إيكو الشلة, CT المناطق, ومضان الطوائف.
سومر حسن
مما لا شك فيه أن مجتمعنا اليوم فيه مما يسبب انقسامه أكثر بكثير مما يسبب وحدته, و هذا أمر بديهي و تفسره الانقسامات التي نراها على مختلف المستويات, و البحث في أسباب الانقسام يطول, و لا أظنني قادراً على تحديد كل ملامحه و لا حتى كل أسبابه, سأقتصر في مقالتي اليوم على موضوع محدد وواضح : الانقسام الطائفي.
الانقسام الطائفي الذي تشهده المنطقة أمر مرعب, و الأكثر رعباً هي أشكاله الخفية التي نعيشها يومياً في سوريا حتى صرنا ندعي أنها جزء من حياتنا الطبيعية, و أن اختفاء هذه الأشكال تحت مسميات مختلفة أمر طبيعي أيضاً, بل و مفضل, من التجمعات “الشللية” التي نراها في الجامعة, إلى الحارات ذات اللون الطائفي الواحد التي تنتشر كالسرطان في مختلف المدن السورية, إلى عبارات من نوع “من وين أنت ؟” و “ما هو اسم ضيعتك ؟” و “من وين أصلكم؟” وغيرها من الأسئلة التي صارت أسئلة طبيعية يطرحها كل شخص على آخر بصورة مستترة بحثاً عن جواب السؤال الحقيقي “ما هي طائفتك؟” , أما بالنسبة لي : فمن البديهي أن أول خطوات حل المشكلة هي الاعتراف بوجودها, و بتأثيرها, و بنتائجها, ثم التوجه إلى الحل, في النهاية لا يمكنك أن تحارب الأشباح.
المرعب في موضوع الانقسام الطائفي أنه ينتشر في كل يوم أكثر فأكثر, بحيث أخذت الطوائف تتحول إلى كينونات منفصلة و منعزلة و تتخذ مختلف الوسائل لتجنب “الصدام” ! إن من الواضح اليوم أن كل طائفة باتت ترى نفسها جزءاً فريداً و مميزاً من المجتمع –وهذا أمر مقبول ..مبدئياً- و لكنها باتت ترى نفسها غير قادرة على استمرار تحقيق ذاتها إلا في إطار الحفاظ على ذاتها بعيداً عن أي تلوث من الطوائف الأخرى, و هنا مبدأ المشكلة و مكمنها.
كثيرة هي الملامح و الصفات التي تدعي بها الطوائف المختلفة –ولا أميز هنا و في هذا المقال تحديداً بين الطوائف و المذاهب, و كل ما ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر- أنها تحافظ على ذاتها النقية, و عرقها الصافي, و على رأسها منع الزواج بين الطوائف المختلفة و المذاهب المختلفة, وحصره بأبناء الطائفة كمظهر من مظاهر الحفاظ على العرق و العقلية و الاستمرارية في المجتمع, و باعتباره أيضاً أحياناً أحد مقومات الرغبة الإلهية وفق تفاسير لا تتفق مع أبسط آيات الكتب المقدسة, و تشكل أحد نقاط الاتفاق القليلة و النادرة بين الطوائف باختلافها.
تحضرني صورة مأساوية عن مستقبل البلد الذي لا يتزواج أبناؤه إلا من طوائفهم, و إن كان الموضوع يشتد خطورة في هذه اللحظات بالنظر على وضع المنطقة ككل, فإننا لا يجوز أن ندعي أن القضية سياسية بحتة, و أن الشعب مسلم أمره إلى المخططات التقسيمية الاستعمارية التي لطالما كانت الطائفية أحد أركانها, إن الطائفية في بلادنا أمر متشعب و متجذر أكثر بكثير من وصفه بهذه الطريقة الساذجة و إلقاء اللوم بها على الاستعمار و على غباء الشعب, قد يكون غباء الشعب –أو الجماعة بصورة عامة- موضوعاً جديراً بالاهتمام في مقال آخر, و لكنني أستطيع أن أقول و بنفس مطمئنة أن الطائفية باتت اليوم أكثر من مجرد مشروع استعماري, لقد أضحت ثقافة شعب.
إن الاستمرار بهذه الصورة المنهجية في الحفاظ على الدماء الطائفية النقية لكل طائفة على الطريقة النازية البشعة, يثير المخاوف حول مستقبل بلد يدعي أبناؤه في كل يوم أن ما يربطهم فيه هو وحدة الانتماء إلى الأرض, أو ربما يدعي آخرون أن ما يربطهم فيه هو وحدة الأخوة في الله –إله الجميع- فيما يتبين بالتدقيق و الدخول في التفاصيل –حيث تكمن الشياطين عادة- أن كل إله –تقريباً- من آلهة الطوائف يكفر بقية الآلهة, هكذا .. بدون مساحيق تجميل.
مستقبل هذا البلد سيكون مزيداً من التجمع و مزيداً من التقوقع و مزيداً من الاختلاف و التمايز على أساس طائفي, المخيف فيه أن الإنسان لا يختار انتماءه إليه بإرادته الشخصية في الغالبية الساحقة من الحالات, باعتباره يولد في إحدى الطوائف و يصبح تلقائياً مشاركاً في هذا النظام البغيض, مسؤولا عن الدفاع عنه و حمايته, إلا من رحم ربي.
أستطيع أن أتخيل جيلاً أو جيلين قادمين ربما حيث سيكون هناك لكل طائفة عرق صافٍ و مميزات جينية خاصة و أمراض شائعة مميزة لا تشاركها فيها طوائف أخرى, ساهم الاصطفاء الوراثي –الطائفي هذه المرة- في تحقيقها بحيث ستصبح عاجلاً أم آجلاً لكل طائفة مميزاتها الوراثية الخاصة بها الناجمة عن حصر التزواج بين أفرادها, و منعها من الاختلاط بالطوائف الأخرى, عندها : ستشيع أمراض وراثية و تصبح مرتبطة بهذه الطائفة أو تلك, و سيكون ربما بإمكاننا الكشف عن الطائفة بالاستقصاءات الطبية المختلفة المتوافرة حالياً و التي ستتوافر مستقبلاً بطريقة لا يمكن الخلاف عليها.
يومها : قد تذهب إلى طبيب الداخلية لإجراء إيكو للبطن, سيخبرك بأن لديك خلايا مسيحية كاثوليكية مريضة في الكلية ما يتسبب لك ببيلة دموية, ربما سيصف دواءً من زمرة الAnti Catholicism (وهو من زمرة أغوال السَلَفيّات) لعلاج المشكلة, يقتل هذه الخلايا و يعيد التوازن إليك.
مشكلة أخطر ستتواجد ربما في ذاك الوقت, إن من يخالف قانون الطوائف هذا سيتسبب بمشاكل لا حصر لها, و لا سيما في أبنائه, أتخيل مستقبلاً زواجاً بين شاب من نسل سنّي صافٍ و فتاة من نسلٍ شيعي صافٍ, لكم –أصدقائي- أن تتخيلوا معي المشاكل التي لا حصر لها التي ستنجم عن زواج كهذا, و أهما لا ريب سيكون في الأولاد, تخيل معي تواجد خلايا شيعية في غدة تيموس سنية ! ستسبب تركيبة كهذه مرضاً مناعياً ذاتياً قاتلاً لا محالة, فستقوم الخلايا التيموسية بإنتاج أضداد موجهة ضد الخلايا الشيعية بحيث تبيدها, و المعضلة أن الولد من أم شيعية ربما سيحمل خلايا كبدية أو حتى دماغية شيعية, ستقوم هذه الأضداد بإبادتها عن بكرة أبيها, لا سيما إذا كانت المتممة من صف الأضداد, إن زواجاً كهذا محكوم بالفشل طبياً مسبقاً و لا أستغرب صدور قوانين تمنعه مستقبلاً على شاكلة القوانين الملزمة بالاستشارات الوراثية للتلاسيميا و ما شاكل, لا سيما أن أمراضاً كهذه ستكون أخطر و أكثر فتكاً, و الساحة العراقية ورغبة القتل الدموية في مختلف جبهاتها من الجنوب إلى بغداد إلى الشمال تشهد على حدة وعنف هذه الأمراض القادمة.
لا أمزح ! الموضوع قد يصل إلى هذه المواصيل, و قد نصل إلى يوم يؤدي فيه تزواج رجل علوي من امرأة درزية إلى ولادة ابن يعاني من إقياءات متكررة و معندة بعد الولادة مباشرة, و بفحص الCT للبطن قد نجد كتلة خلايا علوية في معدة درزية .. مثلاً, يحاول كل منهما التغلب على الآخر, سنشهد أنواعاً جديدة من السرطانات التي نصفها اليوم مجازاً على الأرض, وعندما نتحدث عن سرطان الثقافة الطائفية و خطره على المجتمع, فإنني فعلاً أخاف من يوم يتحول فيه هذا السرطان مرضاً حقيقياً قاتلاً للعضوية بالآليات السابقة لا سيما أن تباشيره اليوم باتت واضحة وضوح الشمس في لبنان و في العراق و في دول الخليج من الكويت إلى البحرين و ليس انتهاء بالسعودية, لا تغيب المشكلة المصرية القبطية الأزلية هنا ولا تشكل إلا إثباتاً للقاعدة.
سيكون على كل رجل يخطب امرأة أن يخضع لفحوص طبية كثيرة, من ومضان العظام الطائفي, إلى الPET Scan إلى غيرها من الاستقصاءات التي عليه فيها أن يثبت أنه من عرق صافٍ ينتمي لنفس الطائفة التي تنتمي إليها الفتاة, و إلا فإنه سيكون مرفوضاً من أهلها, حفاظاً على وحدة الدم و سلامة النسل, سيكون الأطباء قادرين على تحديد اسم ضيعتك من فحص الدم و ملاحظة أنواع محددة من الخلايا تفرضها التشكيلات الوراثية المتوارثة في مجموعات بشرية مغلقة و مقفلة تحمل اسم الطائفة.
لن أتعمق في الموضوع كثيراً من الناحية الفلسفية و العقائدية لكل طائفة من الطوائف, و يكفيني القول, و أعتقد أنه ما من أحد يخالفني هنا, أن الطائفية بأشكالها الظاهرة و الخفية مرض فتاك في المجتمع, و أن مرضاً كهذا أخطر علينا في الوقت الحالي من أي عدو خارجي, و أن من واجب كل واحد منّا أن يتحمل مسؤوليته في هذا السياق, و أن يحاول –رغم القيود التي يفرضها المجتمع- التخلص من هذه القيود, فهو وحده القادر على تحرير ذاته, و تشكيل نواة خاصة به لتحرير المجتمع من هذه الآفة.
لا يفوتني أن أذكر بأن الشائع ليس دائماً هو الصحيح لا سيما في مجتمع مريض كمجتمعنا,و أن الاستثناء هو الذي يغير التاريخ و يترك البصمة إذا كان في الاتجاه الصحيح, و إذا كنا نتفق جميعاً أن الطائفية الشائعة هي الخطأ, فلنكن .. أنت و أنا من رواد الاستثناء.
هلوسات – مجتمع