صفحات سورية

11 أيلول: أي عالم جديد ؟

null
أمين قمورية
بعد حادثة بيرل هاربور قسّم الاستراتيجيون الاميركيون تاريخ الولايات المتحدة قسمين، ما قبل هذه الحادثة وما بعدها، واعتبروا ان الغارات الانتحارية اليابانية على قطع الاسطول الاميركي في هذا الميناء كانت المفصل، ليس لدخول اميركا الحرب العالمية الثانية انما لاعادة انتاج العالم على قياس مصالحها.
وعلى مدى السنين الخمسين الاخيرة من القرن الماضي التي اعقبت انتهاء الحرب، حققت الولايات المتحدة نجاحات استراتيجية باهرة في كل الميادين توجت في نهاية القرن بفرض هيمنتها على السياسة الدولية واطلاق نظامها الاقتصادي في كل ارجاء العالم بعد انهيار خصمها اللدود الاتحاد السوفياتي.
وبعد جحيم انهيار البرجين في مانهاتن في 11 ايلول 2001، وجدت واشنطن الفرصة التي لا تعوض ليس فقط لتثبيت سيطرتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على العالم انما لتغيير وجه الكوكب ورسم صورة جديدة له. وجهدت لان تجعل من 11 ايلول مولدا لرسالة جديدة وعالم جديد، وان يكون هذا اليوم من العام 2001 يوما اول من سنة اولى لتاريخ جديد يؤرخ به، بما قبله وبما بعده ويسير العالم بهدي رسالته.
يومان آخران، وتمضي سبع سنوات على اليوم المشؤوم الذي جعل العالم، ولاسيما منه الشرق الاوسط وعربه خصوصا، يدفعون الثمن الاكبر لتلك الكارثة الفظيعة.
ولكن ما الذي تغير بين 2001 و2008؟
وما الذي استطاعت واشنطن تحقيقه في رسم عالم جديد؟
خبط عشواء، سياسة بوش ضيقت في سبع ما بناه اسلافه الكبار، امثال بيل كلينتون وجورج بوش الاب، ورونالد ريغان وريتشارد نيكسون وجون كينيدي وهارلد ترومان وغيرهم، في الخمسين التي اعقبت بيرل هاربور.
بوش الاب ورث عالما نظيفا من اي منافس محتمل للولايات المتحدة في اي من المجالات، حتى في الرياضة، في اقل من سبع ارتقت “الخصمة اللدودة” الصين اقتصاديا وصناعيا وتجاريا من المرتبة العاشرة دوليا الى المرتبة الرابعة وراحت تهدد باطاحة اميركا عن العرش الاقتصادي العالمي في السنوات المقبلة بعدما غزتها ببضائعها وانزلتها عن عرش الرياضة. وفي اقل من سبع ايضا انتقلت “العدوة” روسيا من دولة اشهرت افلاسها بفعل السياسات “الذكية” الاميركية الى دولة قوية تعيد لملمة اشلاء الاتحاد السوفياتي السابق بفعل السياسات “الغبية” الاميركية.
ليس هذا فحسب، بل ان الرئيس نفسه الذي ورث عن اسلافه في البيت الابيض اوسع شبكة من الاصدقاء في العالم، استطاع بـ”ذكائه” و”حسن ادارته” و”ألمعيته السياسية”، ان يحول اصدقاءه المحبوبين مجرد منبوذين في بلادهم واحزابهم: اسنار في اسبانيا، هاوارد في اوستراليا، بلير في بريطانيا، مشرف في باكستان، كرزاي في افغانستان. وفي المقابل، فان كل من تجرأ على اشهار رفضه للسياسات الاميركية صار بطلا بين اهله وجمهوره. نجاد كان شخصية شبه مجهولة في ايران لدى توليه الرئاسة فاذا بشعبيته بعد اصراره على تحدي اميركا تخطت شعبية سلفه محمد خاتمي في عزه… تشافيز ايضا كان رئيسا عاديا لفنزويلا، فاذا به بعد اعلان كرهه لبوش يتحول سيمون بوليفار جديدا في اميركا اللاتينية وتحولت دول اميركا الجنوبية الواحدة تلو الاخرى معاقل تمرد ضد اميركا الشمالية.
في سبع سنوات من الحروب المدمرة التي تكاد تفلس الخزائن الاميركية وتطيح الاستقرار المالي في العالم، كانت ايضا الانتكاسة تلو الاخرى، فشل قاتل في افغانستان يكاد اذا تطور يجعل مصير حلف “الناتو” في هذا البلد مثل مصير حلف فرصوفيا فيه، وان يمد افغانستان الى باكستان. وفشل اخطر في العراق لم يكن من شأنه سوى جعل هذا البلد هدية ثمينة لمعارضي السياسة الاميركية في المنطقة وعبء على اصدقاء اميركا يكاد يطيحهم عن عروشهم.
اما الأنكى من ذلك، فان نشر الديموقراطية الذي جعلته ادارة بوش عنوانا لرسالتها الجديدة الى العالم فلم تجد لحمل مشعلها سوى: معمر القذافي، وكيم جونغ ايل، ورجل “العشرة في المئة” آصف زرداري. ولعل افضل مثال على التغيير الذي يشهده عالم ما بعد 11 ايلول، ان تتناول السيدة رايس الافطار مع القذافي في خيمته فيما السعودي الامير بندر بن سلطان غارق في المحادثات مع ميدفيديف في موسكو!
من تغيير الى تغيير، هل يمكن في الذكرى الخمسين لـ11 ايلول ان نرى عالما آخر بلا الولايات المتحدة؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى