صفحات الناس

المعري بالزيت والسبانخ

null
خطيب بدلة
بينما كان الكاتب العفشيكا جالساً أمام شاشة الكومبيوتر يعمل كعادته إذ دخلت عليه زوجته وجلست وراءه تماماً مثلما يجلس الناس في البولمانات والقطارات والسينمات
دار برقبته بصعوبة بالغة بسبب انقراص فقراتها، حتى استطاع أن يراها وقال لها:
– أنا أحب الكتاب الذين تظهر في كتاباتهم اللمعة الإبداعية التي لا تجدينها عند غيرهم. سأضرب لك مثلاً: كتب صديقي تاج الدين الموسى ذات مرة أن المشاركين في مهرجان أبي العلاء المعري، والإداريين، وجانباً من الجمهور، بمجرد ما تنتهي الجلسة المسائية يذهبون إلى أحد المطاعم الفخمة ويلتهمون ما لا يحسب الحاسب من اللحوم!
قالت الزوجة ببرادة: أين اللمعة في هذا؟ كل الندوات الثقافية يعقبها عشاء!
قال الكاتب: إنهم يأكلون كل هذه الكميات من اللحوم مع أن المسكين أبا العلاء المعري أمضى عمره كله وهو نباتي لا يذوق اللحم، ولم يكن ذلك أمراً مزاجياً أو اعتباطياً، بل كان جزءاً من فلسفته. وحينما مرض وصف له أحد الأطباء أن يأكل ديكاً مسلوقاً،.. فلما أصبح الديك المسلوق في الوعاء أمامه قال له بسخرية عز نظيرها:
– استضعفوك فوصفوك!
واعلمي أيتها الحبيبة أن الذين يحضرون الندوة المسائية في المهرجان قد لا يتجاوز عددهم العشرين، بينما يتجاوز عدد ضاربي “الخاشوقة” في المطعم المئة شخص، وكتاب محافظة إدلب ليسوا بينهم بالطبع، لسبب بسيط هو أن رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان لم يسمع بهم، وهذا ليس عيباً فيه، فالرجل أساساً ليس من الوسط الثقافي، أو الأدبي، أو الصحفي، وليس معنياً بحفظ أسماء أولئك النكرات النرجسيين، أعني أدباء محافظة إدلب!
قالت الزوجة: فما العمل برأيك؟
قال: سأقترح على السيدين وزير الثقافة ومحافظ إدلب أن يوعزا لإدارة المهرجان بأن يكون برنامج الإطعام في مهرجان المعري في المرات القادمة فولكلورياً وينطوي على احترام للرجل المحتفى به، فيكون قوامه البقوليات والنشويات وشيئاً من الدبس والسبانخ والخبيز، ولا بأس بصحنين من الجرجير الذي قالت في مديحه الشاعرة العربية المناضلة ما لم يقله مالك في الخمر.
ولأن المعري أمضى عمره عزباً، لم يجنِ على أحد، (أي لم يخلف ولداً يحمل اسمه!)، ولأننا لا نستطيع تعميم فلسفته هذه على الناس، فإنني أقترح استبعاد أي رجل متزوج من اثنتين أو أكثر من حضور المهرجان، واستبعاد كل من زاد عدد أولاده عن ثلاثة أيضاً من الحضور.
قالت الزوجة: أنت عندك أربعة أولاد.
قال: أنا بطبيعة الحال مستبعد، لأنني- كما تعلمين- واحد من كتاب إدلب العفشيكا الذين لم يسمع بهم رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان!
( كلنا شركاء ) 1/9/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى