مشعل التمو رهن الإرهاب الأمني في سوريا
جهاد صالح (*)
يشعر السوريون بخيبة أمل شديدة الانكسار وصمت مريب مشوّب بالقلق والخوف في ظل انتظار هو أشبه بالسبات السريري والغيبوبة السياسية، وما ستؤول إليه الأوضاع السورية ضمن التغيرات الحاصلة في المنطقة والعالم.
النظام الحاكم في سوريا عاد من جديد متسلحا بأوراق إقليمية دسمة، ويسير في خطى ثابتة بعد أن مدّه الغرب لا سيما “فرنسا” بأنبوب ينعشه ويملأ رئتيه بالهواء. وليصبح الضمان الاستراتيجي ومفتاح الحل لقضايا المنطقة ودفع عجلة الآمال الأوربية إلى الأمام بما يضمن مصالح الجميع .
نزع الألغام بين بيروت ودمشق كانت البداية الأولى والتوجه نحو العلاقات الدبلوماسية مع دولة لبنان الجديدة، هي إشارة الانطلاق وفق المسار الأوروبي المرسوم له، وكان لابد من زيارة اسدية إلى طهران لحفظ ماء الوجه والاتفاق مع نجاد حليفه الفارسي على مرحلة تحالفية محدثة تتوافق مع الطقس السياسي الوليد وبما يضمن مشروعية الحكم السوري كوجود وسلطة متوارثة ترضي جميع الأطراف القوية “بما فيها إسرائيل” مقابل عدم التدخل في الشؤون السورية.
كل شيء جائز في العرف الشمولي الفردي مادام ذلك سينتهي في النتيجة إلى عودة الود مع الولايات المتحدة الأميركية.
كل ما يجري على المسار الأوروبي والإقليمي يثلج صدر القيادة السورية ويطمئنها، وهذا الشعور المتبادل بين النظام ومن يراهنون على حسن نواياه وفي مقدمتهم ساركوزي، يدفع بسلاطين القمع للثأر من الداخل السوري، وخاصة نحو الكتلة المناهضة له من دعاة رأي وحقوق إنسان ونشطاء مدنيون وسياسيون، فمن ضرب إعلان دمشق وتصفيته، إلى تجويع المجتمع السوري في سبيل إبعاده عن أي حراك سياسي. وفي الطرف الكردي المشتعل في مد وجزر، ما عجز النظام وأجهزته البوليسية الانكشارية عن استخدام جميع وسائل القمع والعنف وفي وضح النهار، ولكن من دون نجاحه في ترويضه وتسخيره ضمن الفكر الولائي والتبعي.
لكن في الفترة الأخيرة لجأ إلى تطوير أدائه الأمني عنفيا وعقابيا في تحد للشعب الكردي في سوريا عبر اعتقال قياداته ورموزه القومية والسياسية، وتوجيه المسدس إلى الرأس، بدءاً بالقيادات الكردية “الاستثنائية” الذين تتسم مواقفهم ونشاطاتهم بالصلبة واللامساومة، وهؤلاء يصنفهم المعيار المخابراتي بـ”الأعداء”.
وهنا وجدنا اعتقال زعيم حزب اليسار الكردي محمد موسى، وتطور الفعل ليتحول إلى إرهاب حين اختطاف واعتقال الكاتب والناشط “مشعل التمو” زعيم تيار المستقبل الكردي في سوريا، وعدم الاعتراف بذلك بغية تصفيته أو سجنه بشكل مجهول وطويل ودون محاكمة وتهمة؟
قد يكون في خطط الأمن السوري إلحاق الأذى بالرموز الكردية الأخرى، وخاصة أن معظمهم تلقى تهديدات قبل شهور من رؤساء المخابرات، في تكرار لنفس السيناريو مع الشهيد الشيخ محمد معشوق الخزنوي 2005.
ليس بغريب على نظام قمعي مستبد وقاتل اعتقال جميع القيادات الوطنية وزجهم إلى السجون والمعتقلات، فهو يدرس النتائج بناء على ردة الفعل المجتمعي وما سيحصل ما بعد ارتكاب الفعل، وهنا في ما يحدث في الوقت الحاضر يستغل التخبط المعارض وتشتته وضعفه وهذيانه وعراضاته المريضة والمتنافرة فيما بينها، واختراق البعض منها، إضافة إلى الحراك الجماهيري المدني والسياسي الجامد، والمجتمع الدولي يؤّمن له غطاءاً حين يمارس لغة الصمت والبلاهة عن انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة داخل الحياة السورية. وهذا المناخ الضبابي والعشوائي يوفر للسلطة شجاعة طغيانية لتوجيه اكبر الضربات إلى جسد سوريا المعارض.
الكاتب مشعل التمو تميز بنشاطه السلمي والديموقراطي ذا الطابع المدني والسياسي المعتدل، وبخطاب موضوعي وبراغماتي ووطني بلون جريء وشجاع، وضمان الحل الديموقراطي والإنساني والوطني لكل المشاكل والقضايا بما فيها القضية الكردية، ضمن ثقافة التوافقات الوطنية، وتحقيق المشروع الديموقراطي والدستوري داخل الوطن السوري على قاعدة العدالة الاجتماعية والشراكة الجماعية في الوطن الواحد تحت سقف القانون والدستور.
اعتقال الناشط مشعل التمو يأتي في ظروف سياسية يحلم بها رجل الأمن لاستغلال الفرصة والفوضى لهيمنة العقلية الأمنية، وإعادة الاعتبار البوليسي إلى مراكزها وفروعها، بعد ما شهدت سوريا خطابا كرديا شعبيا غاضبا منذ عام 2002، وفقدان “المعلمين” من رؤوس المخابرات السورية لهيبتهم كضباط يتحكمون بحياة المواطن السوري وفق طقوسهم الأمنية السادية. وشخصية التمو الكاريزمية نجحت في استقطاب الشارع الكردي والسوري بتبنيه خطاب وطني جسور استطاع أن يستثير الجماهير الكردية ليتحول إلى رقم فاعل ونوعي إلى جانب قيادات كردية أخرى، لايمكن لأبرز العقليات الأمنية المراهنة على تخاذلهم في الدفاع عن الديموقراطية لسوريا وتأمين الحقوق القومية للشعب الكردي، ضمن نشاطهم الوطني في سوريا ديموقراطية تعددية.
المؤسف هذا اللافعل لدى قوى المعارضة السورية، وبالأخص الكردي منه، والانخراط في الحراك النظري والإعلامي عبر البيانات والتنديدات والشجب، والانتظار أمام أبواب الجاني لأن يعترف بجريمته.
كان من الواجب الوطني والسياسي الرد على الفعل القمعي والبوليسي للسلطة، باستعمال جميع الوسائل السلمية والديموقراطية لإنقاذ حياة الناشط مشعل التمو، وعدم التنجيم أنه قد يتم تصفيته، كما حصل مع الشيخ الخزنوي ومن ثم البكاء عليه.
حتى لايتكرر المشهد ذاته، ولا يفكر النظام السوري وأدواته القمعية بالتطاول على الزعامات الوطنية الشريفة والشجاعة، لابد لنا كسوريين يصنعون حريتهم وحياتهم العادلة أن نكون حماة ومدافعين عن رموزنا وقياداتنا من كل شرّ.
كفانا رقابات سلطوية، وكفانا رقابات ذاتية وتسويف سياسي وعراضات بهلوانية بلا فعل، حان الوقت لأن نتحرك كسوريين وننقذ أصدقائنا من السجون والمعتقلات، وننزل إلى الشارع في فعل جماهيري متظاهر ضد الظلم واللاحريات والبوليس المهيمن على الحياة السورية، حينها سيرضخ النظام وجبروته لإرادة الشعب وسيطلق سراح الكاتب مشعل التمو وجميع سجناء الرأي، وسيفهم أن القيادات الوطنية “خط احمر” وكذلك حرياتنا وحقوقنا كسوريين ضمن وطن الجميع.
(*) كاتب سوري معارض
خاص – صفحات سورية –