سوريا: الإعلام والرواية الواحدة
مرة أخرى سوريا تتعرض للهجوم: انفجار سيارة مفخخة في العاصمة السورية دمشق. ولكن المفارقة تبقى في تعامل الإعلام مع أحداث، اتَفق اليوم على ان تصب في خانة “الإرهاب”. في حين لف الغموض قضية اغتيال عماد مغنية، القيادي في حزب الله، كما اغتيال مساعد عسكري للأسد في طرطوس، تهافتت وسائل الإعلام السورية المرئية، المسموعة والالكترونية على اعتماد قصة موحدة: انتحاري دخل الحدود وفجر نفسه. يبقى أن نسأل من يخبر الرواية وما هو دور الإعلام السوري إن كانت رقابته الذاتية بعد أعلى من الرقابة الحكومية؟ جولة على الإعلام ووقفة تحليلية مع مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. منصات
أكدت مصادر سورية سياسية وإعلامية بأن سيارة مفخخة انفجرت في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة من صباح اليوم السبت 27/9/2008 في شارع المحلق الجنوبي لمدينة دمشق في منطقة مزدحمة بالمدنيين المارة قرب مفرق السيدة زينب، ما أدى إلى وفاة 17 شخصا من المدنيين وجرح 14 آخرين.
ولم يجزم احد أن يكون المقر الأمني المذكور مستهدفا، لبعده نسبيا عن موقع التفجير وعدم تعرضه لأي أضرار.
هذا أول انفجار تشهده سوريا منذ اغتيال عماد مغنية القيادي بحزب الله في انفجار سيارة ملغومة في فبراير شباط.
وثالث هجومٍ كبيرٍ في البلاد التي تفرض فيها سيطرة أمنية شديدة هذا العام بعد اغتيال مساعد عسكري كبير للرئيس السوري بشار الأسد في أغسطس/ آب.
وقد تهافتت وسائل الإعلام السورية على نشر مضامين، تصب جميعها في خانة ” الارهاب”، في حين اوردت صحيفة تشرين ” أن السيارة المستخدمة هي من نوع GMC سوبربان خمرية اللون ورقم لوحتها 83115 وعلى جانبيها خط ذهبي ورقم محركها هو (3JKJK26U3X2185882) )، دخلت القطر بتاريخ 26/9/2008 عن طريق مركز حدودي لدولة عربية مجاورة.
وبينت التحقيقات أن إرهابياً كان يقود السيارة وقام بتفجير نفسه والسيارة. ويجري حالياً التأكد من هويته من خلال فحص الحمض النووي لبقايا جثته.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت العملية الإرهابية قد حققت هدفها أم أنها أخطأت، خصوصاً أن الجهات الرسمية السورية رفضت توجيه الاتهام إلى جهة معينة؛
فالمركز الأمني الوحيد الموجود قرب موقع الانفجار لم يتضرّر، ولا يوجد في المنطقة غيره من مؤسسات النظام، هذا إذا كانت العملية تستهدف توجيه ضربة موجعة إليه.
حتى المدرسة والمعهد اللذان أصيبا بأضرار مادية لم يكونا، على ما يبدو، هدف الرسالة الإرهابية، التي جاءت في يوم عطلة دراسيّة.
الضرر الأكبر كان من نصيب المدنيين الذاهبين إلى أعمالهم.
وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد قال للتلفزيون السوري “هي عملية إرهابية بالطبع في منطقة مزدحمة… هذه عملية جبانة”.
وأضاف “تقوم الآن وحدة مكافحة الإرهاب بالتحقيق لمعرفة الفاعلين”.
وحاول الإعلام السوري عن طريق الفضائية السورية تصوير مسرح الجريمة مع عدم ظهور ” فرع فلسطين ” في عدسة المصورين لتزيل الشبهة عن الأنباء الواردة عن موت نائب رئيس فرع فلسطين في المخابرات العسكرية السورية، العميد عبد الكريم عباس وابنه ” أحمد ” في التفجير.
وأكد موقع ” يقال نت ” بأن عباس وابنه أحمد كانا في سيارة مازدا 626.
وذكر أحد المواطنين لصحيفة الأخبار اللبنانية، رافضاً ذكر اسمه، أن قريباً له هو عميد في الجيش العربي السوري وابنه صودف مرورهما في المكان، قتلا في الانفجار.
وكانت شائعات قد ترددت عن استهداف نائب رئيس الفرع الأمني المذكور.
وكان التلفزيون السوري الذي كان قد بثّ ظهرا مقابلة مع شرطي المرور عماد محمد حبيب، وهو من أفاد عن رؤيته جثتين تابعتين لشخص عسكري وآخر مدني، قد أوقف بثّها في النشرات الإخبارية اللاحقة.
وعبد الكريم عباس وهو نائب رئيس فرع فلسطين كان قد سافر إلى جنيف حيث أدلى بإفادته، أمام لجنة التحقيق الدولية، يوم كان الألماني ديتليف ميليس رئيساً للجنة سابقا.
سوريا من جهتها تحاول وضع الحادث في إطار مكافحتها المستمرة للإرهاب.
جريدة «الثورة» الرسمية ذكّرت في افتتاحياتها بالفترة العصيبة التي عانت فيها سوريا من أحداث مشابهة، وربطت بين تشديد الرقابة على الحدود وبين ما حدث.
وقالت “في معركتنا مع الإرهاب في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، كانت قواعد الإرهاب داخل سوريا” مشيرة إلى أن “المحاولات الإرهابية هذه الفترة تتّصف غالباً بأنها قادمة من خارج الحدود، تخطيطاً وتنفيذاً، بمعنى أن منفذيها أيضاً عبروا حدودنا إلينا.”
وقد أعرب الرئيس السوري في وقتٍ سابق من الشهر عن قلقه من “قوى تطرف” يدعمها أجانب في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وطالب بحلٍّ لما وصفه بخطر الإسلاميين المتشددين المتصاعد الذين يتخذون من مدينة طرابلس في شمال لبنان قاعدةً لهم.
وقال الأسد إن هناك دولاً تؤيد المتشددين، لكنه لم يذكرها بالاسم.
من الواضح اذا ان الاعلام السوري يتبنى قصة “الارهاب” التي لم يتوانَ عن طرحها الرئيس السوري بشار الاسد في لقائه وسركوزي.
ولنسأل عن المفارقة ما بين تغطية اليوم، وتغطية أحداث أليمة أخرى، كاغتيال مغنية، كان لنا حديث ومازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
منصات: ما هي المفارقة في التغطيات الاعلامية السورية، ولم نلاحظ غموضا هنا و اتفاق ضمني هناك؟
مازن درويش: في سوريا، مصدر المعلومة الوحيد هو الحكومة السورية. والكل مضطر ومجبر ان يردد الرواية الرسمية. وان فلح في الأمر، يمكنه ان يتكل على استنتاجات او تحاليل خاصة.
لذا، يمكننا اليوم ان نشاهد رواية واحدة حول السيارة المفخخة في كل وسائل الإعلام السورية.
منصات: هل تعتقد انت بهذه الرواية؟
مازن درويش: هي فعلا عملية ارهابية. أي اعتداء على المدنيين هو مدان.
هذه اول عملية يسفر عنها هذا العدد من الضحايا والقتلى. في حادثة مغنية او حادثة طرطوس، كانت المعالم واضحة، والاستهداف جلي. حتى في العمليات الماضية كانت مراكز حساسة وامنية هي المستهدفة. اليوم، الصدمة هي في عدد القتلى، وفي المكان. المنطقة منطقة امنية، ولكن الشارع ليس كذلك.
لعلنا يمكننا ان نبرر العمليات السابقة، ولكن ما التبرير اليوم؟
لذا، ترين شحن نفسي وعاطفي لدى الشعب السوري.
منصات: لم برأيك سارعت الحكومة السورية على نشر روايتها، في حين تمهلت كثيرا في قضايا سابقة؟
لهذه النقطة 3 اسباب: اولا، هنالك عدد كبير من القتلى. كان على الحكومة ان تتحرك سريعا. ثانيا، للاغتيالات بعد امني حساس جدا. هذه العملية تظهر خالية من هذا البعد. وثالثا، الإصرار على “الخطر العابر من الحدود”، أي التذكير الدائم بالإرهاب المتربص بنا.
في نظري، ليس ما يخيف فعلا هو الإرهاب الخارجي. الخطر في الداخل أيضا.
منصات: اين الاعلام من كل هذا؟ ولماذا الغموض حول الحدود المفترضة التي اتت منها السيارة؟
نحن كصحافيين في سوريا علينا الالتزام بالرواية الرسمية. ونفرض على نفسنا رقابة ذاتية بعد أعلى من رقابة الحكومة.
وكلنا متفقون على ان الإرهاب هنا كما الفكر المتطرف. ولكن، هنالك مثلا من قال لي (شهود عيان) بأن السيارة صفراء اللون، ومحلية. أي هي سيارة أجرة سورية. هنالك من ذهب إلى العراق، ومع التضييق اليوم، يعود. وهو حكما لن يقلع عباءة الإرهاب ويرتدي العفة.
كما قلت، يبقى هامش التحليلات ضيق، وما يكتبه الكل بات يعرف بأنه يكلفنا كثيرا!
وقد شهدت دمشق في هذا العام والأعوام السابقة سلسلة من الاغتيالات والانفجارات المتفرقة نذكر منها:
* 26 سبتمبر (أيلول) 2004: أدى انفجار سيارة مفخخة إلى مقتل قيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وإصابة ثلاثة من المارة بجروح في حي الزاهرة جنوب دمشق. ووجهت سوريا وحماس أصابع الاتهام إلى إسرائيل.
* 12 سبتمبر 2006: حاول أربعة مسلحين تفجير سيارة مفخخة أمام السفارة الأميركية في دمشق. وقتل المهاجمون واحد من عناصر قوى مكافحة الإرهاب السورية واحد المارة في العملية.
* 24 يوليو (تموز) 2007: انفجار في مجمع عسكري في شمال سورية، يقتل 15 جنديا ويصيب 50 آخرين. وتقول السلطات إن الانفجار وقع بسبب حادث. ويقول التلفزيون السوري، إن الانفجار ليس عملا إرهابيا.
* 28 سبتمبر 2007: مقتل رجل دين سوري معروف بأنه يجند المقاتلين الأجانب للسفر إلى العراق، لمحاربة القوات التي تقودها الولايات المتحدة. وقتل الشيخ محمود أبو القعقاع اثر إطلاق النار عليه بعد انتهائه من صلاة الجمعة بمدينة حلب شمال سورية.
* 12 فبراير(شباط) 2008: اغتيال القيادي الرفيع في جهاز العمليات العسكرية لحزب الله اللبناني عماد مغنية، في تفجير في دمشق. كان مغنية مطلوبا لدى الانتربول والولايات المتحدة، لضلوعه في هجمات وعمليات خطف. وجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل، التي نفت أي تورط لها في الاغتيال.
* الأول من أغسطس (آب) 2008: اغتيال العميد محمد سليمان «الذراع اليمنى» للرئيس السوري بشار الأسد، الموكل أمن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، وذلك برصاص قناص من البحر.
* شارك في إعداد التقرير ساسين كوزلي، ريتا باروتا من بيروت، ومحي الدين عيسو من سوريا
موقع منصات