لماذا الخوف من قول الحقيقة..!
سلمان بارودو
عندما نتحدث عن وضع تنظيمي ما ( غير الطبيعي ) …وعندما نرى ونشاهد بعض من أعضاء هذا التنظيم أو ذاك ..ونرى في وجوههم وعيونهم علامات الحسرة والاستفهام كأنها تريد قول شيء ما..؟ يبادر إلى الذهن فوراً وبدون تردد أسئلة مفادها:
لماذا الخوف من التفوه في قول الحقيقة ومجابهة الواقع المؤلم والكشف عن المستور,عما يدور في وجوههم وعيونهم….؟
أو أن ما يعيشه المرء من إحساس بالذنب وتأنيب الضمير, ألا يستدعي قول الحقيقة, والمصارحة مع الذات ومع الآخرين؟
بهذا الشكل المخيف والمرعب، وإخفاء الحقيقة، الجميع يساهم في تأزيم الوضع المتردي وتفاقمه, البعض بالسكوت,والبعض بالتواطؤ مع المسكوت, والبعض بالمسايرة والتملق, والبعض بالقول دون الفعل, والبعض بالمساهمة في التردي, والنتيجة معلومة للجميع هو على حساب تراجع، لا بل وفشل التنظيم…
أليس الأولى وضع النقاط على الحروف ومعالجة الأخطاء قبل وقوعها وتفاقمها، وبالتالي قبل الخروج من تحت السيطرة..؟
إنه معلوم لدى الجميع وبدون أدنى شك إذا تم التهرب من الحقيقة الموجودة والتغاضي عنها بأساليب شتى وملتوية، لا يمكن إزالة ومعالجة الأخطاء والسلبيات التي تحصل هنا وهناك، لا بل حتى من يقول الحقيقة يعتبر غير مرغوب فيه، والنتيجة لا يمكن تغيير الوضع المتأزم في هذه الحالة، والخاسر الوحيد هو التنظيم، وتحطيم المبادئ، وخلق اليأس والإحباط لدى الجميع.
ترى ماذا يكون حال المجتمع عندما تتحطم المبادئ في سبيل تحقيق غايات ومآرب شخصية وتكتلات سلبية متجاهلين واجباتهم تجاه مجتمعهم وتجاه اليمين الذي أقسموا به على أنفسهم .
إلا مما يؤسف له، أن البعض من الذين يعلمون بهذه الأخطاء قبل وقوعها يضعون رؤوسهم كالنعامة في الرمال ولم يتجرؤوا بمصارحة الحقيقة ومجابهة الواقع الموجود ليتم محاسبتهم بشكل جدي وصحيح، وبهذا الشكل يظهرون اصطفافهم مع تلك القوى الظلامية المتربصة المتكتلة والتي تعمل ليل نهار في الغرف المظلمة من أجل إعادة الحياة إلى قرون سحيقة عفى عليها الزمن، لا يهمهم المصلحة الوطنية والقومية بقدر ما يهمهم مصالحهم الشخصية والآنية تاركين المصلحة العامة خلف ظهورهم،
نحن نسمع، لا بل نلوك على ألسنتنا ليل نهار المثل القائل: وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب،بدون أن نعمل من أجل تطبيقه على أرض الواقع تطبيقاً صحيحاً بما يرضي الضمير والمبادئ التي يتم النضال والعمل من أجلها وفي سبيلها.
لذلك، لا بد من إيجاد أو ثمة روادع تحد من تفشي هذه الظاهرة السلبية الخطيرة، فالروادع في هذه الحالات مهمة جداً بل ويجب الأخذ بها وتطبيقها بمنتهى الدقة والحماس، على تلك العناصر المسيئة والفاسدة والمتكتلة في التنظيمات، لأنه إذا لم يتم محاسبتهم، وبترهم من جسم التنظيم يصبح المجال واسعاً أمام هذه العناصر الوصولية والانتهازية في طبيعتها، وبالتالي تزدهر وتنتعش في هكذا أجواء، لكي تستغل الفرصة من أجل الخلط بين المثقف الواعي والمتخلف الأمي في آن واحد، والتهرب من الالتزامات والمسؤوليات المترتبة على عاتقها وهي أصلاً غير قادرة على أدائها بشكل ناجح وسليم، لأن التمادي في السلوك الخطأ يسهل على الآخرين إتباعه والاقتداء به, إذا لم يكن هناك محاسبة حقيقية للمسيئين والفاسدين في هذه الحالة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويراود الذهن هو : لماذا التغاضي المتعمد عن الأخطاء التي تحصل من قبل أصحاب النفوس المريضة والجاهلة في وعيها وثقافتها، أليس الجواب هو التهرب من المسؤولية وعدم تطبيق الأنظمة والقواعد والضوابط المتفق عليها فيما بينهم لتكون الفيصل والحكم في هذه الحالات.
هنا لا بد من التأكيد بأن وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب يشكل عاملاً مهماً ومسلكاً صحيحاً لنجاح المهمة المرجوة, فمن يملك القدرات العلمية والمؤهلات القيادية والإدارية لابد سيكون أداؤه أكثر نجاحاً من العناصر المتكتلة والمتخلفة، لأن الأداء الناجح يعود بالفائدة والخير على الجميع بدون استثناء، أي عكس أداء المشوه والسلبي بحق التنظيم.
لذلك،نتمنى أن تعي العقول الجامدة من ثباتها، لأن العقول الواعية هي التي تحث على التغيير الإيجابي وليس العقول الجامدة المتخلفة في ثقافتها وإدراكها.
وهنا لا بد من القول وباختصار شديد أن المناضل الحقيقي الواعي الذي يعمل من أجل المصلحة العامة، ومن أجل إزالة الخوف من النفوس وقول الحقيقة مهما كانت مرّة، هو إنسان محترم لنفسه ولمكونات مجتمعه وحتى لخصومه.
وفى هذا الصدد يقول أحد الشعراء:
لا تسقني ماء الحياة بذلة ____ بل فأسقنى بالعز كأس الحنظل.
المصدر :المرصد السوري
06/03/2008