة ان احد الرفاق القدامى طالب الحكومة السورية بالتعامل مع اللبراليين الجدد بوصفهم مجرمين جنائيين وليسوا مجرمين سياسيين , ورأى فيهم رفيق آخر أنهم أصبحوا يشبهون المخلفات البشرية من بول وغائط .. الخ
بالطبع قامة الأستاذ بيضون ارفع بكثير, وهي تتوازى مع قامة الدكتور برهان غليون الذي كتب مقالا بعنوان- فصل الديمقراطية عن اللبرالية شرط تعميمها في العالم العربي- أثار حفيظة كثير من اللبرالين السوريين وجرى حوار مكتوب وشفهي بينهم وبين الدكتور , وانتهى الى تجاور الجهتين الفكريتين واحترام كل منهما للآخر, وقد كتب الدكتور مؤخرا في صحيفة الاتحادا لاماراتية عدد 16/ 1/ 2008 مقالا جاء فيه حرفيا (( من هنا يبدو لي ان الهجوم الكاسح لبعض تيارات الاسلام السياسي واليسار العربي على اللبرالية لا يمس بسوء سياسات هذه الرأسمالية المتوحشة , ولا التبعية البنيوية التي تستبطنها , كما يعتقد أصحابه , وانما بشكل رئيسي روح التحرر والانعتاق الجديدة الناشئة . ولا تستفيد منه اليوم سوى بعض النظم التسلطية التي تريد ان تقتل هذه الروح في مهدها . ولن تكون ثمرة تسفيه اللبرالية ودفن أفكارها وفلسفتها سوى الحكم على مجتمعاتنا بالغرق أكثر في الرثاثة الثقافية والاستغراق في اجترار التراث والحياة فيه . ))
أطمح من هذا الحوار ن نتجاور مع الأستاذ بيضون ويحترم كل منا الآخر كما جرى مع الدكتور غليون .
حقيقة الأمر هناك تيارات لبرالية عديدة أذكر منها
– لبرالية يمينية لاهم لها سوى زيادة معدل الربح والاستغلال وبالتالي زيادة رأسمالها على حساب المجتمع والبيئة أيضا , وتعمل على صياغة المجتمع سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا بما يؤمن لها ذلك . بداهة هذا النوع من اللبرالية لايريد ان يزيد في وعي الطبقات الشعبية ومصلحته في بقائها جاهلة تجدد له الولاء والبيعة كل دورة انتخابية جديدة
– لبرالية يسارية لا تقبل أن نفهم اللبرالية كما كانت أيام نشأتها في القرن التاسع عشر أنها حريات سياسية فقط , بل تفهم حقوق الانسان رزمة متكاملة لاينفصل فيها السياسي عن الاقتصادي ’ ولكل انسان الحق في ضمان صحي واجتماعي وتامين فرصة عمل له , وهي بناء على ذلك تطالب بتوسيع الحصة من الأرباح لكي تصرف على تطوير المجتمع من كل جوانبه سواء في قطاع الخدمات او التعليم او زيادة رواتب الموظفين وأجور العمال او التأمين ضد المرض والبطالة والشيخوخة , وهي تعمل أيضا لرفع وعي عامة الناس بحيث تأتي نتيجة الانتخابات معبرة بحق عن وزن كل طبقة او فئة فيه ولا يكون ممثلي الشعب بغالبيتهم يحملون برنامجا للبرلمان يمثل مصالح فئة ضيقة في المجتمع .
– لبرالية انتهازية , تقرأ الفلسفة اللبرالية لتكون تارة مع المنافسة في السوق وتارة مع الاحتكار , ولتفلسف مصلحة المجتمع في بعض الفترات بضرورة اللبرالية في الاقتصاد والديكتاتورية في السياسة .
وهكذا فاللبرالية كسائر الفلسفات والعقائد تحوي في داخلها يساريين ويمينيين ومساحي جوخ انتهازيين همهم تبرير سلوك الحكام , وميزة اللبرالية عن سائر العقائد والفلسفات انها تفسح المجال للصراع من داخلها عبر الديمقراطية والعمل بشكل سلمي لكل طرف فيها بعيدا عن العنف وحل المشاكل في المجتمع عبر السلاح .
عتبي على الأستاذ بيضون انه هنا لايرى الوجه الايجابي داخل اللبراليين , بل يخلص القارئ الى ان اللبراليين اللبنانيين كلهم متناغمون مع الجماعات الطائفية .
………………………………………………………………..
اليسار العربي بشقيه القومي والشيوعي ينكر ان يكون النظام العالمي الجديد متقدم على النظام السابق. حسسنا , انا مثلهم ايضا مناهض للعولمة التي تريد زيادة الاغنياء غنى والفقراء فقرا , ومتعاطف مع قضية الطبقة العاملة وكل المنتجين الذين يسرق جهدهم من فبل الراسمالية المتوحشة المسيطرة على النظام العالمي الجديد , ولكنني اختلف معهم في طريقة العمل من اجل الطبقات الشعبية والفقراء في كل مكان .
