صفحات ثقافية

الدراما السورية في أي الطواحين تصب مياهها ؟

null
سامي العباس
كتب غازي سلامة في أوراق ثقافية :عدد الثلاثاء -29-تموز-2008 لصحيفة تشرين السورية. ساخراً مما يفعله مسلسل نور في دنيا العرب العاربة والمستعربة..
لا أظنّك يا  صديقي غازي  من المعجبين بفتاوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ..
مع ذلك فاتتك – في المسلسل التركي- الجوانب التي استفزت كلّ هذا الاستفزاز حرّاس التخلّف العقليّ في دنيا العروبة والإسلام ..
المسلسلة التركية- المدبلجة بنجاح لم تتمتّع  به شبيهتها المكسيكيّة- والتي  تمارس غوايتها على ذات الجمهور الذي سبق أن وقع في هوى  المسلسل السوريّ باب الحارة.إلا أنها “أي مسلسلة نور ”  تتموضع في غير الخندق  ..هي  تتموضع في الخندق  الذي تموضعتَ فيه أنت، منذ أن  فقس وعيك السياسيّ قبل أربعة عقود: الدّفاع عن الحداثة، كفضاء عقليّ ،وكأنماط سلوك، وكقيم تُعلي من قيمة العمل والمرأة والحرية ..
لديّ” ذوقك الصعب” الذي يدفعني كلما بدأ بثّ المسلسل التّركيّ للانسحاب تاركا العيال وأمهم، والضيوف إن وجدوا، مسمّرين إلى الشاشة..وقد أذهب لاجئاً إلى دستويفسكي أو غيره …لكني أصدقك القول بأنّ غضبي لا يذهب إلى الجمهور المتفرّج، بل إلى صّناع الدراما التلفزيونية السورية وهم يجّيرون مواهبهم وطاقاتهم الفنية  المميّزة، لتجميل وتزيين أنماطٍ من العيش والتفكير ظننا – وبعض الظنّ إثم – أننا  في سورية ومحيطها العربيّ التقدمي قد غادرناها إلى غير رجعة ..
مرّر يا صديقي نظرة مقارنة إلى موقع المرأة في كل من مسلسلتي نور وباب الحارة. لتجد على أي وجه يوضع المكياج؟ وفي أيّ رقبة توضع الزينة ؟
إلى أيّ صندوق بريد “والكلام لا زال عن نور وباب الحارة ” تذهب رسائل العملين؟ أعلم’ يا صديقي أن من تذوّق دستويفسكي لن يستطعم “المنفلوطي ” ولكن ماذا نفعل ؟
هل ننتظر حتى نرى في عالمنا العربيّ ما رآه نصر حامد أبو زيد في أحد أنفاق ميترو باريس : دعاية لحليب الأطفال تستخدم اسم  الفيلسوف كنط للترويج ؟
ستتدفّق طويلا وكثيراً مياهٌ تحت القنطرة التي توصل العالم العربيّ- الإسلاميّ بالعصر، قبل أن ’يشاهد ابن رشد في إعلان مماثل على مدخل ميترو  هذه المدينة العربية والإسلامية  أو تلك .. إلى ذلك الوقت علينا أن نقبل بما يعّبر عنه هذا المثل  الذي ينقط  براغماتيةً  خفيفة روح : لكل ذقن مشط ..
كيف نخرج من ثقافة “ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ” والدراما التلفزيونية  التي ننتجها تجّير قوة الإقناع التي يتمتع بها  أداء كل من وفاء موصللي وصباح الجزائري في باب الحارة .. أو النجم المصري “التقدّميّ ” نور الشريف في الحاج متولّي، لإقناع المشاهد بعاقبة الخروج على الذكورية المهيمنة في  فضائنا العقليّ والقيميّ ؟
لقد أرسى المرحوم ياسين الحافظ  مشروعه النقديّ  على مقولة الترييف، كنتيجة  للغزو الثقافيّ – السياسيّ الذي تعرضت له المدينة العربية  بدءا من منتصف القرن الماضي من قبل الأيديولوجية القومية – الاشتراكية وحاملها الاجتماعيّ الريفيّ . وها نحن بعد ستة عقود ونيف نشاهد الهجوم الثقافيّ المدينيّ المعاكس..
لم يقيّض لياسين الحافظ أن يشاهد الانتفاضة الثقافية “المدينية” ممثلة في: باب الحارة.. الحاج متولي..أهل الراية .. الخ على الترييف  الذي ألحقه بالمدينة “فلاحو سورية المتحدّرون من الأعيان الريفيين – بمصطلحات حنا بطاطو “. ولا الهجوم المعاكس السياسيّ الذي راكمت رباط الخيل له: المؤسسة الدينية “المدينية “التي صمدت بنيتها التحتية في وجه عاصفتي الحداثة : الليبرالية والقومية الاشتراكية على التوالي ..ترى هل سيفرك يديه  متفائلا بمستقبل العرب والمسلمين ؟
عندما يجري شحورة  ممثلي السلطة العثمانية أو الكولونيالية وتوضع الكحلة في عيون قبضايات الحارة وشيوخ الجوامع، في دراما تصنعها أجيال التقدم والاشتراكية في سورية، أيّ ثمالة ستتبقّى في فنجان عقل المتفرّج المكويّ بنار سلطات  موسومة “بالحداثة” ؟
وعندما ’يمارس الكزُّ على مفهوم ٍ للشرف، تتموضع الأنثى  في محرقه، كيف للمجتمع السوريّ أن يزحزح بلده عن المرتبة الرابعة “عربياً” والخامسة دوليا؟ في نسبة جرائم الشرف المرتكبة ؟
بل كيف سيوقف تصاعد عدد هذه الجرائم والإحصائيات تقول عكس ذلك ؟  ” تشير إحصائيات رسمية صادرة عن المكتب المركزيّ للإحصاء في سورية إلى أنّ عدد المدانين بالجرائم الواقعة على الحرية والشرف في سوريا بلغ 1392 مدان خلال عام 2005 بعد أن كان 819 مدان في العام 2001 و1283 مدان عام 2002″.وعميد كلية الشريعة في جامعة دمشق يصرّح ” أنّ المطالبة بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات هو: “احتيال على المادة لاتّهام التشريع”!) ويضيف : “لنكن واقعيين! إن إلغاء هذه المادة مخالف للواقع الذي نعيشه.. وعلى المطالبين بتغييرها أن ينظروا في علاجها خارج سوريا”.
يزحف التزمّت الدينيّ كالليل على المجتمع السوريّ تحت بصر” السلطة ومعارضتها العلمانية” تكتفي الثانية بوضع  المسؤولية المباشرة وغير المباشرة على كتف الأولى بينما تواصل كوادرها التسلّل عائدة  إلى خنادقها الدينية والمذهبية .. وتكتفي الثانية بالمعالجة الأمنية التي تزيد – لوحدها – الطّين بلّة..
“..عندما يزداد التعصّب والانغلاق يزداد رفض الآخر لذلك عدنا نرى العمليات الإرهابية منذ عام /2004/ في سورية بعد أن نسيناها منذ منتصف الثمانينات وأهمّ شيء أن تعرفوا أنّ هذه العمليات ليست مرتبطة بمنظمات إرهابية وليست مرتبطة بما يحصل لدينا أو مرتبطة بدول.. وهنا الخطر.. هي تشكّل حالة اجتماعية محلّية تتحرّك لوحدها.. وهذه الحالة تحيط بها حالة تعصّب كبيرة”*
وبالعودة إلى الدّراما التلفزيونية السورية. السّؤال الذي يطرح نفسه هل كلّ الحكاية هي التمويل “الخليجيّ ” ؟
أظن أنّ عطبين قد أصابا مقتلا في كلّ من عقل النخبة السورية الحديثة وضميرها ..الأوّل سبب إرباكا لقدرتها  العقلية  على التمييز بين السيّئ والأسوأ. والثاني أضعف ممانعتها  الخلقية  لمغريات رجال أعمال نذروا أموالهم لنشر ثقافة بول البعير ..
وأظن أنّ  المرحوم ياسين الحافظ لو عاش ليرى مقولة الترييف التي أنتجها، إلى أيّ الخنادق الأيديولوجية قد نزحت،  سيستدير ساحبا إياها من القاموس المزدوج  للمصطلحات والمفاهيم الذي تتداوله النخبة العلمانية السورية. وقد يلجأ هربا من  عاصفة الجنون التي تدوّم في مضارب العرب العاربة والمستعربة .إلى مقولة “مكر التاريخ “.
هامش:
*من مقابلة الرئيس الأسد مع صحيفة الـ” باييس” الإسبانية موقع الجمل-2-10-2006

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى