مراسلون تحت الطلب
ابراهيم حاج عبدي
في حمى الثورة الفضائية، وفي ظل التنافس القائم بين الفضائيات لأجل العثور على المعلومة الطازجة، والخبر «البكر»، لجأت الفضائيات إلى تعيين مراسلين لها في مختلف العواصم بغرض اقتناص الأخبار والمعلومات، وتغطية الوقائع في هذا البلد أو ذاك. بل أن معيار نجاح هذه الفضائية أو تلك يقاس، أحياناً، بمدى توسع شبكة مراسليها.
وإذا كان في وسع هذه الفضائية أو تلك أن تحصل على الخبر من طريق وكالات الأنباء أو مواقع الانترنت، كما يفعل بعض الفضائيات المتواضعة، ذات الإمكانيات المادية الضئيلة، فإن الفضائيات التي تسعى إلى التميز، لا ترضى بهذا الأسلوب، بل تعين مراسلين لها كي تحصل على أخبار وتقارير تحمل في ثناياها وجهة نظر من يصوغها، أي المراسل الذي لا يستطيع، بدوره، أن يجتهد إلا في حدود السياسات التي وضعتها له الفضائية التي أرسلته.
وإذا كانت البدايات موفقة إلى حد ما، بمعنى أن المراسل كان يقوم بتغطية الحدث من هذه العاصمة أو تلك على نحو مهني، ومحايد، غير أن هذه البدايات لم تدم كثيراً، إذ تنبهت الحكومات، خصوصاً في البلاد العربية، إلى أن هؤلاء المراسلين المعتمدين يعكرون صفو انجازاتهم وانتصاراتهم(!)، ويسلطون الضوء على زوايا معتمة، ويفتحون ملفات شائكة يُسكت عنها في بلادهم. هنا استنفرت وزارات الإعلام العربية لتبعد هذا المراسل، وتسجن ذاك، وتحذر وتنذر… ولأن هذه «الإجراءات التعسفية» كانت تحرج تلك الحكومات أمام المنظمات والهيئات الدولية، راحت تبحث عن طرق مجدية أخرى، بلا «فضائح»، فكان الحل الأمثل يكمن في عقد «صفقات غير معلنة» مع الجهات المالكة لهذه الفضائية أو تلك بغرض لجم هذا المراسل المشاكس، أو إنذاره بالطرد إنْ لم يلتزم ببنود الصفقة المبرمة!.
أمام هذا الواقع بات صعباً أن تجد مراسلاً في هذه العاصمة العربية أو تلك يقدم رأياً مخالفاً للرأي الرسمي السائد في الدولة التي يعمل فيها، فتحول أغلبهم إلى «أبواق دعائية» تروج لسياسات هذه الدولة أو تلك. وربما كانت هذه التغطية الإعلامية «المنحازة» تعبر، حقيقة، عن رأي المراسل، بيد أن غالبية التغطيات «المدجنة» هذه تأتي، في شكل قسري، ونتيجة الخوف من الطرد وفقاً لتلك الصفقة المبرمة بين حكومة الدولة التي يغطي المراسل أخبارها، وبين مالك الفضائية التي يرسل لها تلك الأخبار.
يمكن أن نطلق على هؤلاء المراسلين صفة «مراسلون تحت الطلب»، وهي ظاهرة خطيرة بدأت تسود في الفضائيات، فهي تشكل خرقاً فاضحاً لحرية الصحافة والإعلام، وتقلل من قيمة المراسل ذاته الذي يفترض أن يغطي الأخبار على نحو مهني وموضوعي من دون الخضوع لهذه الجهة أو تلك. ومع أن الفضائيات الرسمية العربية تقوم بالدعاية الفجة على مدار اليوم. لكن يبدو أن ذلك لم يشفِ غليل وزارات الإعلام العربية التي ضاقت ذرعاً بأصوات إعلامية جريئة تظهر في فضائيات وصفت بـ «المستقلة». هذه الاستقلالية تمر الآن في امتحان صعب، فإما أن تتورط في مدح الحكومات، وإما أن تنحو باتجاه القضايا الإشكالية، وتناصر الشعوب المغلوبة على أمرها، ولا شك في ان الخيار الثاني يعبر عن جوهر الإعلام، وعن الاستقلالية «المزعومة»!
الحياة – 25/02/08