طرابلس بعد دمشق: أي “مُخطط” هذا؟

سعد محيو
أخطر ما في الانفجارات الإرهابية التي تضرب سوريا ولبنان هذه الأيام، هي الشائعات الأمريكية و”الإسرائيلية” الكثيفة التي ترافقها والتي تثير (أو يجب أن تثير) كبير القلق.
فتل أبيب تروّج، وتصر على الترويج، بأن أجهزة الأمن الإيرانية هي التي تقف وراء تفجير السيارة الملغومة في دمشق، وهي تعمدت أن تحدث العملية على مقربة من مقام السيدة زينب الذي يؤمه آلاف الإيرانيين على مدار السنة لإبعاد الشبهات عنها. ولماذا تقوم طهران بمثل هذه الفعلة؟ ترد تل أبيب سريعاً: “لردع سوريا عن المضي قدماً في سياسة المفاوضات مع “إسرائيل” والانفتاح على الغرب”.
واشنطن تذهب أبعد من ذلك بكثير. فمصادرها لا تتحدث عن خلافات واسعة النطاق بين دمشق وبين إيران وحزب الله اللبناني فحسب، بل هي تحاول أيضاً دق إسفين بين الأولى وبين دول الخليج، عبر محاولة الربط بين تدفق الاستثمارات الخليجية على سوريا وبين تنامي الحركات الأصولية مجدداً فيها.
كتبت “التايم” الأمريكية: “خلال العقد الأخير بدأت دمشق ترخي قبضتها على الجماعات الدينية في محاولة لاستيعابها، من ناحية، وكنتيجة لفتح الاقتصاد السوري أمام رجال الأعمال السعوديين والخليجيين الذين جلبوا معهم أيضاً جمعيات البر والإحسان وبرامج بناء المساجد، من ناحية أخرى. وكل هذه نشاطات مسالمة، لكنها قد تفتح سوريا أيضاً أمام تغلغل المتطرفين”.
هل وصلت الرسالة من تل أبيب وواشنطن؟
يفترض ذلك، وبوضوح أيضاً. وهي (وهنا المفارقة) تحرّض السوريين على الإيرانيين والسعوديين في الوقت نفسه، على الرغم من أن الأخيرين أصدقاء لواشنطن على عكس الأولين. لماذا؟
ليس هناك سوى تفسير وحيد: ثمة جهود حقيقية لتفجير الوضع في بلاد الشام (في سوريا ولبنان وفلسطين وحتى ربما في الأردن) لتحقيق هدفين اثنين على ما يبدو:
الأول، إعادة “طبخ” هذه المنطقة مجدداً عشية الانتخابات الأمريكية، بحيث يكون الطريق ممهداً أمام أي إدارة امريكية جديدة لإعادة رسم خرائطها كما يحلو لها.
والثاني، إجبار سوريا على عدم الوقوف بين الجبهتين الإيرانية والأمريكية، وحملها على الانحياز نهائياً لأحد الطرفين.
وبالطبع، كلا الهدفين يتطلبان الكثير من الدماء والسيارات الملغومة والاغتيالات، وربما أيضاً توريط سوريا مجدداً في المستنقع اللبناني عبر دفعها على العمل في طرابلس والعديد من مناطق الشمال. وليس الانفجار الجديد في طرابلس قبل يومين سوى تمهيد جديد لهذه اللعبة القديمة.
هل ذهبنا بعيداً في هذا التحليل؟
نأمل ذلك. نأمل أيضاً أن يكون انفجار دمشق، وبرغم أنه الأضخم منذ حقبة الثمانينات (ومعه شقيقه انفجار طرابلس) مجرد حادث إرهابي صغير عابر، لا جزءاً من مخطط كبير مقيم!
الخليج