عارف دليلة أهلا أيها النورس الحرّ
جهاد صالح
وأخيرا اصبح خارج جدران السجن، بعد أن عجز جلادوه عن ترويضه وتدجينه ضمن ثقافة الولاء والمذهبية الطائفية،وبقي الدكتور الاقتصادي الليبرالي قويا وصلبا ثابتا على مبادئه في انقاذ البلاد من مرض الفساد والإستبداد .
سبع سنوات عجز فيها الزمن والمكان فيهما عن التأثير في فكره وطموحه وارادته في مجتمع أفضل وأكثر ديمقراطية وحداثوية وشفافية، خرج من زنزانة صغيرة ومنفردة ليصبح في رحى سجن كبير، من البحر إلى الجبل ومن السهل إلى الصحراء. لكن رغم ارهاصات المرض التي عصفت بجسده \وليس من روحه\ إلا أنه وفور خروجه رفع يده نحو السماء ليعلن لمواطنيه السوريين، أنه سيواصل دفاعه ونضاله كمواطن سوري في سبيل تطوير الوطن نحو الأفضل.
هذه الروح والشجاعة المثالية ليس بشيء غريب وعجيب على رجل مفكر وعالم اقتصادي وسياسي، شخّص بؤرة المرض ووضع الدواء، فدفع حريته وأياما طويلة من عمره في سبيل وطنه وشعبه الجريح ،كحتمية انسانية ورسالة وطنية قرر الدكتور عارف دليلة أن يحملها بأمانة، ويسير بها إلى شاطىء الأمان، ولم يبالي أبدا في قول الحق والحقيقة رغم كل الحراب التي وجّهت إليه.
في الأوطان المتحضرة يتم تكريم أمثال الدكتور دليلة، وتقدير فكره وعلومه وثقافاته. لكن في سوريا وفي ظل حكم جاهل فكل شيء هو عكس الحضارة ،حيث تم تكريم دليلة وعلمه ووطنيته عبر عقابه بالسجن الجائر والحكم الباطل، لسبب أنه أزال ورقة التوت عن رجالات الفساد والمافيات الأمنية التي تمتص دم الاقتصاد السوري بشراهة لاتعرف الشبع والإرتواء، حين وصفهم بأعداء الوطن. لكن في زمن مليء بالغبار الملوث والأصوات الثعلبية، يمكن للإنسان والمواطن الشريف أن ينال موتا وسجنا وتعذيبا فيما إذا انتقد السلطات والحكومة وملوك المال والقرار داخل الحياة السورية ؟
قبل عشر سنوات تصفّحت كتاب الإقتصاد السياسي للدكتور عارف دليلة اثناء دراستي في كلية الحقوق حينها قلت في نفسي\ لكم هو عظيم مؤلف هذا الكتاب\ لأن من يكتب في علم الاقتصاد السياسي حتما لن يكون إلا رجلا على قدر كبير من العلم والثقافة والذكاء الفطري. لم أكن أدري أنه سيأتي زمن ويصبح ذلك الرجل الوطني المثقف من وراء القضبان، ولم يشفع له انتمائه المذهبي، ولا كل علومه ومؤلفاته ورؤيته السليمة والموضوعية لوطن حان الوقت لأن يكون ديمقراطيا وانسانيا قبل كل شيء. والجميل أنه فضل الإنتماء إلى الوطن، على الإنتماء القبلي والعشاري والطائفي.
فالجلادون لم يصلوا في ذروة علومهم الملقنة سوى إلى علم القمع كدائرة يدورون في أحشائها، ودون الجرأة والمحاولة لكسر هذه الحلقة الصدأة والعودة إلى طريق العقل والصواب.
ها قد اصبح طائر النورس الأبيض الدكتور عارف دليلة خارج جدران الزنزانة، لن نطلق عليها حرية، فهي حرية منقوصة ومنتقصة، في وطن منقوص من كل شيء، فيما بقي وراء القضبان والجدران الإسفلتية آلاف من السجناء السياسيين ومعتقلوا الرأي والضمير . وقد يفعلها أصحاب السلطة في أيام قادمة ويطلقون سراح البعض منهم، لكن يبقى الفعل ناقصا وبحاجة إلى العمل الكثير لابداء حسن النوايا أمام الغرب وأمريكا.
ما يحصل في دمشق استراتيجية سياسية، أوراق يحرقها، وأوراق أخرى يرميها في ملاعب الأخرين :
( معارضة – حكومات –أنظمة – قوى كبرى) وقد كان اطلاق سراح العالم دليلة إحدى تلك الوريقات الهامة والكبيرة في محراب عالم السياسة وتقاطع الرغبات والمصالح؟
ما نريده كسوريون هو وطن حقيقي ومؤسساتي وديمقراطي، يجد فيه أمثال الدكتور عارف دليلة مناخا وبيئة مناسبة وقدرا كبيرا من الحرية، لأجل تقديم فكر معرفي لتطوير الوطن والشعب، وتأمين حياة كريمة وعادلة لمواطن سوري بائس يحلم بكسرة خبز وتمرة في ظلال شجرة الحرية الوارفة.
بيروت
خاص – صفحات سورية –