سـيرك أميـركي
ساطع نور الدين
طرائف الحملة الانتخابية الاميركية وغرائبها لا تتوقف عند حد. وعلى الرغم من انها ليست طارئة على الحياة السياسية في اميركا، فإنها تخطت هذه المرة كل ما سبق للاميركيين ان شهدوه في تاريخهم الحديث، وكل ما سبق للعالم ان عرفه عن احوال الدولة العظمى الوحيدة.. التي تنتج طبقة سياسية حاكمة ومعارضة يمكن ان يخجل بمثلها اي بلد من العالم الثالث.
الاسبوع الماضي اكتملت صورة المعركة الانتخابية الاميركية الاغرب والاطرف على الاطلاق، عندما فاجأ المرشح الجمهوري جون ماكين الاميركيين باختياره حاكمة ولاية الاسكا السيدة سارة بالين لتكون نائبته في الرئاسة الاولى وشريكته في البيت الابيض، في خطوة اثارت الكثير من علامات الاستفهام في اوساط النخبة الاميركية حول هذا الانحدار في مستوى السياسة وفي محتواها.
والسيدة بالين التي لا تزال في النصف الاول من الاربعينات عديمة الخبرة والحضور في الحياة السياسية الاميركية، انتخبت قبل عامين فقط حاكمة لولاية الاسكا، استنادا الى شهادتين: الاولى انها كانت في شبابها وصيفة ملكة جمال الولاية، والثانية انها اختلطت في الاوساط اليمينية المحافظة فصارت من اشد مؤيدي حمل السلاح الفردي واشد معارضي حفظ البيئة في تلك البقعة البكر من الاراضي الاميركية واشد مناهضي الاجهاض.. لكنها تخضع الآن لتحقيق قضائي لانها ابعدت مسؤولا في الولاية رفض طرد شقيق زوجها الاول من منصبه في الشرطة.
باختصار، لم يكن الاميركيون يعرفون شيئا عن تلك السيدة الطارئة حتى على السياسة في ولاية الاسكا البعيدة، وما زالوا يستغربون اختيار ماكين لها لتصبح رئيسة محتملة لاقوى دولة في العالم، اذا ما مات الرئيس المنتخب خلال ولايته او اذا اضطر على الاقل لدخول المستشفى لاجراء جراحة يمكن ان يتطلبها الوضع الصحي لاي رجل مثله بلغ الثانية والسبعين من العمر.
قيل انه اختارها لانه بحاجة الى دماء شابة في ادارته، وتحديدا الى امرأة تستقطب اصوات النساء الاميركيات، اللواتي اتجهن الى الديموقراطيين عندما ترشحت السيدة هيلاري كلينتون لكنهن اصبحن ضائعات عندما فشلت في الفوز بالترشيح امام المرشح باراك اوباما الذي رفض تعيينها على لائحته الرئاسية واختار بدلا منها السناتور جو بايدن الذي سبق ان هزم اكثر من مرة في محاولته ترشيح نفسه للرئاسة بعدما تبين انه غشاش حتى في كتابة خطبه السياسية.
وهكذا، باتت المعركة الانتخابية الاميركية محصورة بين مرشح اسود يتنكر لجذوره العرقية والدينية ويتمتع بقدرة هائلة على الثرثرة المنمقة لساعات من دون ان يقول شيئا جديدا سوى عبارة »التغيير«، وبين مرشح شديد البياض لا يستطيع ان يكمل ثلاث جمل متتالية تقنع الجمهور بانه اقل بلاهة من الرئيس الحالي جورج بوش.. ويعاونهما في ذلك نائبان، جو بادين وسارة بالين، هما الاقل كفاءة ورصانة من بين رموز الجمهوريين والديموقراطيين الذين تنحوا جانبا، واحدا تلو الآخر، لافساح المجال امام هذا السيرك السياسي العجيب، الذي يوحي بان اميركا تفقد عظمتها، فقط لانها تفتقد نخبتها الحقيقية.
السفير