صفحات سورية

أيام النظام العربي الأخيرة؟!

null

موفق نيربية

أسس النظام العربي، الذي مازال حياً كما يُقال، في عام 1945، مع توقيع ميثاق الجامعة العربية بمشاركة سبع دول. وكانت تلك أول محاولة تهدف إلى المزاوجة ما بين تأسيس وتكريس الدول الناشئة الجديدة لدينا، وقيام نظام إقليمي يساعد على ربطها مع العالم بعلاقات قانونية واضحة.

إذا كانت معاهدة وستفاليا عام 1648 من علامات البداية لتأسيس الدول الوطنية الحديثة، فإن هنالك بداية جديدة في عالم العولمة، يَقترح فيها بعضهم تسميتها «ما بعد- وستفاليا»، على طريقة «الما- بعدات…» العديدة التي ظهرت في العقود الأخيرة. في حين يبدو أننا، نحن العرب، مازلنا نقاوم بعض مضامين تطوّرات القرن السابع عشر الأوروبية.

تأسس النظام العربي الذي مازال حياً كما يُقال في عام 1945، مع توقيع ميثاق الجامعة العربية بمشاركة سبع دول هي المملكة المصرية التي استضافت الحدث، والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية السورية والمملكة العراقية والمملكة المتوكّلية اليمنية والجمهورية اللبنانية. ويُلاحظ فوراً أن ثلاثاً منها قد احتفظت باسمها الذي وقّعت به. في حين أنّ بعضها قد غيّر اسمه أكثر من مرة في ما بعد. كانت تلك أول محاولة تهدف إلى المزاوجة ما بين تأسيس وتكريس الدول الناشئة الجديدة لدينا، وقيام نظام إقليمي يساعد على ربطها مع العالم بعلاقات قانونية واضحة، تلبّي حاجة المعادلة الدولية لزمن ما بعد الحرب، وميزان القوى في المنطقة. في طريقها، أرادت الدول العربية -خصوصاً اقرأ هنا: الحكّام، الحكومات، الأنظمة- أن تحصل على ضمانات إضافية لاستقرارها واستمرارها. وتلك كانت ومازالت معضلة ذلك النظام ونقطة ضعفه.

وضعت معاهدة وستفاليا الأساس المبني بالتعاقد والتراضي لنهاية الدولة الإمبراطورية القائمة على الانتماء الديني أو المذهبي أو الإثني، وباللهجات العربية الدارجة، يمكن أن يُفسّر ذلك إضافة إلى ما سبق بالانتماء إلى عائلة أو جماعة مهيمنة بشكل مطلق ينفي مفهوميّ الشعب والمواطن، أو بالدولة القائمة على حزب واحد أو قائد فرد.

كان التزام الحكام بتأسيس فعلي للدولة الوطنية ضعيفاً، والنوايا ملتبسة منذ البداية، رغم أن حماسة الإقلاع حملت نقاطاً نترحّم عليها الآن.

تقول المادة السابعة من الميثاق إن «ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة فى الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله. وفي الحالتين تنفذ قرارات المجلس في كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية». فجاء نظام الإجماع المُخمِّد هذا من جهة، والعلاقة على أساس السلطان وليس الدول من جهة أخرى، ليشكّلا الأسّ المنخور. ونستعيد الآن نقطتين:

ثانيتهما في الترتيب آنئذ هي النظرة إلى المسألة الفلسطينية، حين ورد في بروتوكول الاسكندرية 1944 -المؤسس لميثاق الجامعة في العام التالي- قرار مستقل حولها، ورد فيه أننا لسنا «أقل تألماً من أحد لما أصاب اليهود في أوروبا من الويلات والآلام على يد بعض الدول الأوروبية الدكتاتورية، ولكن يجب ألا يُخلط بين مسألة هؤلاء اليهود والصهيونية. إذ ليس أشد ظلماً وعدواناً من أن تحل مسألة يهود أوروبا بظلم آخر يقع على عرب فلسطين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم». وتلك براعة ودقّة مبدئية لم نملك ما هو مشتقّ منها بعد ذلك.

أمّا أولاهما فهي أن قراراً خاصاً بلبنان قد سبق في ترتيبه القرار حول فلسطين، يقول في نصه إن الدول العربية الممثلة في اللجنة التحضيرية تؤكد «مجتمعة احترامها لاستقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة».

وهنا ملاحظات على الهامش، بعد أن مللنا ما يضعونه في المتون:

كانت هنالك قوات أجنبية على أراضي أغلبية الدول الموقّعّة (فرنسا في سورية ولبنان وبريطانيا في مصر والأردن والعراق… ). لكنّ حرارة بداية انتصار الحلفاء، وثقافة الوطنية الحديثة في بذورها الأولى الضعيفة لكنها الأكثر نقاءً، قد سهّلت انطلاقة العمل المشترك تلك، بل كان لها دور فعّال، رغم التراجع الملحوظ ما بين البروتوكول والميثاق، بعد أشهر لا أكثر، بتأثير عوامل الأنانية والسلطنة. والمستغرب هنا أن دولاً قد تكون أكثر «حرية» و«استقلالاً» تحت الاحتلال ضمن بعض الشروط المتعلّقة بالوعي والحداثة والنهوض، منها بعد التحرّر والاستقلال الفعليين.

ما يلفت بشكل خاص -وهو مربط الخيل اليوم- ذلك القرار المتعلّق بلبنان، الذي يُفهم أن له دوراً مهماً في المناقشات التأسيسية، فإضافة إلى معنى إعطاء الأولوية للقرار، هنالك تأكيده على السيادة والاستقلال. الأكثر أهميّة أنه جاء بقبول بل مبادرة الوفد السوري، بوجود جميل مردم وزير الخارجية آنذاك، الذي تدخّل قبل أشهر مع القوى اللبنانية المحسوبة على سورية لتمرير الميثاق المؤسس للبنان الحديث.

كانت حالة «الإقبال» تلك من مستلزمات تأسيس النظام العربيّ، في حين يبدو الآن أن الحال على «إدبار»، ونقطة المفترق قد تكون القمة العربية القادمة التي تزيد حساسية موقعِها توتّرَ خيوطها. وكانت هنا بداية المقالة، لولا سوء الحظّ بضيق المجال. أو لعلّه حُسنه؟!

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى