صفحات الناس

بعض من مظاهر التدين في سورية

null
ميشال شماس
حيثما توجهت أو ذهبت ،تحاصرك الشعارات والإعلانات والملصقات التي تدعو بشكل غير مباشر إلى أسلمة المجتمع السوري، تسير في الشوارع والساحات فتجد أمامك لوحات طرقية ضخمة لصقت عليها صورة كبيرة لفتاة محجبة
كتب بجانبها عبارة بخط كبير تدعو المرأة والفتاة بشكل مباشر للتحجب :” أناقة السيدة المتحجبة” أو” أناقتك سيدتي في حجابك”، أو “سيدتي.. حجابك يحافظ على جمالك” أو ” حجابك تاجك” تركب الباص ‏أو السيارة، فتلحق بك إعلانات ملصقة داخل السيارة تأمرك بالصلاة: “صلّ على النبي العدنان”، أو تسمع خطبة لأحد الدعاة،وإن طلبت من السائق خفض الصوت، فيرمقك بنظرات غاضبة، فتضطر مكرهاً على سماعها حتى تصل إلى مقصدك، تدخل إلى مكتب محامي أو عيادة طبيب فتجد أمامك أيضاً ملصقات ورقية كتب عليها بلهجة آمرة “عطر فمك بالصلاة على النبي” تتجول مثلاً في سوق الحريقة بدمشق تنظر إلى واجهات المحلات التجارية فستجد عبارات لصقت عليها تدعوك إلى” نصرة نبي الإسلام”، تدخل إلى المحل بقصد الشراء وأول كلمة تسمعها “صلي على النبي” وإذا تجاهلت قوله هذا فيعيد القول عليك حتى تردد تلك العبارة، أو تخرج من المحل، ولم تسلم مؤسسات الدولة ووسائط النقل التابعة لها من تلك المظاهر وتلك الشعارات، خلافاً لما تعلمناه من أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع أبنائها على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية.
تذهب إلى البيت لترتاح من هذا الضجيج البصري والسمعي، تفتح التلفاز لتسمع نشرة الأخبار أو تشاهد فيلماً أو برنامجاً، فتفاجأ بإعلان يذكرك بموعد الصلاة، ثم تسمع صوت المؤذن يدعوك للصلاة دون استئذان .. تغير القناة أو تطفئ جهاز التلفاز فتأتيك أصوات المؤذنين من الجوامع وقد اختلطت ببعضها، حتى تكاد لا تفهم ماذا يقولون.. وإذا مات أحدهم بحادث سير، أو نتيجة أزمة قلبية فإنك سوف تسمع من يقول :” أن الله كتب له أن يموت كذلك”.. ” والمكتوب ما منوا مهروب” أما إذا نجح هذا الطالب أو ذاك وحصل على علامة كاملة، فإنك سوف تسمع من يقول أيضاً: ” أن الله معه وهو الذي ساعده في الحصول على علامة كاملة” وأما ذاك الطالب الذي رسب ، فيقال عنه : ” هكذا هي مشيئة ” الله سبحانه وتعالى” في أن يرسب ذاك الطالب، فلوا أراد الله له النجاح، لنجح . وأما إذا اجتمع شاب وفتاة فيقال أن ثالثهما هو الشيطان..
يدفعك الفضول أحياناً لمشاهدة تلك الفيلا أو ذاك القصر الذي شيده صاحبه في غمضة عين في قريتك أو مدينتك، وقد يكون صاحب الفيلا أو ذاك القصر مهرباً أو مسؤولاً أو متنفذاً، يعلن بعبارة مزخرفة نُقشت على المدخل : ” هذا من فضل ربي”. فجأة تسمع أن فلاناً من الناس اشترى عدداً من السيارات والمنازل ويدير عدداً من الشركات، فيقولون لك أن الله قد أنعم عليه بذلك، تسأل أحداً من أولئك الذين ” أنعم الله عليهم” عن حجم ممتلكاته، فيجيبك على الفور:” هذا كله ملك لله” ومع ذلك تراه يعمل في السر والعلن لزيادة ممتلكاته وتزيينها بعبارة :” الملك لله..!
وبما أننا نعيش في مجتمع متعدد الديانات، فمن الطبيعي أن نشاهد مظاهر دينية أخرى موازية لتلك الظواهر الإسلامية ومضادة لها، فكثرت الصلبان على صدور المسيحيين ، وتقام نشاطات دينية تخللها رحلات ترفيهيه لجزب الشباب المسيحي ..الخ والطرفين يسعيان من حيث النتيجة للاستحواذ على المجتمع السوري، وفرض مفاهيمه الدينية الخاصة به، متخذين من الله ومحمد والمسيح ستاراً يسهل لهما السيطرة على المجتمع. بواسطة منظومة كاملة متكاملة تسير بنظام معين، يستغلون منابر المساجد والكنائس والجمعيات الخيرية، كما يملئون القنوات الفضائية، فضلاً عن دور شرائط الكاسيت والسي دي والمطبوعات الدورية وغير الدورية..الخ.
وهكذا فقد تغير كل شيء في مسيرة مجتمعاتنا العربية ومنها مجتمعنا السوري، خاصة في السنوات القليلة الماضية، باستثناء أن مجتمعاتنا ما زالت مصرة على نهج الاستهلاك بدون أي قاعدة مادية، مصرة على التلقي والانفعال، مصرة على كثرة الإنجاب،مصرة على الانغماس أكثر في الملذات الجنسية، حتى أصبحنا بلا وزن وبلا بعد وبلا أي قيمة اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية أو حتى ثقافية، وبلا هوية، أللهم إلا من هوية التخلف التي مازالت هي الطاغية على مجتمعاتنا السائرة بجدارة واقتدار نحو الهاوية.. منذ أن تسللت الطائفية الدينية إلى مجتمعاتنا لتحل محل مفهوم المواطنة .. ومنذ أن فشلت أنظمة الحكم في البلدان العربية في تلبية مطالب الناس البسيطة في تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية تواجه الأزمات التي تمر بها مجتمعاتنا ، وتحافظ على كرامة أوطاننا ومواطنينا. ومنذ أن قررنا البحث عن الدولة الدينية المؤمنة بديلا عن الدولة المدنية “الكافرة” .. ومنذ أن قبلنا بالتدين المتعصب بديلاً عن الفكر العلماني الحر.
موقع الأوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى