لو كان سيفي اكبر من وردتي
ناهد بدوية
كيف أكون؟
يقول محمود درويش:
لا، لا ضحية تسأل جلادها:
هل أنا أنت؟ لو كان سيفي
أكبر من وردتي، هل ستسأل
إن كنت أفعل مثلك؟
منذ قرأت السؤال في قصيدة محمود درويش، وانا أحمله على ظهري واقاسيه وامرر كل سلوك او كتابة او فعل سياسي في مرآته وتحت مبضعه لاختباره.
ولأن المعركة دائما تخنقنا في غبارها حتى ولو لم نكن فيها طرفا، ولأن المختبَرين هم جميعا من حملة الورود، فقد اخفيت نتائج اختباراتي أو الأدق تأملاتي المخبرية. اخفيتها لأن معركة السيوف لم تتوقف يوما ضد الورود.
يقول الفيلسوف الاسباني خوسيه اورتيغا:
“ان الحاضر ماهو غير حضور الماضي والمستقبل، ماهو الا المكان الذي يوجد فيه الماضي والمستقبل على شكل فعال”.
الآن أدرك أكثر أن صناعة المستقبل لاتجري في المستقبل بل تجري الآن في الحاضر. وإن أجلتَ فعل ذلك فان غيرك يقوم بهذه الصناعة منذ الآن.
ولأني متفائلة بأن المستقبل لن يحمل في أحشائة سيوف الحاضر، فهي تنتمي الى الماضي، وأنها ستذهب معه آجلا أم عاجلا لأنها لم تستطع حتى أن تكون حاضرا وانما ماضيا في لبوس الحاضر يحاول قتل الحاضر. لذلك فإن تشريحها لم يعد جديدا ولا هاما ولا حتى مشوقا. الذي يعنيني بالنقد صناعة المستقبل، مستقبلنا.
كنت قد بدأت بنفسي، تحت وطأة محمود درويش، ووجدت أن المرات التي كنت فيها مستبدة والتي قمت بالقتل الرمزي فيها للمختلفين معي بالرأي، غير قليلة.
كنت قد أجريت استفتاءا في وسط نشطاء سياسة المستقبل بدون ان اسأل أحدا، ويستطيع اي قارئ من ذلك الوسط ان يجريه تخيلا. “هل تتمنى ان يكون ذاك الزعيم في السلطة؟؟” ورأيت الذعر في عيون الأغلبية.
من كان مستبدا وهو يحمل وردته، ماذا سيفعل اذن مع سيفه؟ والاستبداد من ذوي القربى أشد مضاضة.
لكن الجديد الذي أعاد السؤال للواجهة، وأطلق الاختبار مرة أخرى، هو أنني قرأت مقابلة جديدة مع أحد صناع المستقبل المحترمين تقطر جرأة وتوصيفا مرا للواقع تستدعي الاحترام في جوانب منها وتستدعي الحوار في جوانب أخرى، لكنها في نفس الوقت تنز صديدا يجعلك تشعر بأن هذا الكاتب سيمارس التعذيب في يده حين يكبر سيفه!.
وكنت اتخيل، أثناء قراءة المقابلة على النت، شخصا معينا، أعطانا الكاتب كل المؤشرات كي نعرف من هو، ممدا على طاولة التعذيب وهو يصرخ فيه:
“رعاع حثالات…. وانت ايها الديوث ايها المريض الشاذ جنسيا الذي يستمتع بمشاهدة انثاه تحت رجل آخر”.
“لقد تمكن النظام من أن يستقطب نماذج مدنية مخنثة، نغلة وخلاسية (المثقف الديوث) كما نوهنا، لكي يعبئها ويلحقها في جبهته المعادية لمجتمعها، من خلال استثماره لشهوتها للسلطة، لكنها السلطة الملحقة والذليلة المستجيبة سيكولوجيا لضغوط ماسوشيتها تجاه فحولته السادية العنفية المرموز لها بـ(البوط -الرفس)، ليحل هؤلاء المثقفون المدنيون المخنثون بالتحالف مع الرعاع الريفيون والحثالات المدينية الطرفية محل……….الخ”
“هؤلاء الذين قادوا البلاد إلى هذا الحضيض يدفعون أبناء العوائل المدينية الذين يفترض أنهم (أبناء ناس) إلى افتداء سمعة من يباضعون أمهاتهم سفاحا استجابة لأمراضهم الماسوشية التي عبرنا عنها بصيغة (المثقف الديوث).”
تقول اتفاقية مناهضة التعذيب:
“يقصد “بالتعذيب” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه،…”*
إذن ينقسم التعذيب في كل شرعات حقوق الانسان الى تعذيب جسدي وتعذيب شفاهي وممارسته، بنوعيه، محظورة على المذنبين والابرياء على حد سواء ولا يشفع لكاتبنا ان يؤكد لنا أن المقصود هو شخص سيء ومذنب (وهو كذلك في رأيي).
ماذا نفعل اذن؟ إذا كان مستقبلنا سوف يشبه ماضينا؟.
هل نقول “لا جدوى يايسوع”
لا أبدا!
أولا: لأن هناك كتابا أيضا يجربون بالفعل التغير والخروج من المدرسة القديمة والانفتاح على الانسان في داخلهم وفي داخل الآخروهؤلاء هم من صناع المستقبل الآخر.
وثانيا: هي بنية واحدة وحين تزول السلطة القديمة سوف تأخذ معها توأمها، المعارضة القديمة، والمستقبل برسم أجيال الانترنت الناشئة التي لم تربيها المحطات التلفزيونية الأرضية ولا الأحزاب الشمولية.
وأخيرا، مع محمود درويش أيضا:
“لا اخجل من هويتي فهي مازالت قيد التأليف، لكني أخجل من بعض ماكتب في مقدمة ابن خلدون”.
خاص – صفحات سورية –