ما يحدث في لبنان

مبروك للبنانيين “جمالهم البشع”

null

سعد محيو

الجمال البشع” قد يكون التعبير الأدق لوصف اتفاق قادة الطوائف اللبنانية في الدوحة.

هو جمال، لأنه أبعد عن سماء لبنان، وإن مؤقتاً، نذر عاصفة إقليمية دولية كانت ستقتلع ما تبقى من جذور شجرة الأرز التي تزين علمه الوطني.

وهي بشاعة، لأن الاتفاق لم ينضح بالصفقات الطائفية الفجة فحسب، بل كرس مجدداً ديمومة نظام طائفي كان في صلب كل أزمات لبنان منذ 1840.

فالترتيبات الانتخابية التي تم الاتفاق عليها، والتي استندت إلى قانون العام ،1960 فصلت تماماً على مقاس زعماء الطوائف ومصالحهم القديمة الجديدة. إنهم (الزعماء) ربحوا الانتخابات قبل خوضها، وجددوا قدرتهم على فرض النائب الذي يريدون، داخل “الاقطاعات” التي يريدون. لا أحد في الدائرة الثالثة في بيروت سيكون قادراً على اختراق لوائح آل الحريري. ولا أحد في الجنوب سيتمكن من منافسة حزب الله. ولا مرشح في الشوف سيكون له أمل في تحدي جنبلاط. الحماوة الانتخابية الوحيدة ستحدث في “المناطق الرمادية” التي لم تحسم فيها السلطة الطائفية لمصلحة طرف واحد، كما في الدوائر المسيحية.

هذا ما يطلقون عليه في لبنان نعت “الديمقراطية التوافقية”، ربما لخجلهم من تسمية الطائفية باسمها. لكن هذه اللعبة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالديمقراطية. إنها الديكتاتورية التي منعت، ولا تزال، قيام الوطن وولادة المواطنية.

الديمقراطية التوافقية التي وضعت للمجتمعات الأوروبية متعددة الأعراق والقوميات، خدمت جيداً الغرض منها لأنها نجحت في نشر الثقافة والممارسات الديمقراطية داخل كل عرق أو قومية، قبل أن تحقق التوافق بين العناصر المتباينة لمجتمعاتها. هذا ما حدث في كانتونات سويسرا التي طبقت مبدأ الديمقراطية المباشرة داخل كل كانتون، فأوصلها ذلك ليس فقط إلى التوافق، بل أولاً وأساساً إلى تشييد صرح الوطنية السويسرية التي وحدها تمكنت من إنهاء حروب أهلية دامت قروناً عدة بين السويسريين الألمان والفرنسيين والإيطاليين والبروتستانت والكاثوليك.

لبنان، برغم كل بريقه الانتخابي، يفتقد إلى هذه الديمقراطية، أولاً داخل كل طائفة، ثم لاحقاً بين الطوائف نفسها، بسبب القوانين الانتخابية المتلاحقة التي وضعت منذ العام ،1943 والتي هدفت إلى إعادة إنتاج الزعامات الديكتاتورية الطائفية. هذا ما يجعل أي خلاف بين زعماء الطوائف مشروع صدام مع الطوائف الأخرى. هذا أيضاً ما جعل الحرب الأهلية مكوناً أساسياً من مكونات الكيان اللبناني.

حين نضع هذه المعطيات بعين الاعتبار، نفهم لماذا جمالية الاتفاقات الطائفية السابقة، من صفقة الميثاق “الوطني” إلى دستور الطائف، كانت تؤدي كلها إلى سلام مؤقت. إلى هدنة مؤقتة. فالجمال المستند إلى البشاعة لا ديمومة له. إنه لحظة قصيرة مؤقتة في زمن عنفي أبدي.

اتفاق الدوحة لا يخرج عن هذا الإطار. لا بل هو في صلب هذا الإطار، خاصة حين نتذكر أنه لن يحل جذر الأزمة اللبنانية، ولن يفك تشابكاتها الخطيرة مع الصراعات الإقليمية والدولية الأخطر في الشرق الأوسط. وليس على المرء للتثبت من ذلك سوى التدقيق في البيانات الصادرة عن لبنان في الرياض وطهران وواشنطن وتل أبيب. إذ حينها سيوقن بأن ما يجري في بلاد الأرز، ليس أكثر من استراحة محارب. ليس أكثر من هدنة في معركة ربما تستأنف الخريف المقبل.

حصيلة متشائمة؟ ربما. لكن تاريخ النظام الدموي الطائفي اللبناني علمنا ألا نثق بديمومة هدناته السلمية، وأن نرى البشاعة المتخفية في تضاعيف جمالياته. مبروك للبنانيين “جمالهم البشع


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى