أرض غير مألوفة لجومبا لاهيري: أكتب كمن به مَسّ ونيويورك هي وطني
تحقيق سيلفان سيبيل
ترجمة بسّام حجّار
حُسنُها ليس صارِخاً، هالَتُه خفية. قبل يومنا هذا كانت أقلّ الأمور تُرهِبها. أمّا اليوم، بحسب ما جاء في مجلّة “تايم”، فقد أصبح الآخرون “يرهبون جانبَها: ففي عداد الجيل الأدبيّ الأميركي الصاعِد، تنال هيَ القَدَر الأوفر من إطراء النقّاد ومدائحهم”. تُدعى جومبا لاهيري (والحقيقة أنّ هاءً مخفّفة تفصل بين جيم وواو اسمها الأوّل، لم تُسعِفنا في نقله إلى العربية من دون ثقل، فحذفنا الهاء على سبيل التخفّف)، إذاً تُدعى جومبا لاهيري، ومن مواليد مدينة لندن سنة 1967 لأسرة بنغالية الجذور سرعان ما انتقلت إلى نيويورك واستقرّت فيها ولم تكن جومبا قد جاوزت الثالثة من عمرها. ولم يمض وقت طويل حتّى استقرّ والدها في عملِه كصاحبِ مكتبة وهي المهنة التي يزاولها إلى اليوم. “غالباً ما يسألونني: ـ أنتِ هندية في المقام الأوّل أو أميركية ؟” أمّا أنا فلم أشعر يوماً بالحاجة إلى مثلِ هذا التعريف. واليوم لا أكترثُ البتّة لأنني لا أملك إجابة عن سؤال مماثل”.
ثلاثة مؤلفات كانت كافية لاستمالة جمهور أميركي واسعٍ. كانت باكورتها مجموعة قصصية: “مُفَسّر الأمراض” ( منشورات مركور دو فرانس، 1999، للترجمة الفرنسيّة )، التي نالت عليها جائزة “بوليتزر” وعدداً من الجوائز الأخرى. تبعتها رواية: “اسم محلّ آخر” (منشورات روبير لافون، 2003، للترجمة الفرنسيّة ). وها قد أصدرت مؤخراً كتابها الثالث: “أرض غير مألوفة “، وهي، كباكورتها، مجموعة قصصية. الصحافة الأميركية أغدقت عليها بالمدائح كما لم تفعل من قبل. فهي، بحسب لينورا تودارو، الناقدة في مجلّة “فيلِج فويس”، “فنّانة البورتريه العائلي”؛ و”فنّانة اقتضابية” تعالج مضماراً غير مطروق كثيراً، وهو مضمار “الحيّز الصميمي الضيّق”، بحسب ناقد مجلّة “تايم “، ليف غروسمان.
شخصيّاتها هي بمعظمها شخصيّات مهاجرين هنود، وأحياناً بنغاليين، يجدون أنفسهم في مواجهة العالم الغربي. ليسوا أبطالاً، وإنّما مجرّد نَكِرات، في إنسانيّتهم المستضعفة والعنيدة، يغالبون أزماتهم الداخلية وأسرارهم وعزلتهم اللامحدودة، ويجبهون قوى الخارج التي تهدّد بسحق هويّتهم أو ما يحسبون أنّه مكوّن لهويّتهم. في أنفسِهم لا تشرَح ما يعتورها من شوائب، وإنّما تحفر عميقاً في جوانب اللبس فيها.
عادية الخير تثير فضولها وكذلك عاديّة الشرّ. نصوصها السرديّة تتكلّم على مكامن النقص، على الخيار الذي يجبه كلّ واحد منّا في أن يكون مغايراً لما هو عليه. شخصيّات قصصها تواجه على الدوام أخطار الهزيمة. وقد تُهزَم حقّاً أو قد تجتنب الهزيمة. غير أنّها لا تطلق عليها أحكاماً.
تقترح علينا أن نلتقي في مطعم هندي صغير في بروكلين، في حيّها اللافت بهدوئه، على مقربةٍ من صخب منهاتن. عوائل وأسرار ونزاعات: نسألها عن صلتها بالتحليل النفسي. تجيب جومبا لاهيري كما تكتب، من دون تكلّف: “لقد خضعت لتحليل نفسي طويل. هذا يساعدني في أن أبقى أنا”. إنّ الموضوع الذي يتردّد في أعمالها ليس موضوع الهويات المجزّأة، تقول، وإنّما “استلاب الناس. وهذا هو الخيط الخفي الذي يصنع مسكةَ كتابها الأخير”: نحن في المقام الأوّل وحيدون. ونختبر جميع تلك اللحظات التي ننفصل فيها عن الواقع. وعندئذ فقط نكون حقاً أنفسنا”. يقول أحدنا إننا أيضاً كائنات اجتماعية. توافق. “طبعاً، الانفصال عن الواقع في عالمنا هذا أصبح أمراً خطيراً”. وتذكر مساوئ الكومبيوتر والعالم الافتراضي الذي يستنفد الرابط الجسديّ. غير أنّها تصرّ على رأيها. فهي نفسها تشعر بـ “حاجة ماسّة” وجودية، إلى العزلة.
لِمَ شُغِفَ الأميركيون إلى هذا الحدّ بشخصيّات قصصها الغريبة بعض الشيء عن عالمهم ؟ ألأنهم يرون فيها بعداً يتخطّى بما لا يُقاس هويّتهم الأتنية والثقافية وحدها ؟ تقول إنّها لا تدري. جُلّ ما في الأمر هو أن القصص تأتيها من تلقائها. وهي لا تسعى وراء العمق بأي ثمن. أو الأحرى، لا تفكّر في هذا العمق كثيراً. ولا تفعل في حقيقة الأمر إلاّ أن “تقشّر الثمرة”. وتحت أرقّ القشور يكون المُكونُ والطعم والرائحة مختلفة. إلى ذلك تقول إنّها لا تعنى كثيراً بالكوني الجامع. “أؤثر التركيز على المتعين الخاص. بروست يحتاج إلى المادلين. فانبعاث الماضي يحتاج على الدوام إلى استذكار تفصيل صغير”. والماضي في نظرها هو حاضرٌ أبداً.
إنّ التفصيل الذي يبقى عصياً على الإدراك في الكائنات التي تصورها يكمن في هوياتهم المأزومة. وتقول هويات في صيغة الجمع لأنّها ترى أن “الهوية الواحدة غير موجودة لدى أيّ كان”. ومن يتشبّث بها خشيةَ فَقْدِ الذات إنّما يسعى وراء سراب، أمّا المدركون لهذه الحقيقة فيعانون من تشظّيهم الخاص، لأنّه أمر ليس من اليسير التعايش معه. “نحن نعيش حيواتٍ مصدّعة وغير مكتملة. ومن الصعب ان يبلغ المرء قدراً كافياً من صفاء السريرة حيال تناقضاته الخاصّة”. وبرأيها، معظم الناس يحتاجون إلى الشعور بالانتماء إلى شيء ما أكبر منهم. “وترسيخ الجذور في مكان ما قد يساعد بالتأكيد في أن يعيش المرء حياته، غير أنّه قد يكون أمراً بالغ الخطورة”.
إنّ النزعة “الجوهريّة”، وعبادة الجذور، والقناعات الثقافية الراسخة وفكرة ثبات الكائنات والأشياء، تبدو في عينيها هي الخطر المحدق أكثر من سواه. فهذه كلّها تؤدي إلى النزوع القومي وإلى العنصرية، وتولّد أشد النزاعات جنوناً. وترى أن رؤية الأمور من زاوية نظر صموئيل هنتنغتون كما بيّنها في “صدام الحضارات” لهي رؤية مرعبة. ولكن ما رؤيتها، هي ؟ ككثير من الشخصيات التي ابتكرتها على الورق كان لوالديها فكرة واضحة عمّا ينبغي أن تكون عليه هويتها: مهاجرة هندية، تحترم التقاليد. ولكن المجتمع الأميركي المحيط بها كانت له توقّعاته أيضاً بشأنها. فلم تنخرط في أي من هذه الخطط المتعارضة. “فانكفأت إلى عالم الأدب. ورحت أكتب عن مسائل الهوية هذه لكي تكفّ عن إثارة قلقي”.
هي الحائزة على الإجازة في الأدب المقارن من جامعة بوسطن ودبلوم في دراسات عصر النهضة، لم تعرف ما يدعو إلى النشوة أو إلى السأم والألم أكثر من الكتابة. درست الكتابة الإبداعية في المؤسسة نفسها لسنتين قبل أن تكرّس وقتها كلّه لنشاطها كمؤلّفة.(…) وتقر بأنّها تعمل وملؤها الشعور بأنّها “ممسوسة”.
نهايات قصصها تبدو في الغالب مفاجئة. “أتوقّف عن الكتابة عندما أشعر بأن ليس لدي ما أضيفه. فبتجاوزنا خطاً معيّناً تصبح الكتابة تعذيباً. لا نجد في أعمالها ذكراً لعبارة “التعدّد الثقافي”، التي ليست برأيها سوى اختراع حديث العهد، ومصطلح مفرط في سهولته لوصف الحقائق المتعدّدة والمعقّدة. إنّها لا تسعى وراء التفسير. فبأسلوب خالٍ من التفاصُح، تسردُ لا أكثر ولا أقلّ. ففي هذا وحده ما يكفي من المشقّات. “عندما أعاود قراءة نصوصي في وقت لاحق، أرى أخطائي، ما كان ينبغي لي أن أكتبه على نحو مختلف. فأنا كروائية ما زال أمامي الكثير لكي أتعلّمه.”
وماذا عن أميركا ؟ تعشقها وتمقت أموراً كثيرة فيها. “إنّه بلد مكيِّف على نحو عجيب. وفيه حرية هائلة للابتكار والاكتشاف” وفي الوقت نفسه سكّان هذا البلد يثيرون قلقها. “ما يفزعني أكثر من غيره هو انعزال الأميركيين: 95 في المئة منهم لم يعبروا الحدود في حياتهم ويعتقدون أنّهم العالم. وعمّا إذا كانت كلمة “وطن” تكتسب معنى ما في نظرها، تقول إنّها لم تجد هذا الوطن في أميركا نفسها وإنما في نيويورك، “فهي المكان الوحيد الذي أشعر فيه بأنني في دياري. مدينة تبتلعك لأنّها غير مبالية. أعشق المدن. غير أن قوة نيويورك تكمن في أن تكون جديدة، لا مثل المدن الأوروبية المثقلة بالتاريخ.”
الكاتبة الأميركية البنغالة الأصل متزوجة من صحافي ذي أصول يونانية وغواتيمالية. ولكن ماذا بشأن ولديهما، أوكتافيو ونور، فما هي أصولهما ؟ يسأل الذين ولِدوا في “مكان ما” على غرارِ ما قالته أغنية براسنز الشهيرة. إنّهما ابنا يومنا هذا.
عن صحيفة “لوموند” اليومية الفرنسيّة في عددها الصادر في 17 ـ 18 آب 008.2
المستقبل
جومبا لاهيري في ‘ارض خصبة’: مسارات المهاجرين… هنود واقدارهم الامريكية توزع وولادة في ارض غريبة
ابراهيم درويش
تكتب الكاتبة الامريكية من اصل بنغالي ـ هندي جومبا لاهيرى عن تجربة الهجرة ومعنى ان تكون امريكية من اصل بنغالي. وباختلاف تنوعات القصة ومحدداتها فتجربة الهجرة واحدة، وفي كتبها الثلاثة ‘مفسر العلل’ (1999) و ‘سميّ’ (2003) و ‘تراب خصب’ (2008) تحضر قصة الهجرة في تنوعاتها العائلية والوطنية، تجربة الاقتلاع والجذور، اشكالية الهوية، الغربة والعودة للوطن وصورته، الرحيل الدائم. تصف لاهيري نفسها وقومها من البنغاليين المهاجرين في امريكا بانهم ‘مقطوعين من شجرة’ وان جذورهم مغروسة في مواد مغذية ‘هيدروبونيك’ لا قاعدة لها لكل تتشبث بها. كتابها الاخير، دخل قوائم الكتب الاكثر مبيعا في امريكا، وحكاياتها عن دنيا المهاجرين وعوالمهم امسكت بالامريكيين القادمين كلهم من اصول مهاجرة. وكان كتابها الاول ‘مفسر العلل’ قد حاز على جائزة بوليتزر الادبية الرفيعة، فيما تمت معالجة روايتها الثانية ‘سمي’ سينمائيا واخرجته الهندية المعروفة ميرا نير. وتعتبر لاهيري واحدة من الاصوات الروائية الجديدة ‘الاثنية’ في امريكا التي انشغلت بتجربة الاقتلاع والرحيل. وبحسب قائمة مجلة ‘غرانتا’ للاصوات الروائية الجديدة في امريكا فان ثلثيها ينتمون لعائلات وصلت امريكا عبر البحر، اي مهاجرة، وجاءت اليها كما تقول لاهيري من شاطئ آخر. فبطلي ‘مفسر العلل’ و ‘سميّ’ هاجرا الى امريكا من كلكتا، وموضوعهما يتركز على فكرة الرحيل واثره على الابناء، وفي المجموعة الجديدة من قصصها ‘تراب خصب’ تبدو لاهيري منشغلة بأثر الهجرة على الاجيال الجديدة التي ولدت هناك. وفي القصص التي تشكل العمل الجديد تركز لاهيري على استكشاف اثر قرار الاباء الانتقال من اوطانهم (الهند هنا) على الابناء، والسمات الرئيسية في القصص هي التعليم، الزواج المشترك، والمرتب والولاء والتمرد، ولكن التعليم يظل العامل وراء قرار شخصيات لاهيري ‘النخبوية’ الاستقرار في امريكا. في قصة ‘الاحسن فقط’ تثير القصة جدلية العلاقة بين الاب والام والاولاد، البنت الناجحة في دراستها وعلاقة الام التفضيلية مع الابن الذي يضيع فرصة التعليم في جامعة مهمة مثل هارفارد (هنا كل عائلات المهاجرين المتعلمة تطمح بادخال ابنائها لجامعات النخبة) ويدمن على الخمور ولا تفلح محاولات الاخت اقناع اخيها العودة لرشده وتقرر بعد ذلك السفر للندن لاكمال دراستها وهناك تتعرف على انكليزي تتزوجه لتتبعد عن جو العائلة المضطرب، وقرارها الاستقرار في لندن يؤكد تشتت العائلة على الرغم من ان البنت كانت مطيعة وعملت طوال حياتها على ارضاء والديها. ولكن في القصة فكرة اخرى تشير الى نفاق الطاعة فالبنت تطيع الاب والام ولكنها تخفي وراء هذه الطاعة حبا واعجابا بالحياة الامريكية وطريقتها. ولا يملك قارئ قصص لاهيري الا ويربط بينها وبين كاتبتها من ناحية تنوع التجربة، فهي في قصة ‘الاحسن فقط’، ولدت في لندن ووالدها درس هناك وبعد فترة قصيرة للعمل في الهند انتقلت العائلة للولايات المتحدة الامريكية. ومن هنا فابطالها تشكل تجربة عدم الاستقرار والرحيل المستمر او كما تسميها ‘هيدربونك’ لا جذور لها كي يمسكوا بها. وعليه فان طفولة كاتبتنا وطفولة ابطالها موزعة، مشتتة وملئية بالقتامة والحزن، فعلى خلاف الاباء القادمين من ارض هوية ثابتة فالابناء يجدون انفسهم محلا للتنازع بين هويتين، اختيار اي منهما يثير مشاكل ومصاعب على صعيد التركيب النفسي والاجتماعي، ويظل هذا التوزع مصدرا لعدم السعادة والاحباط، وهي تعترف في عدد من المقابلات الصحافية انه حتى زواجها واستقرارها في نيويورك لم تكن تعرف لها ارض هوية ثابتة، فهي تقول انها عندما تعود الى نيوانغلاد تشعر بحس العودة، لانه المكان الذي نشأت فيه.
الجزء الثاني من كتابها ‘هيما وكاوشيك’ يتكون من ثلاث قصص متداخلة تتبع مسار حياة عائلة بنغالية تصل لامريكا وتعيش مع عائلة اخرى، وتتبع القصص حياة فتاة ومساراتها ومسار حياة ولد آخر يعيشان وجودا غير معلم قبل ان يلتقيان في الجزء الاخير من القصة. في القصة الاولى ‘ارض خصبة’ من هذا العمل، والد ترمل حديثا ذهب لزيارة ابنته التي استقرت في سياتل مع زوجها الامريكي، ومع ان القصة تظهر في ثناياها علاقة اب مع زوجة ماتت كانت رتيبة وبلا حب، والاب يحاول تعويض ما فاته وهو في الستينات من عمره بعلاقة مع ارملة اخرى ترافقه في سياحاته الا ان الزيارة لابنته لم تكن محاولة لجس نبض الابنة كي تدعوه للبقاء معها، بل لتحذيرها بان لا تقع في نفس الحياة التي وقعت فيها الام حيث اصبحت ربة بيت تعيش رتابة اليوم تطبخ وتبحث عن اصدقاء خارج صرامة الاب المشغول في يومه وعمله. تقول لاهيري ان قصصها تبدأ بطرق مختلفة، احيانا من فكرة صغيرة لا تفهمها وفي احيان اخرى تبدأ من فكرة واضحة عن المكان والشخصية والمزاح والمواجهة، وهي لا تتبع اية نظرية او شكل ادبي معين. وتقول ان ما يميز هذا الكتاب هو: كتابة كتاب برؤية مشتركة. وهي تكتب احيانا من وجهة نظر الانثى واحيانا اخرى من وجهة نظر الذكر مع انها تعترف ان الكتابة من وجهة نظر الذكر اسهل لانها تخرج من نفسها وتتحرر من انوثتها، وهي تستمتع بتجربة حيوات مختلفة. بدأت بالكتابة في وقت مبكر من حياتها لكنها لم تتعامل مع ما تكتب الا عندما وصلت مرحلة العشرين من عمرها. وتصف تحولها للكتابة بانها مخيفة وصحوة فنية مترددة، فبعد دراستها الكتابة الابداعية في جامعة بوسطن حيث اجبرت على الكتابة نظرا لطبيعة الدراسة. وجاء نجاحها الادبي المبكرـ غير المتوقع مفاجأة لها، فليس من المتعارف عليه ان تنال مجموعة من القصص، هي الاولى لكاتبتها جائزة ادبية رفيعة. الاحتفاء بكتابتها في امريكا لم يماثله احتفاء اخر في الهند فقد تساءل عدد من المراجعين لكتبها كانوا قساة وتساءلوا قائلين ماذا تعرف الكاتبة عن الهند، فهي مخلوقة امريكية، فيما اتهمها اخرون بتشويه صورة الهنود لانها صورت الهنود كشخصيات كئيبة وغير سعيدة. ما يميز كتابة لاهيري هو فهمها وحساسيتها لطبيعة العلاقات الانسانية المتحركة، وتفصيلها للعواطف الانسانية في قصة ‘ لا دخل لاحد’ مثلا يتابع القارئ مسار علاقة مصري وامريكي ومآلات الحب المزيف ـ سانغيتاـ فاروق وبول، والوحدة المفروضة على بول الذي يجد في ملله من القراءة والتحضير لامتحاناته تعويضه في التلصص على حياة سانغيتا الخاصة وحبها ثم الكشف عن هذا الخداع. القارئ لقصص لاهيري يطمح في البداية لمتابعة خط روائي واحد لكن الخط ينكسر مع نهاية الفصل الاول او القصة الاولى التي اعطت المجموعة القصصية اسمها ‘ارض غير اليفة’ فمع رحيل الاب الذي يترك وراءه ابنته ‘روما’ مع ابنها اكاش وزوجها ادم في سياتل ليواصل حريته الجديدة وحياته الخاصة مع صديقته التي عثر عليها في سن متأخرة جراء رحلاته، نبحث في القصة الثانية عن تواصل للخيط الروائي في الفصل الثاني ‘نار- جنة’ عن علاقة برناب تشاروباتي ‘ كاوكو’ مع عائلة راوية القصة وتجليات حياة الطالب الهندي، القادم لامريكا للدراسة، يقع في حب امريكا وحياتها، يهمل دراسته يجد في عائلة صديقه الهندية تعويضا عن حياته التي فقدها في الهند، الطعام، اللغة، ودفء العائلة دون ان يتخلى عن حياته الاخرى الامريكية وعلاقاته مع بناتها. كاكو ليس ‘ اكش’ في القصة الافتتاحية من ناحية السرد ـ مواصلة لقصة روماـ ادم لكنها موضوعيا تواصل استكشاف ازمة المهاجرين الموزعين بين عالمين او اكثر ويبحثون عن تجذر في عالم خاص لكنهم لا يجدون مفرا من العودة لاصولهم او التشبث بها اما لعزلتهم وهامشيتهم او لشعورهم بعقدة الذنب مع معرفتهم انهم لا يمتون لهذا العالم او ذلك انهم كما يشير الاقتباس الذي تقدمه لاهيري في بداية كتابها من لنانثانيل هاوثورن الذي يقول فيه ان الطبيعة الانسانية لا تختلف كثيرا عن حبة بطاطا تزرع او يعاد زراعتها لزمن طويل في نفس التربة فانها لن تزهر. ويشير الى ان اطفاله المولودين في اكثر من مكان يمكن ان يزهروا او تزهر طبيعتهم في ارض جديدة. في القصة الثالثة ‘ مسألة اختيار سكن’ عن اميت وميغان، زواج مختلط، يذهب الزوج والزوجة الى حفل زفاف لصديق قديم، يعقد في مدرسة داخلية درس فيها الزوج وتكون الرحلة الاولى التي يذهبان بها نظرا لطبيعة عمل الزوجة لاستعادة حياة الزوج في المدرسة الداخلية والعودة لجذور عائلته التي رحلت من الهند للسعودية وامريكا، والتقاليد الصارمة في تلك المدرسة، ثم بحث الزوجة عن ماض لزوجها مع نساء اخريات اما حسدا او غيرة. في ‘فقط الاحسن’ عن علاقة اشكالية بين سودهاـ البنت المطيعة وراهول الابن المتمرد، ومشكلة الادمان على الخمر مع ان سودها هي من عودت الاخ على الشراب الذي دمر حياته الاكاديمية مما خيب امل العائلة ، وكان سببا في شعور العائلة بالخجل من ان الابن كان مثار خجل امام مجتمع هندي اولاده ناجحون ومبرزون. في القصة الاخيرة من القسم الاول ‘لا دخل لاحد’ عن سانغيتا، التي تعمل في مكتبة وتقيم علاقة مع محاضر مصري اسمه فاروق وتسكن في شقة مع امريكي اسمه بول واخرى تدعى هيذر. وتكتشف خيانة فاروق لها، لكن القصة ليست عن علاقة سانغ مع فاروق ولكن عن حب خفي من بول لها يقوده للتدخل والتلصص على حياتها. قصص القسم الاول طويلة، ولكنها متماسكة موضوعيا عبر سلسلة من الاهتمامات التي تشغل بال وقلوب الشخوص الذين يسكنون فيها. فعبر سرد سهل متعدد الفضاءات والاشكال تقدم لاهيري المهاجرين، وان لم يكن كلهم، تعليمهم، توزعهم بين اوطان مختلفة، عاداتهم، وما يطبع هذه القصص انها بدون خلافات، وان كانت فلا تطفو على سطح السرد، وفي معظم الاحيان يصل السرد توتره، لكنه يتلاشى ويشير لنهاية مقنعة ولكنها غير متوقعة، في قصة ‘مسألة اختيار سكن’ تقدم الكاتبة كل عناصر التوتر والاثارة وتزرع كل اسباب الانفصال وانهيار بيت الزوجية بين ميغان واميت، لكن النهاية تشي بحس القوة والتوحد. ويبدو ان هدف لاهيري في قصصها عن المنفى ليس خلق نهايات متوترة او سعيدة ولكن الكشف عن عناصر التناقض والهشاشة في العلاقة بين الآباء والابناء والاصدقاء من الجيلين الاول والثاني. ومع ان سردها عادي الا انها تزرع في القصة بذور المصادفة التي تقود الى اللقاء ثم الانفصال، وهناك نهايات متوقعة منذ البداية كما في قصة ‘ جهنم ـ جنة’ فزواج كاكو من ديبورا الامريكية ونهاية علاقته مع عائلة صديقة. وفي هذا السياق فاللوم لا يقع على ديبورا التي تمسكت بالزواج حتى النهاية ولكن كاكو الذي استبدلها باخرى هندية. فالهندي الذي يختار الحياة على الطريقة الامريكية لا يتخلى عن حنينه لاصوله الهندية. اما بالنسبة للجيل الثاني فهو على الرغم من تمرده على تقاليد العائلة سرعان ما يقع في اسر التقاليد، هنا في قصص لاهيري، بنات من اصول هندية يقمن علاقات مع امريكيين بيض وغير بيض لكنهن في النهاية يقعن في اسر الزواج المرتب. لكن التسليم والاستسلام لتقاليد العائلة والاصول الهندية، لا يخفي تمردا وغضبا، فهناك دائما في قصص لاهيري سببا او اسبابا بسيطة مخفية تقف وراء التمرد، راهول المدمن على الكحول الذي جاء لزيارة اخته في لندن، بعد ان اختارت المدينة وتزوجت من انكليزي، لم يكن قادرا على التخلص من ثقل الماضي وفشله رغم اعلانه توبته عن الشراب، وتكاد رحلة سادهو مع زوجها روجر للسينما بعد ان تركا ابنهما نيل مع راحول، تدمر كيان الزوجية ـ خاصة ان راهول الذي تاب عن الشراب، عاد له ونام بعد ان شرب وترك الولد الصغير في الحمام وحيدا حتى عودتهما، وكان الحادث يعني القطيعة بين الاخ والاخت. نفس المشهد سيتكرر في النصف الثاني من الكتاب في قصة ‘هيما وكاشوك’. تنشغل الكاتبة في قصصها بالبحث عن الاختيارات المفروضة على الاجيال والاقدار التي يختارونها، مسارات حياتهم التي تتلاقى في لحظات ثم تفترق، الاب وابنته في ‘تراب خصب’، وفي ‘الاحسن فقط’.
يشكل القسم الثاني مشروع رواية قصيرة ففي فصولها الثلاثة ‘مرة في العمر’، ‘نهاية عام’، ‘الرحيل بعيدا’ تتلاقى الفصول هذه لكي تقدم حكاية عن عائلة هاجرت للهند بعد قضاء فترة في امريكا ولكنها قررت العودة، السبب انها لم تستطع التأقلم كثيرا، ولانها تبحث عن شراء بيت فقد اتصلت بعائلة صديقة كي تسكن معها ريثما تشتري بيتا، وعندما تصل العائلة من الهند، اب وام وولد اسمه كاوشاك، تتغير حياة العائلة المضيفة ويضطرب روتينها، وان لم يتغير الكثير في طبيعة العلاقة بين الاباء الا ان العلاقة بين هيما، الابنة الوحيدة للعائلة المضيفة وكاوشاك تظل محايدة ومتحفظة فباستثناء الاحاديث البسيطة واللقاءات العابرة بين الصبي والصبية تظل بلا حميمية. في الحقيقة تجد البنت هيما في ام الولد صديقة وكاتمة لاسرار الام التي تدخن، تعرف هيما فيما بعد من كاوشاك ان عودة العائلة من الهند لامريكا لا علاقة له بعمل الوالد ولكن لان الام مريضة بسرطان الثدي. والسبب المعلن ما هو الا تغطية للمرض. الى هنا توفق العائلة القادمة بالعثور على بيت وتنتقل، تموت الام فيما بعد ـ يكبر الولد ويذهب لمدرسة داخلية وكلية، اما الاب الذي يستسلم لقدره يقرر الزواج من هندية تصغره بعشرين عاما وارملة سابقة، يحضرها مع ابنتيها ويستسمح ابنه من استخدام غرفته. عندما يحضر الابن لزيارة الاب في عطلة عيد الميلاد، يشعر بالغربة امام الواقع الجديد، مع ان كاوشاك يرتبط مع الاب وزوجته الجديدة برباط خاص الا انه يجد صعوبة بتقبل الوضع ومحاولاته لتوثيق الصلة مع ابنتي الزوجة الجديدة تسهم في بناء جسر من العلاقة الجميلة، لكنها تتكسر عندما يكتشف ان القادمتين، كانتا تعبثان بصور والدته التي اغلق والده عليها في صندوق احذية قديم، بالنسبة لكاوشاك ففعل الصغيرتين جريمة، ومن هنا تركهما في بيت موحش، فيما كان الاب وزوجته الجديدة في حفلة. غضب الابن كان بداية رحلة استكشاف للعالم وقطيعة مع الاب. يسافر كاوشاك حول العالم ويصبح مصورا صحافيا. وينتهي به المطاف في روما بعد ان غطى الانتفاضة الثانية وصور المخيمات