إيران تواجه أم تتراجع؟
ميشيل كيلو
إذا كانت القيادة الإيرانية غير منقسمة على نفسها، فإنها تكون إما في حالة تخبط أو في حالة توافق على التظاهر بالتخبط، لأن الحال الأخير يجعل التراجع عن السياسات المتشددة ممكنا، مع دفع ثمن محدود هو تحميل بعض الموظفين العامين المسؤولية عن التراجع وإزاحتهم من مراكزهم.
وقد كان واضحا منذ البداية أن نجاد وصل إلى الرئاسة في سياق تشدد قرره المحافظون الإيرانيون، بدأ في الداخل بإطاحة خاتمي والتيار الإصلاحي، بما في ذلك أنصاف رموزه من أمثال الرئيس الأسبق رفسنجاني، ووصل إلى الخارج على شكل أزمة مع العالم حول ملف إيران النووي، بعد أن أعلن الرئيس عزمه على استئناف الأبحاث الذرية مهما كانت الضغوط، وكان رد فعل العالم الخارجي، الخائف من قنبلة نووية تحصل عليها سياسات متشددة وراغبة في تحويل إيران إلى قوة إقليمية كبرى، بالإفادة من متاعب تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة، تمكنها من تحقيق تفاهم مع القوة العالمية العظمى يجعل قنبلتها أمرا مقبولا وجزءا شرعيا وطبيعيا من علاقات البلدين واستراتيجيات العالم الجديد الإقليمية، ونفوذ إيران في العالمين العربي والإسلامي، الذي سيزيح النفوذ العربي، الروحي والمعنوي والاقتصادي، ولكن الضعيف عسكريا والعاجز في أوضاعه الراهنة عن مواجهة أحد.
لكن المشكلة، التي تواجهها إيران، ليست في الحسابات، بل هي في الوقائع الصعبة، التي يتجلى أبرزها في وقوف المجتمع الدولي بمجمله ضد قنبلتها النووية، وأبحاثها العلمية، التي قد تمكنها من إنتاجها، بالسر أو في غفلة من الزمن. وليس قرار الدول الخمس الكبرى، بما فيها روسيا والصين، تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن، وإن مع فترة سماح ستمتد إلى شهر، غير رفع الغطاء الدولي عن سياسات نجاد وقرار بالمواجهة معه، وتعبير عن خوف حقيقي يساور الجميع من أن تسعى إيران إلى استغفال العالم وإنتاج القنبلة، تقليدا لباكستان والهند، لتجد لها بمعونتها مكانا مهما في السياسات الدولية والصراعات الإقليمية. ومع أن السياسات الإيرانية بدأت تتراجع أمام الضغط القادم من كل مكان: من أمريكا التي تريد منعها من إجراء أية أبحاث نووية، لأنها ترفض السماح لها بتحسين موقعها في التجاذب القائم بينهما، وتخاف من تعاظم دورها تجاه “إسرائيل” وفي الصراع الإقليمي، إلى روسيا التي اقترحت تخصيب اليورانيوم الإيراني في مفاعلاتها النووية الخاصة، فإن الإجماع الدولي على تحويل الملف إلى مجلس الأمن، يعتبر ضربة قوية للطموحات الإيرانية، كما تعبر عنها سياسات المتشددين من قادتها، لذلك لن تخفف واشنطن ضغوطها على هؤلاء، ما دامت قد بدأت تعطي ثمارها، ويرجح أن تصعدها بمعونة الدول الأخرى، وخاصة روسيا والصين، اللتين يبدو أنهما لن تأخذا موقفا يصل إلى حد معارضة سياسات أمريكا وإفشالها في مجلس الأمن. تلك ملامح من ورطة نجاد وسياسات التصعيد التي اعتمدها، وخال أنه يستطيع تغطيتها دوليا، عبر مغانم يقدمها لدولتين ظن مخطئا أن رغبتهما في الإفادة اقتصاديا وربما سياسيا من أزمات واشنطن قد تدفع بهما إلى اتخاذ مواقف حاسمة ضدها، تضر باستراتيجياتها في المنطقة، وتضعها أمام أحد بديلين: الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران ليست قادرة عليها، ربما كانت الأخيرة تريدها وتخطط لها في الظرف الراهن، أو قبول قنبلتها النووية دون مقاومة جدية.
لم تمر هذه الخطة الإيرانية، لأن العالم يخشى النتائج التي ستترتب على قوة نووية جديدة في المنطقة إلى جانب قوة “إسرائيل”، من شأن قيامها شحن الرقعة الصغيرة الفاصلة بين القوتين بقدر من التوتر قد يورط العالم في نزاع مهلك.
ماذا سيحدث إذا لم تتراجع إيران عن برنامجها النووي؟ ثمة احتمالان مهمان:
فتح معارك تقليدية على امتداد منطقة الشرق الأوسط بين أفغانستان ولبنان، يتم فيها الضغط بقوة على أمريكا ومصالحها، إلى أن تقبل البرنامج النووي الإيراني. هذا الاحتمال سيصل بالمنطقة إلى حافة حرب إقليمية عامة تشارك فيها أطراف دولية كثيرة، وقد تكون نتائجها وخيمة بالنسبة إلى إيران وأصدقائها، خاصة في لبنان وسوريا.
التراجع عن الخطط النووية، وقبول السياسات الدولية والأممية حولها، وقبولها التخلي عن السلاح الذري ووضع مرافقها تحت إشراف دولي صارم، وتالياً قبول هزيمة سياسية استراتيجية ذات نتائج حاسمة بالنسبة إلى المتشددين في قيادة إيران.
ماذا ستختار إيران؟ أعتقد أننا صرنا نعرف الرد. فلنعد أنفسنا لما هو أسوأ، ولنحضرها لأيام عصيبة قادمة، ليس ما نعيشه اليوم غير لعب أطفال، بالمقارنة مع ما ستأتينا به!