صفحات الناس

‘حياتنا الحلوة’ كمسلسل

null
سهيل كيوان
كانت الشرارة الأولى قد انطلقت عندما أعترضتني إحدى قريباتي في الطريق العام وأطلت برأسها من نافذة سيارتها لتقول لي بابتسامة عريضة …الصلاة ع النبي عنو…الخالق الناطق مهند… ارتبكت للحظة،وربما احمر وجهي، فقد استوعبت من الذي تقصده،لأن الأخبار وصلتني منذ أسبوع، ورددت كأنني أدفع تهمة خطيرة عني وعن إبني…لا..إنه لا يشبهه، ثم إن عيني ابني ليستا زرقاوين.. إنهما خضراوان…
ــ هـــذا لا يهم …المهم شكله…شــعره..ذقنه ..وحركاته…الخالق الناطق مهنّد..
في مساء اليوم نفسه صادفت رجلا في حفل زفاف أذكره من أيام الدراسة، تقدم مني مصافحا بحرارة ثم قال ..أريد أن تعرّفني على ابنك…
ــ ابني…ما الذي تريده منه! ــ زوجتي تقول إنه يشبه مهند كثيرا…
ــ آها …أهلا وسهلا،أنت تشرّف الى بيتك متى تشاء… كنت قد انتبهت أن أبناء أسرتي منجذبون الى مسلسل ‘نور’ الذي لم أر منه سوى خمس دقائق، وفقط كي أتعرف على هذا الذي جعل أحد أبناء قريتي يضرب زوجته بسببه عندما عبرت عن إعجابها به قائلة’هيك الزلام تكون ولا بلاش’ فرد زلمتها بغلاية القهوة الباردة (لحسن الحظ) على وجهها! وكتبت الصحافية الإسرائيلية (سمادار بيري) بانفعال كبير في يديعوت أحرونوت عن تولع الأمة العربية بمسلسل ‘نور’.. وبالغت لإثارة القارئ العبري حين قالت…إن حظر تجول يحدث ساعة عرض المسلسل في العواصم والمدن العربية، وإن حوادث الطرق على شوارع العرب اختفت في تلك الساعة بالذات، وبرأيها أن المسلسل يحمل رسائل جديدة الى المجتمع العربي! وبسرعة عجيبة اشتغل الحس التجاري، فاستبدلت صور أبطال باب الحارة على ملابس الأطفال وكتبهم ودفاترهم وحقائبهم بصور أبطال مسلسل نور! انتبهي للولد، قلت لزوجتي ..ألا ترين أنه يقلد مهند…شعره وذقنه…وحركاته ، والأخطر من هذا …ألا تلاحظين أنه يبدو كمن يحلم عندما يتحدث كأنما بلغة مدبلجة…لم أعد أفهم ألفاظه…
ردت مغتبطةــ الجميع يقولون إنه يشبه مهند… ألم تلاحظ أن زميلاتي من العمل جئن بالأمس خصيصا لزيارتي كي يروه عن قرب…
ــ جئن خصيصا!…وهل عرف أنهن جئن لأجل هذا الهدف ‘النبيل’! هل جننت! ستفسدين الولد… ــ أطمئنك بأن الولد لن يخرب…بالعكس فهو مبسوط جدا، وحضرتك يجب أن تكون مسرورا لأن ابنك يشبه مهند… وهذا يعني أن له الكثير من المعحبين والمعجبات! ــ يا سلام ..أريد معجبات به لشخصه، لنشاطه وذكائه ورجولته..وليس لأنه يشبه ممثلا تركيا…ما هذه التفاهة؟ ــ تفاهة! ردت زوجتي مذهولة! والله توقعت هذا منك …أنت تحارب كل ظاهرة إيجابية وكل نجاح! تغار من مهند وحتى من ابنك..أقسم بالله أنك تغار منه…
ــ لا تقسمي بالله …أنا لا أغار من هذه التفاهات…
ــ لا تتظاهر باللامبالاة .. أنت تغار منه! لقد جاء رده ساحقا عليكم…يا عشاق هيفاء وهبي ..موتوا بغيظكم .. إنفلقوا…..
ــ وما شأني أنا بهيفاء؟ ــ لا تنكر أنك من عشاقها..
ــ أنا؟ ــ أي نعم أنت.. لا تحسبني مغفلة…لا تتظاهر بالتعفف… ــ لا لا ياعزيزتي لا تغلطي…كم مرة قلت لك إنها لا تثيرني ..ولا أرى فيها أنوثة أصلا…
ــ أنت لا ترى أنوثة في هيفاء!…إذا لماذا تبحلق بالتلفزيون عندما تراها! ــ أنا!! أنت واهمة، أقسم بشرفي أنني لا أرى فيها أنوثة….وبصراحة أكثر، وكي تفهمي أنني لا أدعي التعفف، فأنا أرى أنوثة أكثر بكثير لدى مذيعات نشرات الأخبار والمراسلات من مواقع الأحداث..أما هيفاء فهي تشبه الدمية.. ــ دمية! ــ نعم دمية من البلاستيك، ونظرتها مزعجة بلا إحساس ولا تمت للإغراء والأنوثة بصلة….
ــ يلا يلا بلاش دواوين .. لن تقنعني …وسوف أواظب على مشاهدة مهند كل يوم…
ــ شاهديه كما تشائين، ولكن انتبهي لإبنك الذي صار يقلده بوقفته وحركاته وتصفيف شعره وطول شعر ذقنه، ولا ينقص سوى أن يتحدث معي بلهجة المسلسل السورية….
ــ أنت دع الغيرة وكل شيء سيكون ممتازاً…
توجهت لإبني وأنا قلق وسألته ..كيف امتحاناتك يا سيد سمير أقصد يا سيد مهند؟ ..
ورغم أنه فهم أنني أسخر..لم يصح من غيبوبته، فقد التفت إلي التفاتة لم أعهدها به من قبل، وقال بلهجة المسلسل…’خود راحتك يا أبي’ رددت وأنا أغلي غيظاًــ نحن نقول خذ وليس خود ..ويابا …وليس يا أبي…. ــ طيب ولا يهمك يابا…
ــ آ هيك .. دعك من تقليد مهند ..إنه خال من الرجولة، بل سمعت أنه من مثليي الجنس،وهذا لا يفتخر به..
وهنا تدخلت والدته …أنت لا تريد لإبنك أن يكون مثل مهند…!هل نسيت نفسك عندما كنا مخطوبين كيف أطلقت لحيتك مقلدا جيفارا.. عندي صور تشهد على ذلك….
ــ يا ريت ابني يقلد جيفارا …أتقارنين مهند بجيفارا! ــ وهل انتهى الأمر عند جيفارا …هل نسيت عندما قالوا إنك تشبه محمود عبد العزيز في مسلسل رأفت الهجان! هل أزعجك ذلك أم كنت مبسوطا! ــ أتساوين بين تفاهات مهند وبطولة رأفت الهجان!….ما الذي أصابك! ــ كلهم ممثلون…كله تمثيل بتمثيل…..
ــ لا ليس صحيحا…يا بنت الحلال لا تضيّعي الطاسة! توجد مسلسلات جيدة وهادفة وأخرى تافهة يسمونها ‘أوبرا الصابون’… ــ لا لا صابون ولا ليفه..مسلسل نور ليس تافها…هل تعلم أن وزراء استقبلوا أبطال المسلسل ومنحوهم شهادات تقدير وجوائز…
ــ جوائز وشهادات تقدير!..قلت لك يوجد حكي فاضي ويوجد حكي أفضى من الفاضي وشهادات التقدير والجوائز على قفى من يشيل….ولكن إعلمي حتى ‘طاش ما طاش’ أفضل من مهند ونور…! ــ شو! طاش ما طاش! ــ أيوه طاش ما طاش…على الأقل فيه رسالة اجتماعية…
ــ إسا بدبّ الصوت…
ــ أي دبي الصوت مثل ما بدك….وهيك وهيك لمهند واللي خلفوه…
ــ شووووو…..
ــ مثل ما إنت سامعة….ولا تجننيني أكثر..
ــ طـــيب …طيب …بس أرجوك بلاش ما ابنك يسمع..خليك محترم مثل فكري شاد أوغلو على الأقل…
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى