لاجدوى من القص والحجب والمنع
ميشال شماس
من يطلع على الدساتير والقوانين الوضعية في الدول العربية سوف يجد أنها تنص على احترام حقوق المواطنين في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل،
واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها..إلخ إلا أن ما نراه ونلمسه على أرض الواقع، هو أن تلك الحقوق بقيت حبراً على ورق. فكثيراً ما نسمع أن الجهة الرقابية- عادة ماتكون أمنية- في هذه الدولة العربية أو تلك قد منعت صحيفة أو كتاب من التداول أو حجبت موقعاً إخبارياً أو ثقافياً على الانترنيت لمجرد أنه يتضمن رأياً مختلفاً ومخالفاً، وكثيراً ما نسمع أن الفليم الفلاني قد تم منع عرضه لا لشيء إلا لأن ذلك العمل الفني يعالج قضية فساد في هذا البلد أو ذاك، كما تتعرض بعض المسلسلات الدرامية الجرئية التي تسلط الضوء على قضايا الفساد أو تنتقد الواقع السياسي لحذف بعض المشاهد منها وأحياناً تمنع من العرض نهائياً على الشاشة الصغيرة.
فبعد أن قامت الجهة الرقابية في سورية بحجب عدد كبير من مواقع النشر الالكترونية، وإغلاق بعضها نهائياً كما حدث مع موقع كلنا شركاء ، النزاهة ، داماس سبوت وموقع تجمع إعلان دمشق، والرأي السوري ، وصفحات سورية، وشفاف الشرق الأوسط، والحوار المتمدن، وإيلاف، وأخبار الشرق، ومرآة سورية، والمشهد السوري ومواقع بعض الصحف العربية كصحف النهار والشرق الأوسط ، والمستقبل اللبنانية..الخ. جاء دور الأعمال الدرامية السورية التي سبق أن تمت الموافقة على عرضها في شهر رمضان ، وهذا ما حدث مع مسلسلي بقعة ضوء ، ورياح الخماسين الذين تمت الموافقة على عرضهما، إلا أنه وبعد عرض حلقتين أو ثلاث حلقات رأت الجهة الرقابية أن تتدخل في حذف لوحات كاملة من مسلسل بقعة ضوء، كما منع عرض مسلسل رياح الخماسين من العرض، قبل أن توافق نفس الجهة على عرضه بعد نهاية شهر رمضان. وقد أثار هذا الأمر ضجة كبيرة حتى داخل الجهة الرقابية نفسها على ما نشره موقع كلنا شركاء والذي حذر من سياسة التشديد والتضييق على الأعمال الدرامية السورية التي قد ( تدقع المبدعين والمثقفين والفنانين السوريين إلى التصوير خارج أراضي الجمهورية العربية السورية ليسيطروا على منتجهم النهائي وليفلتوا من أيدي الرقابة الجديدة. ومع ما لذلك من آثار سلبية على الصناعة الدرامية من ناحية وعلى حرية التفكير والتعبير من ناحية ثانية نأمل بأن تراجع الجهات المعنية ذلك القرار فيما لو اتخذ أو تلك النوايا في حال لا تزال “نوايا”.).
يحصل هذا في الوقت الذي يستغرب فيه المواطن أشد الإستغراب منعه من مشاهدة تلك الأعمال على الشاشة السورية الصغيرة أو مشاهدتها بعد أن طالها مقص الرقيب، بينما يستطيع مشاهدة تلك الأعمال كاملة ودون أي تشويه فيها على الفضائيات العربية التي تعرض تلك الأعمال كما في عملي بقعة ضوء ورياح الخماسين. فأية جدوى هذه تبتغيها الجهة الرقابية، إذا كان بمقدور المواطن السوري مشاهدة نفس العمل على قناة أخرى لايطالها مقص الرقيب؟
ترى هل مازال المواطن السوري لا يستطيع من وجهة نظر تلك الجهة الرقابية التمييز بين الصالح والطالح؟ وهل مازال يحتاج دائماً إلى حماية ورعاية، وإلى من يحدد له ماذا يقرأ أو يكتب أو يشاهد..؟
يبدو أن من يقف وراء تلك السياسة، لايريد أو يتجاهل أن السوريين قد بلغوا سن الرشد، ولم يعودوا قاصرين أو عاجزين عن فهم وإدراك المتغيرات التي تجري أمامهم. وما عزوف الكثير من السوريين مثلاً عن مشاهدة فضائية تلفزيون المستقبل اللبنانية بعد اغتيال الرئيس الحريري، وتحولها من الضيف الأكثر حضوراً إلى الأقل حضوراً في بيوت السوريين، بسبب شعور أكثرية السوريين بانحراف قراءتها للأحداث المحلية والإقليمية وابتعادها عن المصداقية والاتزان، إلا خير دليل على مقدرة السوريين المتنامية على استيعاب ما يجري حولهم، ولم يأت ذلك الشعور نتيجة أوامر أو قرارات من فوق، بل جاء كرد فعل نابع من إرادتهم وسلوكهم الشخصي بعيداً عن أي توجيه أو تعميم.
وللأسف فإن أصحاب تلك السياسة، يعتقدون خطأ أنهم يستطيعون بذلك حجب النور عن عقول الناس أو يحجرون عليهم من خلال تحديد ما يقرؤون أو يكتبون أو يشاهدون أو يسمعون، هذه العقلية التي لم تستطع، أو لا تريد فهم الأخر إلا من خلال وجهة نظرها، ولا تحبذ سماع رأياً مختلفاً ومخالفاً لرأيها.
فلو أن أصحاب تلك السياسية فكروا قليلاً قبل الإقدام على منع عرض ذلك العمل الدرامي أو حجب ذلك الموقع أو منع توزيع تلك الصحيفة ، وأدركوا أن تلك السياسة قد ولى زمانها، في زمن التطورات العلمية المذهلة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة منفتح على بعضه البعض يتناقل الأخبار والتحقيقات والمنجزات العلمية بالصوت والصورة، وأنه لم يعد بإمكانهم منع الناس من مشاهدة تلك الأعمال الدرامية في ظل هذا الانتشار الكبير للفضائيات التي يستطيع أي مواطن مشاهدة برامجها الفنية والأخبارية، وكذلك البحث بشغف زائد عن الطريقة الأنجع للوصول إلى مواقع الصحف الممنوعة من التوزيع أو المواقع الأخبارية المحجوبة. بالتأكيد لما كانوا أقدموا على فعل ذلك ، ولكانوا وظفوا جهودهم وتلك الأموال التي يهدرونها بدون طائل في تطوير قطاع التربية والتعليم، هذا القطاع الذي يحتاج إلى مزيد من الرعاية والاهتمام…
ولو أن أصحاب تلك السياسة فتحوا أبواب الحرية للحوار مع مواطنيهم بكل شفافية بعيداً عن إكراه أو قسر أو تهميش، وتلمسوا بصدق همومهم ومشاكلهم، لما كان التجأ المواطن إلى المواقع الالكترونية أو تلك الصحف التي وجد فيها مساحة كبيرة من الحرية في طرح آرائه بحرية، ولما ألتجأ أيضاً إلى تلك الفضائيات لمشاهدة عمل فني منع عليه مشاهدته على شاشة بلده.
فلنفتح أبواب الحرية التي بدونها لن نستطيع أن نفتح باباً، أو نرفع ظلماً أو نصد عدواناً.
( كلنا شركاء ) 20/9/2008