صفحات العالم

الغرب في مواجهة القوة الصينية وعنف الإسلاميين

محمد الحداد
كان عام 2009 بلا ريب عام الإمبراطورية الصينية الصاعدة، فقد تأكد خلاله أنّ القوة الصينية التي كانت قد أبهرت العالم أثناء الألعاب الأولمبية في بيجين هي قوة حقيقية قائمة على أسس صلبة، إذ نجح الاقتصاد الصيني في تأكيد قدراته على الصمود أمام أزمة اقتصادية عاتية وأصبح الموئل والملاذ لجر الاقتصاد العالمي نحو التعافي، ويجمع كل الخبراء على أن الأزمة الاقتصادية ستكون أكثر حدّة وبمستوى كارثة عام 1929 لولا النمو الصيني الذي ظل متماسكاً. وفي عام 2009 استمع العالم إلى أخبار مذهلة: الاقتصاد الصيني يتقدم على الاقتصاد الياباني، تحول الصين إلى أكبر مصدر في العالم، مشروع الطائرة الصينية العملاقة «أرج 21-700» التي ستنافس «بوينغ» و «أرباص»، تأسيس محطة فضائية ستمكن الصين من تنظيم رحلات إلى القمر، الخ.
من هنا نفهم الرمزية المتضمنة في إصرار الصين على إعدام مواطن بريطاني بتهمة الاتجار بالمخدرات، وتنفيذ هذا الحكم على رغم تدخلات بريطانيا واحتجاجاتها، لكأن الصين تثأر بذلك من أكبر مهانة لحقتها في التاريخ، عندما واجهت الغرب أول مرة واصطدمت بقوته وعنجهيته. كان ذلك عام 1840 في ما عرف بحرب الأفيون، حين فشلت الصين في فرض قرارها منع الاتجار بالمخدرات على أراضيها، واضطرت للتراجع بعد هزيمتها في معركة بحرية ضد الأسطول البريطاني، واضطرت إلى أن تفتح حدودها أمام كل البضائع الغربية بما فيها المخدرات، وأن تتخلى لبريطانيا عن قطعة من أراضيها – هونــغ كـــونغ – وخمسة مرافئ بحرية، الخ.
أصبحت الصين اليوم قـــادرة على التجرؤ علـــى إعــــدام مواطــــن بلد غربي وهـــو حدث نــــادر يصعــــب على بلد آخر التجاسر عليه ولم تتجرأ عليه الصين نفسها إلا في أوج ثورة ماو تسي تونغ. وقد وقف رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون عاجزا أمام الحدث، لأن مصالح بلده الاقتصادية لا تمكنه من تجاوز حدود التنديد اللفظي والتعبير العاطفي عن الصدمة والتحسر.
الديبلوماسية الفرنسية شهدت خيبــــة كبرى عندما عجزت عن إعادة كلوتيلد ريس (الطالبة المحتجزة في إيران) إلى أهلهـــا قبل عطلة نهاية السنة، على عكس ما كان قد وعد به وزير الخارجية برنارد كوشنير. وكي يقع التخفيف من وقع هذه الصدمة على الإمبراطورية الفرنسية الهرمة، فقد تولت مصالح الرئاسة الفرنسية الإعداد لعملية أخرى أخرجت بطريقة استعراضية مبالغ فيها، فقد نجح الرئيس الفرنسي بتدخل شخصي لدى نظيره في الجمهورية الدومينيكية (إحدى الجمهوريات الأكثر فقراً في العالم!) من إطلاق سراح مواطنتين تحملان الجنسية الفرنسية دينتا بتهمة الاتجار بالمخدرات (مثل البريطاني أكمل الشيخ في الصين). وقد نال الرئيس الفرنسي ما أراده وعرضت المسألة في الإعلام الفرنسي وكأنها نصر باهر. وطبعاً لا يمكن أن يخطئ المدققون في المسألة، فلا الجمهورية الدومينيكية يمكن أن تقارن بالصين ولا قضية الفرنسيتين سارة زكنون وسيلين فاي يمكن أن تقارن بتعقد قضية كلوتيلد ريس. لكن ما أثار انتباهي التصريح الناري الذي أطلقه السيد آلان جوياندي، كاتب الدولة الفرنسي المكلف بالتعاون الدولي والوسيط الذي عينه الأليزيه لتنفيذ الصفقة، فقد حذر من أن فرنسا لن تسمح مستقبلاً بأن يحتجز أحد مواطنيها في العالم، وقد أخطأ المسؤول بهذا التصريح مرتين، المرة الأولى عندما أطلقه من سانت دومينيغ بدل طهران، والمرة الثانية عندما خلط بين الاحتجاز والمحاكمة، فكأنه يفترض أن حمل الجنسية الفرنسية يكفي لإثبات البراءة من كل التهم.
ومهما يكن فـــإن الحدثين يؤشران إلــــى تــراجـــع القوة الأوروبية إلى مستوى التنديد اللفظي والتصريحات المعدة للاستهلاك الداخلي، فكأن صمويل هنتغنتون كان على حـق عندما تنبأ في كتابه الشهير «صدام الحضارات» بأن الغرب يواجه الصين والعالم الإسلامي. لكن ما أخطأه هنتنغتون هو الإغفال عن الفارق بين المواجهتين، وهو ما يتضح من خلال المقارنة بين نهاية المتهم البريطاني (من أصل باكستاني!) والمتهمة الفرنسية التي تحتجزها طهران.
ففي حين تبدو الصين قوة حقيقية باقتصادها وتطورها في كل المجالات عدا الديموقراطية، تبدو طهران على فوهة بركان، تقوم وتقعد لطالبة في الرابعة والعشرين من العمر صوّرت مشاهد من تظاهرات ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيساً، ذنبها أنها جاءت من بلد يعتبر التظاهر والتصوير من الحقوق البسيطة الأولى لكل إنسان وليس جرماً ينبغي التوقي منه. وبقدر ما تواصل طهران مط المحاكمة فإنها تثبت عدم قدرتها على الحسم، وهذا من مظاهر الضعف، ما يجعل الطالبة الفرنسية في صورة المحتجزة لا المتهمة، ويفقد القضاء الإيراني صدقيته بما أن الرئيس نجاد يعرض علناً مبادلتها بقاتل شهبور بختيار قبل أن يقول القضاء كلمته في إدانتها أو تبرئتها، ثم هل يمكن أن تستوي المشاركة في مظاهرة أو تصويرها مع تنفيذ مخطط لاغتيال رئيس وزراء سابق؟
الصين قوة حقيقية، أما إيران وأخواتها (حزب الله، حماس، الخ) فهي عنف وفوضى وعنتريات، تنهك أصحابها أكثر مما تقض مضاجع أعدائها. وهنا يتمثل الفارق في نوعي «التحدي» الذي يواجهه الغرب. فالحلقة القوية فيه هي الصين، والحلقة الضعيفة هي العالم الإسلامي.
وبين القوة والعنف فارق كبير. فالقوة بالمعنى الحديث قائمة على الاقتصاد والتكنولوجيا والتخطيط الاستراتيجي، أما العنف فهو الإيهام بالقوة عند فقدان أسبابها. ومن هنا ينبغي أن نبدأ التفكير: أن نتأكد من الفارق بين القوة والعنف لنتبين طريقة العمل الأكثر جدوى ونتقدم بحسب أهداف محددة لا رغبات عاطفية مجنونة.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى