ماذا حدث في دمشق؟.. قراءة مختلفة
الطاهر إبراهيم
ابتداء لا بد من التأكيد بأننا ندين التفجير الذي حدث في دمشق على مفرق طريق السيدة زينب بجوار “فرع فلسطين الأمني”. وإذا كنا ندين الممارسات الأمنية لأجهزة الأمن، فإننا نرفض أن يعاقب المتورط من أجهزة الأمن -بتعذيب المواطنين أو اعتقالهم- عن طريق الاغتيال، لأن الاغتيال عدوان، ولا يمكن معاقبة المعتدي إلا عن طريق القضاء المستقل. ورغم مرور عدة أيام على الحدث، فما تجمع من أخبار شحيح، لكن بعضه موحٍ لإلقاء الضوء على التفجير. غير أن “ملابسات” الحادثة كشفت عن أن أكثر شهود العيان منعوا من الإدلاء بما عندهم.
لا تذهبوا شرقا ولا غربا في السعي وراء من قام بالتفجير في دمشق يوم السبت 27 رمضان. فهم ليسوا لبنانيين موالين، لأن هؤلاء في العادة ضحايا يتم الاعتداء عليهم ولا مقدرة عند أحد منهم على الرد. ولو أن بهم قوة لردوا عدوان حزب الله يوم احتل بيروت في أيام (7– 8- 9) من أيار الماضي. وهم ليسوا من العراقيين المتضررين من الإرهاب الأعمى (حاشا المقاومة الوطنية ضد الأمريكيين)، فهم يذبحون يوميا، ولا مقدرة لهم على الدفاع عن نفسه ضد القتلة الذين يزرعون الإرهاب في بغداد والموصل وغيرهما.
كما أنه لا مصلحة لإسرائيل في هذا التفجير على طريق المطار قرب فرع فلسطين الأمني في دمشق، فهم معنيون في الوصول إلى سلام مع النظام في دمشق، كما عبّر عن ذلك المتحدث الرسمي باسم رئيس وزراء إسرائيل “مارك ريجيف” تعقيبا على اتهام تل أبيب باغتيال العميد “محمد سلمان”، قال: (إننا لم نفعلها. هذا خروج على القواعد. بالطبع الاغتيالات تحدث ـ هل هذه إشارة إلى قتلهم عماد مغنية؟ ـ لكن اغتيال عميد في الجيش السوري في بلده، هي أقرب إلى إعلان حرب، ونحن لا نريد حرباً مع سوريا، نحن مشغولون بالحديث معهم).
كما أنه لا أحد يتهم الإخوان المسلمين السوريين. فقد شهد لهم القاصي والداني (آخرهم حسن عبد العظيم في تصريحه لخدمة قدس برس 9 أيلول 2008) بأنهم يرفضون الاغتيالات طريقا للوصول إلى الحكم أو ردا على عدوان قادة أجهزة الأمن الذين يعتقلون الإسلاميين بموجب القانون 49 لعام 1980. أما الأصوليون الذين يتهمون –عادة- بأي خرق أمني أو تفجير في المنطقة، فقد أدرك المراقب السياسي أنهم –بغالبيتهم- كانوا يمرون بمعتقلات النظام السوري، فيطلق سراح معظمهم ضمن اتفاق معهم للقيام بما يخدم أجندة أجهزة الأمن السورية في لبنان أو العراق، وربما أعيد بعضهم إلى بلادهم لتعكير السلم الأهلي فيها.
إذا استبعدنا أن يكون التفجير قد تم بأيدٍ خارجية أو شبه خارجية، فإن أول ما يتبادر للذهن أن يكون التفجير تم لتصفية حسابات داخلية بين مراكز القوى في النظام السوري. وربما كان ثأرا قام به بعض مراكز القوى من داخل النظام، أطيح بهم في عهد الرئيس الراحل “حافظ أسد”. أو بعض مراكز القوى المتضررة في عهد الرئيس “بشار أسد” بعد إقصائهم، أرادوا الثأر لأنفسهم، خصوصا أن من بين القتلى عميداً أمنياً في فرع فلسطين وابنه، وأن: “دود الخل منه وفيه”.
يؤكد هذا الفرض –ولا نتمسك به إلا كأحد الاحتمالات- أن عدد القتلى أكثر من عدد الجرحى. فلو كانت العبوة مزروعة في سيارة بجانب الطريق بقصد التفجير الإرهابي الأعمى، فإن عدد الجرحى سيبلغ أضعاف عدد القتلى. شهود عيان رأوا الجريمة أثناء وقوعها أو بعدها مباشرة، أكدوا أن سيارات متضررة من التفجير قد سحبت من موقع التفجير لطمس الحقيقة.
المراقبون يجب أن لا ينتظروا أن يعلن وزير الداخلية السوري –وقد لا يحاط بالحقيقة أصلا- عن أي معلومة عن التفجير. وهذه الحادثة كأخواتها التي حصلت من قبل: (الحوادث التي تمت في حلب وإدلب ومعرة النعمان وقرية جبرين شمال حماة والصدامات مع “جند الشام” والهجوم على السفارة الأمريكية في المالكي في دمشق، والهجوم على مبنى التفزيون السوري. واغتيال أو انتحار وزير الداخلية “غازي كنعان” في مكتبه. واغتيال “أبوالقعقاع” “ضهر الحمرة”، جهارا نهارا، في حلب أمام مسجد كان يخطب الجمعة فيه. و”عماد مغنية” رئيس الجهاز العسكري في حزب الله. وأخيرا وليس آخرا، العميد “محمد سليمان” الرجل الخطير الذي ما كان أحد يعرف عدد مهامه في النظام ونوعها إلا الرئيس نفسه). هذه الأحداث لم يذع عنها شيء حتى الآن، رغم تأكيدات المسئولين السوريين بأنهم سوف يذيعون الحقيقة، ولم يذع شيء عنها حتى الآن.
أخطر ما في القضية، أن هذا “التفجير” لا يختلف في ملابساته عن ملابسات مقتل “عماد مغنية” واغتيال العميد “محمد سليمان”، وهما أحدث القضايا وأخطرها. فثلاثتها وقعت في أماكن تعج بعناصر من أجهزة الأمن. وإن صح أن العميد “عبد الكريم عباس” نائب رئيس فرع فلسطين للمخابرات العسكرية كان بين القتلى، وهو لا يقل أهمية عن العميد “محمد سليمان” وعن “عماد مغنية” كونهم عناصر هامة كلٌ في مجال عمله الأمني، فإن حادثة التفجير هذه أخطر من أن تكون تفجيرا إرهابيا أعمى. وبالتالي فإن الحوادث الثلاث قد تتبعها عواصف سياسية وأمنية لا يدري أحد كيف تكون نتائجها على النظام، والأيام حبالى يلدن كل عجيب.
أخبار الشرق