في غزة والضفة. اما هيما فقد انهت دراستها العليا في الدراسات الكلاسيكية القديمة وقررت قبل زواجها من نيفين، الانتقال لروما والاقامة في شقة صديق ايطالي لها. كاوشاك وهيما يتقابلان في دعوة غداء لصديق يكتشفان انه مشترك لهما، وفي روما يبدآن قصة حب تنتهي عندما يطلب كاوشاك منها البقاء معه والرحيل الى هونغ كونغ مركز عمله الجديد. لكنها ترفض وتقرر خيارها في الزوج الهندي التقليدي. يفترقان في روما وفي طريقه لجنوب شرق اسيا يتوقف كاوشاك في تايلاند لقضاء عطلة عيد الميلاد في فوكيت، احد منتجعات تايلاند الجميلة، وهنا يحدث تسونامي ويجرف معه كاوشاك الذي كان احب هيما لانها كانت تذكره بماضيه وتاريخ عائلته، بالنسبة للاخيرة فتزوجت من رجلها الهندي لكنها خسرت روحها التي وجدتها وتركتها في روما. في هيما وكاوشاك تكتب لاهيري من منظورين مرة من منظور ‘هيما’ واخرى من منظور ‘كاوشاك. في هذه الرواية القصيرة داخل مجموعة القصص القصيرة تظهر مسارات واقدار البشر، دائما هناك انحراف وتحول نحو شيء قدري، وكأن البشر يلتقون ويفترقون لان اقدارهم تفرض عليهم لقاءات لا يخططون لها لكنهم يلتقون على منعطف الطريق يتحادثون يمضون ولا يدرون انهم قد يعودون ويتقابلون مرة اخرى. ما يثير هنا ان ابطال وشخوص لاهيري مثفقون ويمثلون عينة نخبوية من المهاجرين، الذين لا يجدون حرجا في العيش بين الحبال، لكن ابناءهم هم الذين يعانون من العزلة والتشرد والنفي. ما يميز كتابة لاهيري انها تكتب عن الاشياء البسيطة والحياة اليومية لابطالها وهناك تشابه بين شخصياتها وطموحاتهم التعليمية. واللافت ان معظم ابطالها كلهم من كلكتا وبومبي في الهند كانوا قد مروا بلندن في طريقهم لامريكا.
لا تكتب لاهيري عن حياة اناس مختلفين ولكنها ترسم معالم حياة اناس عاديين لقارئ لا يعرف شيئا عن الهند حيث تقول انها عندما كانت تكبر في سبعينات القرن الماضي كان الامريكيين يتعاملون معها وكأن الهند بلد في القمر. ومع ذلك تظل كاتبة مغروسة في الثقافة والسياق الامريكي. كان والد الكاتبة قد ترك الهند للدراسة في لندن، حيث عمل في مكتبة مدرسة لندن للاقتصاد، وفي لندن ولدت ‘نيلانجانا سوديشانا لاهيري’ جومبا هو الاسم الذي اختاره اساتذتها الامريكيين لسهولته’ عام 1967 وانتقلت العائلة بعد ولادتها بفترة لامريكا حيث حصل والدها على عمل في معهد ماساشيتس للتكنولوجيا ‘ام اي تي’. في عام 1970 انتقل والدها للعمل في جامعة رود ايلاند حيث لا يزال. درست في مدرسة خاصة الادب الانكليزي (بيرنارد) وحصلت على ثلاث شهادات ماجستير في الادب الانكليزي من جامعة بوسطن وحصلت على درجة الدكتوراة في ادب النهضة عام 1997.
كاتب من اسرة ‘القدس العربي’
القدس العربي
جومبا لاهيري
جومبا لاهيري كاتبة أمريكية هندية الأصل. ولِدتْ في لندن عام 1967 وترعرعت بولاية رود آيلند الأمريكية. حصلت على ليسانس الأدب الإنجليزي من كلية برنارد. أكملت دراساتها العليا بجامعة بوسطن حيث نالت الماجستير في اللغة الإنجليزية والماجستير في الكتابة الإبداعية والماجستير في الأدب المقارن كما حصلت على الدكتوراه في دراسات عصر النهضة الأوروبية.
درّست الكتابة الإبداعية بجامعة بوسطن وبمدرسة رود آيلند للتصميم. فازت لاهيري بمنحة جوجنهايم عام 2002.
تعيش لاهيري حالياً بمدينة نيويورك مع زوجها وابنها.
نشرت لاهيري مجموعة قصصية تحت عنوان مترجم الأمراض عام 1999. تُرجمت تلك المجموعة إلى 29 لغة ونالت جائزة مجلة ذا نيو يوركر للاستهلال البارز للنشاط الأدبي وجائزة بوليتسر عام 2000 وجائزة بن/هيمنجواي وجائزة أديسون م. ميتكاف من الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب كما رُشحت لجائزة لوس أنجلوس تايمز لأفضل كتاب.
أعدت مجلة ذا نيو يوركر في 21 يونيه 1999 قائمة تتوقع أفضل عشرين مؤلِفاً خلال القرن الواحد والعشرين وكانت لاهيري من بينهم.
نشرت لاهيري أول رواية لها عام 2003 بعنوان السَمِيّ. رشحت الرواية عام 2004 لجائزة أورانج للأدب المقدَمة من مؤسسة بوكتراست الخيرية. الرواية متاحة على قرص مضغوط بصوت ساريتا شودوري.
للاستماع إلى جزء من رواية السَمِيّ، الرجاء الضغط على الرابط التالي:
http://www.randomhouse.com/catalog/display.pperl?isbn=9780739341360
تحولت رواية السَمِيّ إلى فيلم عام 2006 من إخراج الهندية ميرا نير.
نشرت لاهيري مجموعتها القصصية أرض غير مألوفة في إبريل 2008. نالت المجموعة جائزة فلانيري أوكونر في مستهل يوليو من عام 2008. ظهرت المجموعة على قرص مضغوط في إبريل 2008 بصوت ساريتا شودوري وأجاي نايدو.
للاستماع إلى جزء من أرض غير مألوفة، الرجاء الضغط على الرابط التالي:
http://www.randomhouse.com/catalog/display.pperl?isbn=9780739341797
نُشرت قصة “القارة الثالثة والأخيرة” لأول مرة عام 1999 بمجلة ذا نيو يوركر كما صدرت ضمن المجموعة القصصية مترجم الأمراض عام 1999 وكتاب أفضل القصص القصيرة الأمريكية 2000 وكتاب القصة القصيرة الأمريكية المعاصرة في أكتوبر 2003.
تقول لاهيري عن قصة “القارة الثالثة والأخيرة”: “يتسم أبي بالتحفظ إلا أني كنت أسمعه طيلة حياتي يروي قصة واحدة بنزعة درامية جلية: قصة تصف حياته في مدينة كامبردج بولاية ماسيتشوسيتس في صيف 1969 في بيت امرأة بلغتْ من العمر مائة وثلاث سنوات. عندما يحكي أبي هذه القصة، يحرص دوماً على تقليد المرأة مستهلاً كل جملة من جملها بـ “يا ولد” لدرجة أن أسرتي جعلتْ تشير إلى السيدة نفسها بالولد. في عام 1997 زارني أبي بمركز الفنون الجميلة ببلدة بروفينستاون وسرد قصة الولد بحفلة عشاء صغيرة أقمتها له. سرعان ما طفقتُ بعدها أعمل على وصف تخيلي لتصوراتي حول طبيعة تلك الفترة من حياته. وأنا لفي ذلك، بدلتُ تفاصيل عديدة من الأحداث الفعلية. كان أبي على سبيل المثال عام 1969 قد تزوج بالفعل من أمي قبلها بثلاثة أعوام ولديهما ابنة في الثانية (أنا)؛ كنا، أنا وأمي، نزور الهند ذلك الصيف ثم انضممنا إلى أبي في أغسطس. ونتيجة لذلك كان لزاماً عليّ ألا أكتب عن شخصي بالمشهد الأخير من القصة ذلك لأنه حينما صرحتْ صاحبة المنزل بأن أمي “سيدة كاملة،” كنت أيضاً حاضرة بالغرفة. لم تع ذاكرتي بطبيعة الحال تلك الزيارة أو تلك الفترة بوجه عام.”
“وددت أن أفاجئ أبي بالقصة لذا لجأتُ إلى المكتبة للقيام ببحثي عوضاً عنه (سوف يقدّر أبي هذا لأنه هو نفسه أمين مكتبة). يخالجني الامتنان لمكتبة بروفينستاون التي حصلتْ بناء على طلبي على نسخ من صفحات جريدة البوسطون جلوب من 20 يوليو 1969، وهو يوم هبوط سفينة الفضاء أبوللو II على القمر. جاهدتُ لمدة ستة شهور لصياغة القصة فخرجتُ بسلسلة من المسودات الفاشلة. ثم حدث أن قصد أبي في مايو 1998 مدينة سانت بيترسبرج بروسيا لقضاء خمسة شهور للعمل في إحدى المكتبات. تولاني القلق عليه وهو بعيد عن بيته وأسرته، فقد كان وحده في بلد أجنبي بعد سنوات عديدة من الاستقرار. في الوقت نفسه انتشيت طرباً من أجله، إذ كان حلم عمر أبي أن يزور روسيا. وهكذا تنازعني مزيج من تلك المشاعر التي مكنتني في النهاية من سرد قصة مجيء أبي إلى أمريكا منذ حوالي ثلاثين سنة.”
القارة الثالثة والأخيرة
http://www.randomhouse.com/author/results.pperl?authorid=55114&view=full_sptlght
اعداد صفحات سورية