لماذا لا نستفيد من تجارب التاريخ.؟
تحمس ماركس لقضية ا للطبقة العاملة , و قاده حماسه الى الدعوة لقلب النظام الراسمالي, واستبداله بنظام اشتراكي يبدا بدكتاتورية البروليتاريا , والآن وبعد تجارب الدول الاشتراكية يتضح لكل من يريدان يستعمل عقله , ان ذلك الحماس كان وبالا على قضية الطبقة العاملة , ولو ان ماركس ورفاقه عملوا بكل قوة من داخل النظام الراسمالي مع كل القوى الأخرى المتعاطفة مع قضية الطبقة العاملة لتحسين شروط واجر وظروف الطبقات الشعبية , لكان ذلك أجدى بكثير من الدعوة الى قلب النظام الراسمالي . والنظام الراسمالي الآن أقوى مما كان عليه ايام ماركس , فكبف سيقلبه المناهضون للعولمة ؟ لست ادري .
متى يفهم مناهضو العولمة في بلادي , انه لأول مرة في التاريخ تلتقي مصلحة الشعوب العربية مع مصلحة الراسمال العالمي بعد انهيار النظام السابق , الراسمال العالمي يهمه شرق أوسط مستقر من اجل اسثمارات أمواله وليس من اجل الشعوب وبالتالي أصبح الاستبداد عدوه .
متى يفهم هؤلاء ان مشروعا شرق أوسطيا ينتج دولا وطنية قوية لايؤثر على مصالح امريكا الآن ولا يمكن ان تكون ضده ( في حين ستكون امريكا الشعبية والغرب الشعبي معه ) ولكنها لن تعمل بدلا عن الوطنيين العرب , لكي تنتج لهم ديمقراطية مبنية على المواطنة في حين ترى ان الواقع العربي لايعطي سوى ديمقراطية الطوائف .
يجهل هؤلاء او يتجاهلون مصالح الرأسمال العالمي في هذه اللحظة التاريخية التي تلتقي مع دول تعددية وديمقراطية في المنطقة , نظرا لأن منطقتنا عصب الطاقة . ولأن دولا مستقرة تستمد شرعيتها من واقعها ,تزيد في استثمارات رأس المال ولا تنقصه ,. وان جهلنا وتخلفنا واستبدادنا وما يفرخ من ارهاب , أصبح عبئا على حركة الرأسمال ومحل انتقاد شديد من كتاب راسماليين غربيين تحديدا كانوا حتى عهد قريب اكبر داعم له.
والأهم من ذلك عدم اعتراف اليسار بالانطلاق من مكونات المجتمع ودفع لاتجاه لايجابي الى الأمام من اجل إنتاج دول وطنية لاطائفية .
باختصار يا أستاذي الفاضل أقول :
من يدقق في التطور التاريخي لتجمعات النوع البشري سيلحظ بوضوح الفارق بين منطق الثورة ومنطق الاصلاح , الثورة هدم وبناء يتمدد فيها العامل الأيديولجي على حساب العامل المعرفي ’ اما الإصلاح فهو بناء على البناء يتوازن فيه العامل الأيديولجي والعامل المعرفي .
هذا لايقلل من أهمية الثورات ودورها الايجابي في دفع عجلة التطور الاجتماعي إلى الأمام – لكن منطق الثورة لم يعد مناسبا لعصرنا , ان النفخ في شرارات الصراع الطبقي لنجعل منها حريقا هئلا قد يحقنا جميعا , منطق لاصلاح يستجيب لمتطلبات عصرنا أكثر بكثير من منطق الثورة وهو يستبدل الوعي كقابلة للتاريخ بالعنف الثوري .
استنادا الى هذه الرؤيا اقول ايضا : ان مصطلح اليسار واليمين لم يعد يعبر بدقة عن القوى الاجتماعية التي لها مصلحة في التطور الاجتماعي , ومصطلح المحافظين والمجددين قد يكون أدق منه ’ فالمحافظ هو كل من يريد ان يحتفظ بالقديم بوعي او بغير وعي لمصلحته الطبقية , والمجدد إصلاحي يريد التطور والتنمية لتشمل المجتمع ككل , والمحافظ او الاصلاحي قد يكون قومي او شيوعي أو مسيحي أو اسلامي او يهودي , وكل حركة سياسية او دينية يمكن ان تجد في داخلها تيار محافظ وتيار إصلاحي .
نحن معنيين بكل مجدد عربي سواء كان اسلاميا او مسيحيا او شيوعيا او قوميا , وتجاورنا واحترامنا لبعضنا بعضا وتعاوننا مع بعضنا يدفع نحو دولة تعدية ديمقراطية قائمة على المواطنية, وان لم نفعل سينتصر الجانب السلبي الذي أشرت اليه , وستقوم دول جديدة عربية مبنية على الطوائف , ونكون قد ساهمنا فيها بوعي او بدون وعي – سيان –
ما رأيك دام فضلك ؟
كامل عباس – اللاذقية

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى