كيف قُتل العميد سليمان الذراع اليمنى للأسد … ولماذا؟
اغتيال العميد محمد سليمان كان هو الحدث الأكثر سخونة وبروزاً على الساحة الأمنية السورية داخلياً، ولا نبالغ إذا قلنا خارجياً أيضاً… ولعله الحدث الأبرز بدلالاته ومضامينه وبطريقة تنفيذه فضلاً عن شخصية القتيل المستهدفة.
فمن هو العميد محمد سليمان ولماذا أثير كل هذا اللغط حول شخصية أمنية سورية استقطبت الاهتمام أكثر حتى من رئيس الوزراء “المنتحر” محمود الزعبي وغازي كنعان وزير الداخلية في عهد بشار الأسد الذي قيل انه “انتحر” بعد الانسحاب السوري من لبنان؟ العميد محمد سليمان المتحدر من قرية دريكيش الساحلية السورية القريبة من الحدود اللبنانية ينتمي إلى الطائفة العلوية، يبلغ من العمر 48 عاماً، ومتزوج من سيدة سورية متحدرة من دير الزور وتنتمي الى الطائفة العربية السنية، أنجبت له 4 أبناء، وهو عديل المدير العام لوكالة الأنباء السورية “سانا” عدنان محمود، وشقيق عضو مجلس الشعب السوري ابراهيم سليمان، كان محل الثقة عند شقيق الرئيس السوري الراحل باسل الأسد ومستودع أسراره ومستشاره الأمين، وبعد تولي بشار السلطة في العام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد، كان العميد محمد سليمان برتبة رائد آنذاك في ملاك القصر الجمهوري، واستقطبه بشار الأسد لشدة ذكائه وألمعيته وولائه المطلق للنظام، ثم ما لبث أن عزز موقعه عند الرئيس حتى أصبح رجل الظل في الحكم السوري في عهد بشار، فهو المستشار الخاص الأقرب الى الرئيس، وهو رئيس المكتب الخاص، وهو الشخصية الأكثر نفوذاً وقوة ومواجهة… خلق لنفسه عداوات عدة من خلال القرارات التي كان يتخذها بشار الاسد ضد بعض كبار القيادات الأمنية السورية بإيعاز منه، ولعل العميد محمد سليمان كان ابن الطائفة العلوية الأكثر جرأة على محاربة فساد العلويين، وعمل على إقصاء الكثير منهم من أماكنهم الأمنية الحساسة التي كانوا يتبوأونها، وكان هو من طالب بتحميل اللواء آصف شوكت المسؤولية بعد حادثة اغتيال القيادي في “حزب الله” اللبناني عماد مغنية، والتي كانت بمثابة الضوء الذي كشف ضعف الجهاز الاستخباراتي الأمني السوري وسهولة اختراقه، معتبراً ان آصف شوكت كان الشخصية الأكثر اطلاعاً على تحركات عماد مغنية والاجراءات الأمنية المتبعة لحمايته وبالتالي فهو المسؤول عن هذا الاغتيال ولابد من محاسبته …. ولعل قيام محمد سليمان بنقل اللواء علي يونس (العلوي) من منصبه كرئيس لفرع أمن الضباط 293 واحلاله نائباً “مجمداً” لرئيس شعبة الأمن العسكري قبل اغتياله بنحو اسبوع هو ما اثار ضغينة اللواء علي يونس وجعله يردد في مجالسه الخاصة بل والعامة انتقادات حادة للنظام ولمحمد سليمان شخصياً- وإن على استحياء – حتى بلغ به الأمر أن قال “… بئس هذا النظام اللي يشيل علي يونس من مكانو”.
كذلك اكتسب العميد محمد سليمان عداوات متزايدة بسبب قربه من الرئيس السوري بشار الأسد وصياغته للقرارات المهمة وتنفيذها، وكان هو المسؤول عن الملفات الأكثر سرية وأهمية، فهو الرئيس المباشر لمعهد البحوث المنوط به تطوير الأسلحة غير التقليدية، وكان هو المسؤول عن ملف تطوير وشراء تكنولوجيا المعدات الحربية من كوريا الشمالية، بالإضافة إلى كونه المسؤول المباشر عن متابعة ملف المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
ومع كل ما يتبوأه العميد محمد سليمان من مناصب ومهمات غير تقليدية إلا أنه كان قادرا على ادارتها بالشكل الذي يرضي الرئيس بشار الأسد ويحصد نتائج ايجابية دوماً لذلك.
وكانت النهاية في منتجع الرمال الذهبية الذي يمتلك فيه العميد محمد سليمان فيلا فاخرة على شكل شاليه مطل على البحر مباشرة، ومؤمن بحراسة مشددة على مدار الساعة حتى في أيام عدم وجوده في الشاليه الفاخر، فكيف حصلت عملية الاغتيال؟ وما مبرراتها ومقاصدها وأهدافها؟ خصوصا وان العملية استهدفت شخصية نافذة ومن “العيار الثقيل جداً” إن صح التوصيف.
ساعة الصفر كانت الثانية عشرة ليلاً حسب قول مصادر قريبة جداً من دائرة صناع القرار والمسؤولين الأمنيين في سورية، حيث كان العميد محمد سليمان جالساً مع والدته وزوجته يدخن النارجيلة بعدما ودع ضيوفا له، وفجأة انقطعت الكهرباء عن المنتجع بأكمله لنحو دقيقتين كانتا كافيتين لاقتحام الشاليه من قبل أربعة أشخاص يعتقد أنهم خرجوا من البحر، وتوجيههم رصاصات أسلحتهم نحو الرجل بوقت واحد، فقد أثبت تقرير الطب الشرعي تلقي العميد محمد سليمان أربع رصاصات مختلفة صادرة من أربعة أسلحة كان الفارق الزمني بين الرصاصة والأخرى لا يتجاوز الثواني، وقد استقرت كلها ما بين الصدر والرأس والوجه والفم، ما يعني ان من قام بالعملية قد خطط لها بحرفية عالية واستخدم اشخاصا على كفاءة في التصويب والقنص وهيأ كل الأسباب التي سهلت عملية الاغتيال وتنفيذها.
وبعد حادثة الاغتيال بنحو ساعتين كان العميد ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار في موقع الحادثة حيث وصل على متن مروحية خاصة أقلته من دمشق إلى هناك للاطلاع على ما جرى في مسرح الجريمة.
ويبقى السؤال الأهم: من وراء حادثة الاغتيال هذه، ولماذا؟ وما الرسالة التي سعى إلى ايصالها من خلال قتل العميد محمد سليمان؟
الواقع يجيب ان جهات عدة مستفيدة من غياب العميد محمد سليمان عن المشهد الأمني وصياغة القرارات المهمة في سورية، لعل اهمها اللواء آصف شوكت الذي كانت له مواقف متشنجة وعدائية كثيرة معه، ولعل محاولات شوكت للظهور ثانية بعد حادثة اغتيال عماد مغنية بنحو خمسة أشهر وعودته لممارسة اعماله كما كانت سابقاً، وقبل اغتيال محمد سليمان بنحو شهر ما يوحي باستفادته من تغييب سليمان، على اعتبار ان آصف استعاد قوته التي يستطيع من خلالها مواجهة الراحل وذلك بالاعتماد على كونه الشخصية الأقوى في عائلة الحكم ويحظى بدعم مباشر من زوجته شقيقة الرئيس بشار ووالدته.
الفرضية الثانية، بحسب المصادر، ان يكون المستفيد الأكبر بشكل مباشر او غير مباشر من حادثة الاغتيال هو اللواء علي يونس، خصوصاً أنه الشخصية الأكثر نفوذاً وقوة وعلاقات في جهاز أمن الضباط الذي كان يرأسه قبل ان يقوم سليمان بنقله منه. فمن قام بعملية الاغتيال فريق نخبوي من القناصة وبتخطيط متقن من الصعب تجاوزه، فضلاً عن وجود معلومات تامة عن تحركات العميد محمد سليمان وعدد الاشخاص المكلفين بحمايته وأماكن تواجدهم، وتعطيل الكهرباء، وغيرها من الأمور والمعلومات التي ليس من السهولة بمكان تحقيقها الا من خلال اشخاص لهم نفوذ وقوة وسلطة. وهذا الأمر غير متاح حتى لأكبر السياسيين في سورية في حين انه متوافر وبلا شك للضباط والأمنيين، فما بالك بشخص بقوة ونفوذ وعلاقات اللواء علي يونس.
الفرضية الثالثة تقول ان جهات خارجية – غير الموساد الإسرائيلي – هي من تولى عملية الاغتيال هذه، والهدف ايصال رسالة واضحة وجلية ومكشوفة للرئيس السوري بشار الاسد ان اغتيال محمد سليمان الأقرب إلى شخص الرئيس عملية بالإمكان تدبرها وتنفيذها بسهولة، مما يعني وجود اختراقات امنية للدائرة الضيقة جداً المحيطة ببشار الأسد، وأنه هو شخصياً هدف للاغتيال إذا ارادت هذه الجهات تصفيته، وعلى الرئيس الأسد ان يعيد حساباته في القرارات التي يتخذها ضد هذه الجهات حتى لا يكون هو الهدف القادم على قائمة التصفية والتخلص منه لتحقيق اهداف هذه الجهات الخارجية.
ومع بقاء كل الخيارات المفتوحة والفرضيات قائمة، الا ان النتيجة كانت واحدة وهي خسارة بشار الأسد لأكثر المقربين منه والمخلصين له، وأكثر الاشخاص قدرة على التصدي للآخرين ومواجهة مد الفساد الطائفي في منظومة الحكم، ولعل الحال التي ظهر عليها الرئيس السوري من القلق والحزن اثناء القائه خطابه في ايران بعد حادثة الاغتيال بأقل من يوم واحد كانت بمثابة الرسالة الواضحة لعمق تأثره بفقدانه الرجل الأقرب إلى نفسه ومستودع اسراره ومكمن ثقته. والأيام حبلى بكشف الحقائق.
الرأي الكويتية