صفحات سورية

رهان سوري صعب

null
ساطع نور الدين
لعلها واحدة من اكبر المغامرات السياسية التي يخوضها الرئيس السوري بشار الاسد منذ وصوله الى السلطة قبل ثماني سنوات، والتي يمكن ان تجعل من سوريا واحدة من اقوى دول الشرق الاوسط، واكثرها امانا واستقرارا، كما يمكن ان تعرضها لمخاطر لم يسبق لها في تاريخها الحديث.
في زيارته امس الى موسكو حيث التقى كبار المسؤولين الروس، وفي حديثه المدوي الى الصحافة الروسية، اعلن الرئيس الاسد من دون تحفظ، انه شريك روسيا في نصرها العسكري الخاطف على جورجيا، وعرض على الكرملين اقامة قواعد صواريخ روسية داخل الاراضي السورية للرد على نظام الدرع الصاروخية الذي شرعت اميركا في نشره في بولندا وتشيكيا.. وربما لاحقا في الاراضي الجورجية نفسها، في انتهاك اميركي صريح لمعاهدات الحد من التسلح الموروثة من الحقبة السوفياتية، وفي استفزاز غير مبرر لورثة تلك الحقبة الذين لا يدينون لها بالكثير من الولاء.
خطوة الاسد هي محاولة طبيعية للبحث عن عناصر قوة جديدة لسوريا التي تواجه تحديات استثنائية في ادارة علاقاتها المضطربة مع الغرب، لا سيما مع اميركا، وهي تحديات مرشحة للازدياد عندما تستقر التجربة الاميركية في العراق وتبدأ في التوجه غربا نحو الحدود السورية، كما هو مخطط من جانب الاميركيين.. الذين كانوا وما زالوا يتهيبون التوجه نحو الشرق والدخول في حرب مع ايران.
الخطوة السورية لا تأتي من فراغ، ولا تمثل انعطافة حادة من قبل دمشق التي طالما اقامت علاقات وثيقة مع الكرملين، السوفياتي والروسي، ساهمت في مراحل عديدة سابقة في تحقيق قدر من التوازن مع الحضور الغربي الواسع في الشرق الاوسط، لكنها ظلت محكومة بتسليم موسكو المسبق بعدم القدرة او حتى الرغبة في منافسة الغرب في واحدة من اهم مناطق نفوذه العالمي.
رهان الاسد الحالي، يشبه الكثير من رهانات والده الراحل حافظ الاسد، على حاجة روسيا اليوم، بعد ان قررت التصدي لحملة غربية تمس عقر دارها، الى توسيع خطوطها الدفاعية، وربما ايضا نقل المعركة في مرحلة لاحقة من حدودها المباشرة الى حدود الخصم، والبحث عن الحلفاء التاريخيين الذين كانوا الى حد ما طرفا في المواجهة القديمة بين الشرق السوفياتي والغرب، في مختلف انحاء العالم.
مثل هذا الرهان يفترض سلفا ان روسيا تمتلك بالفعل مشروعا امبراطوريا جديدا يهدف الى تحدي الغرب ومنافسته على مناطق الانتشار والنفوذ العالميين، وهو امر مستبعد نظرا لطبيعة النظام الروسي وامكاناته وافكاره السياسية التي تدفعه الى طلب الشراكة مع الغرب، من موقع الند طبعا.. كما انه امر مستحيل فعلا ان تختار روسيا الشرق الاوسط بالذات ليكون احدى ساحات المواجهة الهادفة الى فرض احترام روسيا وحدودها على الغربيين. واكبر برهان هو ايران التي لا تزال موسكو تناهض مشروعها النووي وتخشاه اكثر بكثير من الاميركيين انفسهم.
الثابت حتى الآن، هو ان سوريا وضعت نفسها وسط صراع حاد بين دول عظمى، يختلف عن كل الصراعات السابقة، ويجعل التهكن في فرص الربح او الخسارة صعبا جدا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى