ما تزال النار متقدة في كل المشاعل
مسعود عكو
إلى مشعل التمو
لم يهنأ لهم الخراب الحال بكل مكان، ولم تشبعهم الهموم المتقدة في أفئدة العباد، والزمن الذي بات يتآكل بصدأ الأيام، فأغاروا علي حين غرة، واسروا فارس الكلام، ذلك العاتي كريح صاخبة، لا تفلت من أحرفه أية ناقصة، وهزموا به كل عصاة الأوامر، وكانت ليلة القبض على مشعل.
ذلك الأعظم من كل القيود، والأكبر من كل الزنازين، الوتر الأقوى من كل الأرقام التعيسة، فنعم الصيد أنت أيها المشعل، كانت ليلة سوداء مقفرة، ليلة القبض عليك يا مشعل.
الأرقام تكثر في متوالية ثملة، والأصابع ما عادت تحصي الأيام، الكلام ينفض الغبار عن نفسه، والأحرف تتآكل في حناجر صدئة، ملت الحروف تلكم المواقف، وانهمرت كسيل يجرف كل ناقصة.
خطفوك على مفترق طرق ضيق، وانهالوا عليك بالأسواط والأسئلة، ما تزال النجوم شاهدة على كلماتك الأقوى من كل الأسئلة، فانهزمت الأجوبة من أوراقهم السوداء، وأبت اليراعات الكتابة ذلك المساء، وخجلت من أن تدون التهم القذرة، وشطبت عنك كل الأسطر، فانهالوا على الأقلام بالأسئلة.
حاشك من تلكم التهم، وأنت الذي كنت للأخوة داعية، وللعنف نابذاً، وللسلام قلم يخط بكل قطرة حبر وفي كل فسحة خالية، أأنت يتهمونك بإثارة النعرات المذهبية؟؟؟ إنها والله لناقصة، بل فاحشة.
أعلن السجن اعتقال قلم آخر، وخيم ظلامه على أرجاء الكلام، الأحرف تتلاطم للخروج في جنازة القضية، والألم يتحسر على وئد جديد، الحسرة تتنهد من ثغر الكلمة، والأحرف تنفخ في بوق، لتعلن للسياسة اعتقال فارس من أجود فرسانها، أعلن الظلام مرة أخرى، بداية مسلسل ما تزال حلقاته متكررة.
معتقلاً، هكذا انتهى المطاف برجل قاد قطيعاً من الكلمات أمامه، ورعى ملايين الأحرف في ضيعة صغيرة، أطلق العنان لألوانه المتناثرة في أحلام أطفال تحبو منذ الأزل، انفجرت من أنينه ينابيع الشجاعة، والسلام، آهاته اخترقت خيوط الحق الساطعة أبداً في سماء القضية.
اعتقلوا مشعل، وأثاروا من حوله غبار الزمن الأعمى، تهم عتيقة ما تزال تخفي خلفها حقداً أسوداً، وترمي بالعشرات خلف قضبان صدئة، حان وقت كسرها، ما عادت تتسع السجون للكلمة الحرة، لقد حان موسم الزيتون.
الأيام تمر بضحية جديدة، توقف الزمن لحظة الاختطاف، ذهول خيم على ضحكات أطفال ترنو ليوم جديد، الحزن رسم ابتسامة في عيني أنثى كانت ألوان ثيابها تنثر الحرية في طريق وعر، القلب يئن كل يوم، ولحظات الفرح تخجل الدنو من آلامنا، الخطف صور مشهداً مخيفاً للوحة خانقة، صمت الزمن وبدأ الليل برثاء صيد ثمين، حديثاً بين أنين خائن وخجل حجل يطير بعيداً عن السرب، الاعتقال رسم القضية بكل كلمات الطيف، وهاجر الطائر مخلفاً وراءه يتامى الألوان والكلمات.
مشعل، السماء تترصع بالنجوم كل مساء، والقمر يهدي ضياءه للعاشقين، ثمة نجم يتلو قصيدة، أسئلة أخرى تترنح في ذاكرة الليالي، تتسائل الأنجم فيما بينها، أيهما السجين، أنت أم هم المعتقلون في سجونهم؟؟؟ كلامهم ينتهي عند شعلتك المتقدة، وتهمهم تئن من الإعادة وتخجل من الهزيمة المتكررة، رحيق كلماتك يعطر القضية بكل تعسائها، الفراشة تنثر عبقاً بين أحبائك كموج بحر هائج، ليالٍ طويلة تزف قلباً لآهاتها المتقدة منذ الأزل، كلماتها عبرات يمام في غمرة العشق، آهاتك تتقد في قلوب كئيبة، وما تزال عصفورة تغرد على الشجرة.
مهما حاولوا أن يخمدوا نارك، أو يطفئوا شمعتك، ستظل متقداً أيها المشتعل دائماً بالنشاط والحق والحرية، ستكسب مزيداً من الضياء باعتقالك، ولن تنال منك كل مطافئهم التي ما استعملوها قط إلا لإخماد نيران شعبك المتقد أبداً كشعلة النوروز الخالدة على ذرى جبال صامدة، أيها المشعل المتقد أبدا… أنظر إلى أمامك سترى آلاف المشاعل توقد نيرانها لتضيء ظلام سجنك الذي أبداً لن يطفأ ضيائك، أيها المشعل المتقد أبدا… مهما حاولوا أن يطفئوا شجاعتك وبسالتك، لن يخمدوا نارك، أيها المشعل… ما تزال النار متقدة في كل المشاعل.
خاص – صفحات سورية –