غزة تعيد السؤال الفلسطيني
محمد زكريا السقال
من الواضح أن الدم الفلسطيني مرشح دائما لأن يهدر ويسفح في ظل الأوضاع العربية القائمة ، لا بل قد نتجرأ على القول أن غزة وجنوب لبنان هما الحالة الفاضحة للنظام العربي ، لذا فأن الإجهاز عليهم يشكل الهاجس الوحيد للنظام العربي والقضاء عليهم مسكوت عنه بل ومجزى عليه .
تعطي الاستباحة المتكررة لغزة ، أو لما ينتظر حزب الله ويخطط له ، صورة لهذه المقدمة التي تتوخى أن ترفع صوتا من أجل أن تعيد الجماهير الفلسطينية واللبنانية حساباتها وتدرك أية ظروف وضعت بها ، كما أنها تتوخى أن تفتح حوارا جادا اتجاه بناء تيار عقلاني يستنهض النخب العربية من أجل الإحاطة بالخراب والعفن الذي يحيط بنا كشعوب ، وضعها حكامها وقيادتها إلى الحائط بانتظار إطلاق النار عليها ، أو تجنيدها بإطار السخرة لبناء الشرق الوسط الجديد الذي يخطط له المركز الرأسمال العالمي .
تتبدى القضايا دائما بالأسئلة ، الأسئلة المبنية على الحسابات الدقيقة والعلمية ، من أجل إدراك قوانا وواقعنا وخوض نضالنا بحسابات دقيقة ، كما أنها هي التي ستحدد خنادقنا وجبهاتنا والتي تبدوا كثيرة ، ومتشعبة .
من البداية نطرح ، هل يمكن للشعب الفلسطيني أن يحرر أرضه ؟ ويحصل على حقوقه المشروعة كما حددتها قيادات وأنظمة التسوية ؟ وهي دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم كما حددها القرار الدولي 194 .
طرحت مسيرة النضال الفلسطيني ورغم بطولة وتضحيات الشعب الفلسطيني الكبيرة ، إن الشعب الفلسطيني لم يستطع تحقيق أهدافه هذه ورغم أن الظروف كانت أفضل نسبيا منذ مسيرة التسوية عام 1974 ، لا بل أن المطل على مايعيشه الشعب الفلسطيني في ظل الأوضاع الحالية ، المتردية والبائسة ، وما هو حاصل من انقسام وحصار يؤكد بشكل دقيق أن برنامج التحرير والحصول على الحقوق أصبح بعيدا جدا أمام ما هو مطلوب من استحضار برنامج حفظ القضية من خلال حفظ ذاتها أي جماهيرها وحثهم على التمسك بقضيتهم .
هل هناك في ذهنية النظام العربي القائم على القمع والفساد أي تصور أو حل من أجل أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم ،؟ وهل يمتلكون عوامل قوة يستطيعون من خلالها انتزاع هذه الحقوق ،؟ أيضا في هذا المجال فالباحث الحصيف لن يجد سوى قبض الريح ، فالنظام العربي الغير شرعي والذي فقد مبررات وجوده من خلال تسليم جل أموره للخارج هذا الذي يجهد ، لتسير أمور المنطقة وترتيب عوامل ضعفها ، وتسهيل تفتيتها وتقسيمها .
هل هناك حل دولي عادل تطرحه الدول العظمى ودول العالم من اجل ضمان الحق الفلسطيني والحصول عليه ، خارج منطق الاستسلام والتفريط بالقضية العادلة والتي قد تكون القضية الأكثر عدالة وتتعرض لظلم وإجحاف في العالم .؟
هل سيكتفي الكيان الصهيوني بفلسطين ، وهل مصالحه ستتوقف في حدود فلسطين التاريخية ،؟
أذا لماذا يفاوضنا في مياه النيل والفرات ، ويطرح فتح السوق أمام منتجاته وصناعته ويطالب بتقاسم الثروات العربية .؟
هل ماهو قائم من برامج مقاومة وتحرير ، قادر على إنجاز مهام التحرير ؟وهل هو برنامج يمثل طموح الجماهير العربية ويحمل حلولا سياسية واجتماعية واقتصادية واقعية وقابلة للتمدد والتوسع وتعمل على تجسيد الوحدة الوطنية وتحقيق مبدأ المواطنة ،؟
وهنا أيضا تطرح مسألة البرنامج الوطني التقدمي الديمقراطي الذي يشكل حاضنة طبيعية لكل مكونات مجتمعاتنا الأثينية والعرقية والدينية ، من خلال تجسيد دولة الدستور والقانون والعدالة .
الوقائع تقول أيضا أن دخول التيار الديني على خط النضال الوطني تفرض عليه توسيع رقعة مفاهيمه من خلال الانخراط ببناء البرنامج الوطني التقدمي الديمقراطي الجامع لكل الأمة من خلال تجسيده لمصالحها الوطنية كاملة وهذا يتحدد بمدنيتها وعلمانياتها التي لا تلغي الدين ولكن لا تُسيده بقدر ما تحترمه وتَستثمر قيمه ومناقبه .
ضمن هذه الأسئلة والتي نعتقد بأنها مشروعة ومحقة من خلال توخيها حفظ الدماء وتوظيفها بشكل صحيح بما يخدم أهدافنا في التحرير وإعادة الاعتبار لنا كشعوب وبشر ، ننشد واقعا إنسانيا وصحيحا ونظيفا ، ونصطف بجدارة إلى دائرة الشعوب المحترمة ، من خلال قدرتها على الحياة التي تعني استجابة لواقع الإنتاج الحضاري والإنساني ، الذي لا تقوم به سوى الشعوب التي تتمتع بالحرية والكرامة .
ما الذي تقوله هذه المقالة القائمة على التأمل والمحاسبة ، والتي لا تدعي قدرتها على وضع الحلول ، ولا تمتلك الحقيقة ، بقدر ما تدعي أنها لا تريد لهذه الدماء أن لا تسفح بالمجان ، ولا تستسهل دائرة الدم ، من خلال استسهال خوض المعارك خارج الخنادق الحقيقة والأهداف الحقيقية .
ولهذا ليس هناك من جديد سوى هذه الصرخة التي أعتقد إنني لست الوحيد الذي استصرخها ، وهي أنه على الشعب الفلسطيني المقاوم والذي قدره أن يقاوم ، أن يعيد النظر بكل وسائط نضاله والأدوات التي يستعملها والتي توجب عليه ، أن يتمسك بحقوقه الوطنية كاملة وغير منقوصة ، وخوض نضال من طراز جديد جوهره الحفاظ على هذه الثوابت من خلال صياغة خطاب سياسي ونضالات سياسية تقف بحزم أمام سياسة التفريط ، أو سياسة التهور والحماقة ، وهذا يستدعي ، عقلانية استعمال السلاح الذي لا يمكن أن يكون مجديا دون فتح ثغرة في جدار فساد النظام العربي وتخاذله ، ليس المطلوب من الفلسطيني ، أن يناضل بديلا عن الجماهير العربية وطلائعها ، ولكن مطلوب منه القطع كاملا مع مفهوم النضال الحالي القائم ، ,ان ينتهج نضالا بجوهره الحفاظ على قضيته وذاته ، ودعم مفهوم استنهاض برنامج عربي قادر على إعادة التوازن وتعديل ميزان القوى لصالح قضايا الأمة العربية ومصالحها .
هل يمكن ذلك وماذا يتطلب ، أنا أعتقد ليس فقط انه ممكن ولكنه الحل الوحيد ، لا خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى العودة إلى مفهوم عروبة فلسطين وتحريرها يشكل مصلحة عربية ومقدمة ضرورية لبناء مجتمع عربي يعي وحدته وتكامل مصالحه ، على الشعب الفلسطيني أن يكون جزأ من الوضع العربي الذي يجب أن يتغير ، بل قدر الفلسطيني أن يكون طليعة هذا التغيير ، وهذا يتطلب الانطلاق من واقع الهزيمة الذي يجب أن نستوعب أسبابها وعواملها ، كبرنامج مازال سائدا منذ الخامس من حزيران ، برنامج يتمثل بالتفكير والذهنية والعلاقات والممارسات التي سادت ومطلوب القضاء عليها واستنباط علاقات وأدوات جديدة ، مسلحة بفهم معمق لعدونا الذي لا تمثل الصهيونية سوى الوجه المباشر منه ، بينما يشكل النظام العربي عنصر تطاوله وغطرسته من خلال استعبادنا وقمعنا .
برلين / 4 / 3 / 2008