جهات مختصة
فلورنس غزلان
لم تسمعوا بها? لم تروا لها وجها? في أي بقعة من الأرض تقع جغرافيتها؟
وهل خانتكم الفطنة اللغوية? الخبر وحده ينعش ويفرح قلب العليل , ألستم عربا وتعرفون وتسمعون بهذه اللغة? إنها لغة النظام السوري, وقد حفظ العالم أجمع لغته غريبة التعابير, لأن أصحابها بالأصل غريبو الأطوار والأفكار, التعابير المختلقة لغويا للالتفاف على الحقيقة والتمويه والتضليل, لأنها لغة تضييع وتهريب الواقع وإخفائه تحت يافطات كبيرة , وشعارات براقة يسمونها الوطن والوطنية والقومية العربية, لأن النظام بالأصل فالح بتهريب كل شيء, فالح بتهريب كل اقتصاد الوطن لجيوب أبناء السلطة, ويتم التهريب بالعلن وبالطرق الدستورية والقانونية, وعلى عينك يامواطن , بل يارعية , التي من واجبها أن ترى وتسمع وتبلع وتصمت وتعض على النواجذ وتشد الحزام على جوع يمتد ويطول ليصبح رمضان سنويا, بعون القائد وأعوانه والسادة وأصحاب الريادة والأسرة ومالفها من مصاهرة ومؤازرة, وكي لا أحذو حذو السلطة, ولا أفوت عليكم فرصة الاكتشاف , رغم أن شيئا لم يعد يفاجئكم ولا غرابة في عالمكم السوري وبلائكم الأيوبي, وقد صار صبركم مثلا عالميا سيسجل في موسوعة “غينيس” فقد صدر الخبر واستقر الأمر على منع جماعة كثيرين غلبة من جماعة ” مراسلون بلا حدود” يعتقدون أن الأبواب مشرعة لهم والديار سائبة يدخلها من يشاء باسم حقوق الصحافة والنشر! أو حق التعبير والقول , الذي أقرته شرائع الأمم ودساتيرها وصادقت عليه حكوماتها, بما فيها الحكومة الرشيدة للقيادة القديمة- الجديدة في وطننا العظيم , كما أن الدستور السوري يؤيدها ويضمنها, لكن المشكلة إنه عاطل من العمل ومصاب بالشلل منذ أربعين عاما, وهو مقعد ويعجز طب القانون عن إنهاضه وإعادة الحياة له ويصارع ويقارع الموت ولا ينفع معه لا إنعاش ولا نطاس, لأنه لا يعمل مع الناس ولا يطبق عليهم, ولا يتعرف عليهم ولا يعرفونه , لأن نظامنا العظيم بفضل حكمته ودرايته استبدله بما يناسب عبيده قساة القلب والملاعين, فلا ينفع معهم إلا العصا وليس الرفق واللين, فارتأى لهم الأفضل في التطويع والتجويع عن طريق قانون مُفَّصَّل يقيهم شر أفعالهم ونفوسهم التي تطمع برزق أسيادها وتريد الفتك بقاداتها, فاخترع لهم قوانين بلاد واق الواق وقراقوش ليس أفضل ولا أكثر فهلوة و”دردحة” من النظام العظيم صاحب الشأن والأصل العريق الكريم, فتفتق ذهنه الحريص على الرعية والوطن , عن قانون طوارئ يظل دائما مستديما متجدد الثوب لا ينضب ولا يتعب من أداء الواجب تجاه من يحاول أو يفكر بتغيير دماغه, أو إعمال فكره بطريقة للنفاذ بجلده أو جلد أهله من السياط القانونية ولوائحها المُختَرعة, فما بالك وهؤلاء الأجانب يأتون لفتح المواجع وطرق أبواب أغلقها النظام منذ أمد يسمونها حقوق إنسان!! وهل عندنا في بلادنا إنسان? من أين جاء هذا الاسم ? لأن قانوننا العتيد لا يحتوي عليه أبدا ثم حق التعبير? تعبير عن ماذا? وكيف وأين ? ثم يريدون أن يلتقوا بمساجين أودعناهم الأصفاد والأقفال, التي لا تفتح إلا لنزج بالمزيد!
القصة ومافيها, أن هؤلاء الذين لا تغمض لهم عين إلا ليتآمروا على الوطن السوري , لأن نظامه الممانع يصيبهم بالغيرة ويجعلهم يكيدون له ويتصيدونه , فقد حضر كل من روبير مينار “رئيس مراسلون بلا حدود”, وزميلته مغربية الأصل الآنسة هاجر سيموني المسؤولة عن قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا , يرافقهم الصحافي الشهير باتريك بوافر دارفور, والمصور الصحافي فرانسوا ويدابورن” إلى الحدود السورية- اللبنانية بعد أن زاروا لبنان, لكن حدودنا لا تفتح لمن هب ودب وزار لبنان, ونحن لا نعرف من التقوا وربما جماعة “14 آذار” قد دسوا الدسائس, وكالوا الكثير من التهم لنظامنا العظيم, وبعدها جاءوا يطلبوا منا دخول سورية! الحقيقة أنه ربما يسبب هذا بعض الإحراج, لكن “هذا الخد معود على اللطم”, ثم أننا لا نهتم بدعايات الغرب ولا بمراسليه وصحافييه , لأنه ماعندنا ثقة فيهم , وللحقيقة والواقع , أن الأمر خرج من يد وزير الإعلام وجاء الجواب من موقع أهم وأكبر وتنحني له رقبة أكبر وزير, جاء من ” جهات مختصة “! وفهمكم كفاية…
وكيف نسمح لهم بلقاء أنور البني وميشيل كيلو أو فايز سارة وعلي العبدالله أو أكرم البني! غريب حتى لو كان هؤلاء كتابا وصحافيين ,إنهم قبل كل شيء سوريون ونحن أحرار بأبناء وطنا ورعايانا نزجهم بالسجون , نمنع عليهم الهواء, وهل نتدخل بما يفعله الغرب? ربما نشتم ونسب ونكتب ونطيل اللسان, ونتهم ونكيد ونتآمر ونتحالف, لكنها اللعبة السياسية , ويلعبها النظام وفق مصلحته, ولا يتركهم يأكلون لحمه , فلحم الممانعة مُر والمقاومة أمر, ولهذا سنقاومهم ونمنع دخولهم وليعودوا ويقولوا ما يشاؤون.
ماذا? هناك صوت جاء من فرنسا يقول :” لكن فرنسا فتحت الأبواب لسورية على العالم بعد أن أغلقت بوجهها السبل, ومنذ أيام كان ساركوزي في دمشق”! فليكن , وليعرف العالم أن النظام السوري عنيد , يأخذ ولا يعطي, يساوم, وقد تعود على المساومة والمداورة, يريد على الدوام أكثر وأكبر… أكبر في النهب والنسبة المئوية والاقتصاد, وليس في عودة الأرض… انتبهوا , في عرف النظام كل شيء قابل للأخذ والنقاش, وكلها تمريرات وتقطيع وقت, الغاية ليست فرنسا, فرنسا مطية وطريق يفتح بعده باب أكثر أهمية هو باب أبناء العم سام”الولايات المتحدة مقصدنا وهدفنا” , ونحن لا نرضى التعامل إلا مع الكبار! ربما تكون سورية صغيرة لكنها تلعب دائما على الكبير , ماذا? ستحرق أصابعها? لأنها تلعب بالكبريت مثل الصغار?ممكن وجائز! تعود النظام وقامر كمغامر وماذا يعني أن يستمر في المقامرة والمقايضة?
ثم من يدرينا أن هؤلاء الفرنسيين ربما يسيئون للسيادة الوطنية, ويضعفوا الشعور القومي بحديثهم في دمشق بشكل مفتوح ومفضوح ولقاؤهم مع صحافيين سوريين متعودين على كتابة تقارير أمنية , فهل نسمح لهم بفتح عيون أُغمضت منذ عقود? خصوصا أن دمشق هذا العام عاصمة للثقافة! نعم, الثقافة لا تعني حرية الصحافة, الثقافة لا تعني إخراج معتقلي الرأي, ولا تعني حريات… وما أدراك من ديمقراطيات يأتينا بها الغرب! الثقافة تعني غناء ورقصا وتهليلا وتصفيقا وتزميرا وتكفيراً وتفقيرا ومزامير أسدية… وبس.
كاتبة سورية