المرأة العربية في الجامعة العربية- هدى هانم الشعراوي
أني أشكر لإدارة مجلة الكتاب الناشئة إفساحها مكاناً لي في باكورة أعدادها كما أشكرها على حسن اختيارها موضوع (المرأة العربية في الجامعة العربية) لأنها بهذا الاختيار قد فتحت للمرأة باب الجامعة العربية الذي ما زال موصداً أمامها رغم ما يدل عليه اسمها.
إن من يسمع بتأليف جامعة عربية يتبادر إلى ذهنه إنها تجمع بين أبناء العروبة رجالا ونساء دون تفرقة في الجنس أو المذهب ولا يظن إنها مقصورة على جنس دون آخر لأنها لم تسمّ (الجامعة العربية للرجال) ولا سيما إذا كان الدافع إلى تأليفها شعور قومي مشترك بين الرجل والمرأة قد تجلى في وحدة الشعور والتفكير والاتجاه بين رجال العروبة ونسائها في الثورات الوطنية والحركة العربية المباركة التي قامت للدفاع عن فلسطين في أواخر 1938 حيث جاهد النساء مع الرجال جنبا إلى جنب وعقد الاتحاد النسائي المصري مؤتمرا نسائياً شرقيا للدفاع عن هذه القضية في نفس الوقت الذي دعا فيه سعادة محمد علي علوية باشا رجال العروبة إلى عقد مؤتمر في سراي الجزيرة لنفس هذا الغرض، وقد شهد كل من الفريقين مؤتمر الآخر ولو أن مؤتمرا واحدا وحّد بين صفوف المجاهدين والمجاهدات بدلا من هذين المؤتمرين لكان تأثيره أقوى ونفعه أعمّ.. وما كان أحرى بفجيعة فلسطين من تأليف الصفوف جميعها وتوحيد كلمة البلاد العربية نساء ورجالا -ولكن التقاليد من ناحية أخرى هما اللتان حدّتا من جهودنا وبخستا من إنتاجنا فلم نصل متفرقين إلى النتيجة المنشودة التي كنا نستطيع إدراكها متجمعين. وكم كنا نود أن يلمس الرجال هذه الحقيقة التي لمسناها، ويذكروا مجد العرب الماضي الذي بني على أكتاف الرجال والنساء في صدر الإسلام فيقدروا الفائدة التي تعود على العروبة من تضافر الجنسين في ميدان الكفاح للمصلحة العامة.
وما دام الرجال لا يؤمنون حتى الآن بضرورة اشتراك الجنسين في الاضطلاع بأعباء الحياة، وحتى في الجامعة العربية التي تعالج مسائل العروبة من جميع الوجوه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية تلك المسائل التي لا تقتصر على الرجال فقط، بل للنساء وأولادهن النصيب الأكبر فيها، فإننا سنعمل بأيمان على إقناعهم بضرورة التعاون بين جامعتهم وجامعتنا، وكذلك بتنسيق وسائل الاتصال بين الجامعتين بطلب تعيين أعضاء منا في مجلس الجامعة العربية لتوطيد أواصر الاتصال بيننا حتى تقضي الظروف بتكوين جامعة واحدة ولا أظن أن ذلك سيكون بعيداً ما دامت الدول العظمى التي ستبت في مصير العالم قد قررت وجوب اشتراك الجنسين في المؤتمر المقبل المزمع عقده لبناء دعائم العالم الجديد فعلى لرجل العربي أن يستعد لهذا التغير ما دام يصبو إلى تبوأ مكانه بجوار مندوبي هذه الدول وعلى المرأة العربية أن تهيئ نفسها لما يتطلبه منها مركزها الاجتماعي في النهضة الحديثة كي لا تبقى عالة على المجتمع أو رمية في يد الرجل يلهو بها.
وإذا راجعنا تاريخ النهضة الحديثة في الشرق في ربع القرن الأخير رأينا الأدوار الخطيرة التي لعبتها المرأة العربية في الحركة الوطنية بمصر سنة 1919، وفي جهاد فلسطين وفي ثورتي سوريا ولبنان، ولبنان في السنين الأخيرة- ويدهشني أشد الدهش أن يتقبل الرجل العربي بنفس راضية مساعدة المرأة له في الظروف الوعرة التي كانت فيها عرضة لفتك الأسلحة وهدر الكرامة والسجن والتعذيب والموت وغير ذلك، ثم يأبى عليها أن تشاركه في إدارة دفة الأمور المشتركة بينهما في نواحي الحياة التي تستلزم استثمار جهديهما فليس الكفاح في الحياة مقصوراً على الحرب دون السلم ولا سيما أنه قد فرضت على المرأة نفس الالتزامات المفروضة على الرجل نحو الوطن والمجتمع.
وإنه ليسرني أن أرى العالم أجمع يتطور ويشعر بضرورة اشتراك في جميع شؤون الحياة العامة وآمل أن يقتنع العالم العربي المتوثب بدوره بهذه الحقيقة الناصعة حتى يستطيع مسايرة الأمم في حياتها الجديدة والله ولي التوفيق ونعم النصير.