صفحات سورية

قمة دمشق وشعرة معاوية

null


جمال محمد تقي

لو كانت فعلا هناك مؤسسة للقمة العربية لما حصل كل هذا اللغط عن قمة دمشق. فالعمل المؤسسي الجاد لا ينسجم مع تقلب الاهواء ولا مع الارتجال ولا يغير جادته ما يطرأ من الطارئات، ولوكان النظام العربي جادا في تفعيل دوره كنظام حي له مصلحة المصالح في تكتله ودفاعه عن نفسه ازاء هجمة الالغاء والاحتواء والتفتيت التي تتكاثف نحو محو الوجود والهوية
والتي ما اتخذت هذا الشكل المركز لولا وجود النفط فيها ولولا قيام دولة اسرائيل علي ارضها، لما كان حال العرب كل العرب كما هو اليوم، انظمة خائفة خاضعة مريضة لا هاجس مستقبلي لديها غير العمل علي تأمين استمرارها في الحكم، في دول مستهلكة مضطربة، يسخر المواطن فيها لخدمة الحكم وليس العكس!

لو ان النظام العربي يمتلك ادني مستويات المصداقية لكانت اجتماعات ومداولات وزراء الدفاع العرب لا تنقطع بل ستكون اهميتها متصاعدة وكحد ادني تكون مستندة علي اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولو ان النظام العربي يحترم نفسه لكانت السوق العربية المشتركة قد تحققت فعليا وانتجت تكتلا اقليميا فاعلا يجاري التكتل الاوروبي، علما ان قرار انشاء هذه السوق ضمن عمل الجامعة العربية كان قد سبق قرار انشاء السوق الاوروبية المشتركة!

ان الاهتمام المشترك والفعلي بهذين الجانبين ـ الاقتصادي والعسكري ـ كان اقل بما لا يقاس من مستوي الاهتمام الجاري والمزمن في انتظام عمل المداولات المتواترة لوزراء الداخلية والاعلام العرب لبحث تعاونهم في كبح جماح مواطنيهم وتضييق الخناق عليهم سياسيا وامنيا واعلاميا، وهذا دليل اخر علي حرص هذه الانظمة في المضي بنهجها الذي يناقض التكامل والاندماج العربي المنتج، لان جلها استبدادي، استقطاعي، وتوريثي متخلف، وهي منسجمة مع نهج التبعية للامبريالية والصهيونية بل تخضع له وتتلبسه اذا وجدت ان المعارضة الشعبية قد تطيح بها!

الجامعة العربية ثمرة لتذبذب حالة الانظمة ذاتها وحرصها علي عدم الاخلال بالمعادلات القائمة خشية من غضب المهيمنين علي مقدرات المنطقة وخشية من توفر ظروف قد تكون مؤاتية للمواطنين في المطالبة بحقوقهم الشرعية، رغم كل ذلك فانها كحد ادني متاح حاولت ان تكون حالة ايجابية رغم عدم فعاليتها في الكثير من الاحوال، ومنها الحالة القائمة، حيث جري الاتفاق بان تكون القمة العربية دورية كل عامين وتستضيفها العواصم العربية حسب التسلسل الابجدي.

المشكلة اليوم هي احتدام تناقضات ارتباطات الانظمة ذاتها وانعكاسات تلك الارتباطات بالعوامل الخارجية المهيمنة ـ امريكا واسرائيل ـ فسورية تعتبر اسرائيل وامريكا معتدين وغازين ومحتلين يتوجب ايقافهم عند حدهم واستخدام كل الوسائل المتاحة لا سترجاع الحقوق العربية المغتصبة من قبلهما، وهي تعتبر اسرائيل غير جادة بالسلام فلا الارض الفلسطينية قد تحررت ولا الجولان ولا مزارع شبعا في لبنان، وتعتبر استمرار التواجد الامريكي في العراق احتلالا سافرا، وعليه فهي تعتبر نفسها مهددة ولهذا فهي تعطي لنفسها الحق في التحالف مع ايران والمقاومة الفلسطينية واللبنانية ضمن نهج شامل لمواجهة نزعات الهيمنة الشاملة التي تنتهجها امريكا بمساعدة اسرائيل منذ انتهاء الحرب الباردة.

وقد كان مؤتمر قمة الرياض قد عبر عن بعض هذه الهموم في مقرراته التوفيقية، وقد كانت تصريحات عمرو موسي اكثر من معبرة عندما شخص انه لا وجود لعملية سلام حقيقية وان اسرائيل تعتبر مبادرة السلام العربية اقرارا بالهزيمة وعادة لا يضع المهزوم شروطا لذلك فهي تتجاهل فقرة التطبيع مقابل اراضي 67 لان التطبيع جار في السر والعلن!

رغم حدة الاستقطابات الطافحة علي سلوك النظام الرسمي العربي لكنه نجح وبامتياز في انتاج خطاب هلامي توفيقي وعمومي لا يلزم اصحابه بغير ترديده، وليلتزم كل نظام فعليا بما يراه هو منسجما مع مصالحه وارتباطاته، فقمة الرياض مثلا اعادت انتاج خطاب ما قبلها وهكذا، حتي صار الخطاب ذاته مكررا رغم جدة الظروف، فمنذ قمة بيروت صارت القمم تلوك لازمة تاكيدها علي الالتزام بمبادرة السلام العربية، علي الرغم من عدم استجابة اسرائيل وتجاهلها، وذات الشيء بالنسبة لموضوعة المصالحة الوطنية في العراق دون الخوض بجرائم الاحتلال هناك.

لقد نجحت القمة التاسعة عشرة المنعقدة في الرياض في الحفاظ علي مضمون هذا الخطاب غير الخلافي والذي لا يعالج جوهر مشاكل العالم العربي بل يتعايش معها، لهذا فان محوري ـ الاعتدال والرفض ـ قد نجحا في عقد القمة دون تصادمات او منغصات تذكر، اما الان فان الامر مختلف حيث التصعيد الامريكي الاسرائيلي الذي يبدو انه لا يريد منح ـ محور الرفض ـ اي متسع للمراوغة، مما يعني حلول اجواء المواجهة، ومضامين زيارة بوش الاخيرة ـ لدول الاعتدال ـ تؤكد هذا المنحي، ان الدعم المالي السعودي المعلن للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ثم اغتيال مغنية في دمشق، والاحاطة التي تقوم بها قطع الاسطول السادس الامريكي للسواحل اللبنانية والتصعيد الاسرائيلي علي غزة، كلها مؤشرات حقيقية علي قوة المؤثر الخارجي في مواقف النظام الرسمي العربي، وعليه فان تعطيل قمة دمشق اومقاطعتها سوف يساهم الي حد بعيد في قطع شعرة معاوية التي تربط اطراف النظام العربي مع بعضه وستكون المسمار الاخير في نعش الخطاب الاستهلاكي الذي تعود عليه هذا النظام.

كاتب من العراق

القدس العربي

07/03/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى