فساد التدِّين.. أم ( تديِّين ) الفساد…!؟
جهاد نصره
بالرغم من ندرة الكتاب والمفكرين الذين يقاربون من هذه الزاوية أو تلك ظاهرة التدّين المنتشرة كالوباء في كافة البلدان المسماة إسلامية، فإن معظمهم يستسهل كما يبدو التلويح من بعيد.. أو استخدام الرموز والطلاسم لتهريب أفكارهم..! وذلك، خوفاً ورهبةً نظراً لحساسية المسألة من واقع تكيِّيفها عنوةً من قبل حلف أصحاب الشأن واللحى كي تتمظهر على صورة أنها محض قضية إيمانية وبالتالي تستوجب تفعيل فقه التكفير والقصاص الرادع أو فقه الطوارئ والأحكام العرفية أيهما أنجع وأسرع..!؟ إضافةً إلى المخاطر الطارئة التي تستجد بحسب ما تسمح به الأوضاع الخرائية التي سبق وتذوق علقم خوازيقها بعض المغامرين من هؤلاء الكتاب كخليل عبد الكريم وسيد القمني ونبيل فياض وغيرهم..!؟ وهكذا، فإن ثقافة التدّين المظهري المسطّح مشيخياً تتقدم في كل اتجاه وما الظواهر المنتشرة في كل مكان من بلدان ( أمة ) الإسلام إلا تعبيراً صارخاً عن هذا الحالة البائسة..! وما يظهر في رمضان هذه الأيام وكل عام خير دليل على هذا التدّين المظهري الفاقد لدلالات الإيمان جملةً وتفصيلاً .!. أسّ القضية بنظرنا ليس الدين أي دين بعد أن اتفق جميع العقلاء على أنه لله ذاك المجهول وحده..!؟ إنما هو مسألة التدّين والسلوكيات المرتبطة فنحن نرى أنه هناك فرقٌ كبيرٌ بين الإنسان المؤمن بأي دين من الأديان، والإنسان المتدّين..!؟
لقد عمل الفقهاء ورجال الدين طويلاً على خلط الإيمان بالتدّين كمقدمة لازمة لصيرورة سلطة الخلافة الدينية الأمر الذي كرَّس تقلصاً إيمانياً مستمراً كفعل ذاتي داخلي لحساب تقدم مظاهر التدين الخارجية السطحية التي يعمِّمها الفقهاء والدعاة ليل نهار..! وهذا ما نراه اليوم في جميع البلدان الإسلامية من دون استثناء حيث تسود ثقافة منافية للعقل تحفل بكل أشكال الممانعة لتفعيله، ومن غير ذلك بالطبع لا يمكن الحديث عن مواكبة الآخرين الذين تجاوزوا هذه المرحلة منذ زمن طويل..!
كيف يمكن أن يكون المتدِّين مؤمناً وهو يناقض مستوجبات الإيمان في حياته الخاصة والعامة إذ يندر أن نقع على متدين نظيف الكف واللسان وهذا لا يحتاج لبراهين وأدلة فهي حالة مجتمعية عامة يلمسها ويعاينها كل واحد وواحدة من الناس ويجري التعبير عنها في السياسة والثقافة على أنها ظاهرة فسادٍ معمم على أن تقتصر المسئولية في استشرائه على الأنظمة الحاكمة وحدها لا إله غيرها وكأن هذه السلطات العاقَّة هي التي عملت على (تطيير) إيمان الناس الأوادم فصاروا فاسدين ومفسدين بينما الحقيقة تكمن في أن ثقافة فسادها كسلط أحادية متعسِّفة ومستبِّدة تكاملت مع ثقافة التدّين الفقهي الوبائي الفاسد.! وفي هذا ظلَّت هذه الأنظمة امتداداً واستمراراً بل إرثاً لسلطة الخلافة كما كانت عبر التاريخ الإسلامي وليس خروجاً عليها بأي حالٍ من الأحوال كما حاولت أن توحي بذلك بعض الأنظمة والأحزاب من خلال أيديولوجياتها و شعاراتها و ادعاءاتها.!؟ وهنا يكمن مربط الفرس إذ أنه يصبح من السهل إدراك السر الكامن وراء تفشي ظاهرة الخنوع الشعبي بل استمراء هذا الخنوع الذي أدى فيما أدى إليه إلى حالة اليأس من إمكانية التغيير والتقدم بل اليأس من الفعل في أدنى درجاته وليس أدل على ذلك من حالة الأحزاب والمنظمات التي تشظَّت، وتمزّقت، وتبهدلت..! ومنها من تناثر كالرماد لتبقى في الميادين العربية ( الإسلامية ) سلطات الأمر الواقع بما هي سلطات الخلافة الحديثة بمؤسساتها الحزبية، والأمنية، والفقهية، وبيوتات أموالها وإعلامها وقضاتها.! ولمَ لا يكون الوضع على هذا النحو وهذه السلطات كانت ولا تزال كناية عن تحالف أصحاب النفوذ السماوي الذين ليس لهم حدود في الدنيا..! والأرضي الذين بينهم و بين الحدود حكاياتٌ أُخرى.. وأَخرى…!؟
الحوار المتمدن