صفحات سورية

سيرة رجل استخبارات

null
ساطع نور الدين
الارجح ان الرجل يعيش اياما صعبة جدا. يقف على حافة الجنون، غير قادر على اقناع رؤسائه بانه ليس مجرد مخادع او عميل مزدوج، وغير مؤهل لقيادة مرؤوسيه للعمل بجد ونشاط. لم يعد يستطيع ان يحلم بسنوات تقاعد هادئة، يستريح خلالها من عناء خدمة عسكرية وامنية طويلة وصاخبة، ويتفرغ فيها لكتابة مذكراته المثيرة وكشف اسرار عملياته المدوية.. التي تضيع الان سدى.
والاغلب انه سيغادر منصبه الرسمي البالغ الاهمية الى مصح عقلي، لا يصدق ما يجري حوله، ولا يدرك سر هذه الحملة العجيبة التي تستهدف التشكيك به كقائد من الطراز الاول، والتقليل من شأن الجهاز الذي يقوده والذي كان حتى الامس القريب اسطورة من اساطير اجهزة الاستخبارات في العالم، وتبرئته من اي تهمة كانت في ما مضى تلصق به من دون تردد ولا تفكير، فتكون صحيحة في معظم الحالات.
اما اليوم، فان جهاز الاستخبارات الاسرائيلية »الموساد« ورئيسه مئير داغان، يواجه لحظة حرجة فعلا: هو لا يدري لماذا اسقط من حساب جميع اعداء دولة اسرائيل؟ ولماذا لم يعد يرد اسمه بعد كل جريمة؟ ولماذا لم تعد اصابع الاتهام توجه اليه، كما في الايام الخوالي؟ مع انه لا يزال ينشط على مختلف الجبهات، وربما اكثر من اي وقت مضى، بعدما فقدت اسرائيل فرصة خوض حروب عسكرية تقليدية، واخفقت في الكثير من المعارك التي دخلت فيها على مدى السنوات القليلة الماضية.. ولم يبق لها سوى ذلك الذراع الامني الطويل تضرب به خلف خطوط القتال.
يعرف داغان بالتأكيد، ان معظم ما يجري حوله من اغتيالات وتفجيرات وعمليات تخريب هي من فعل العرب والمسلمين انفسهم، وهي نتيجة طبيعية لانحدار مستوى وعيهم وتكوينهم وانتمائهم، وهي حصيلة منطقية لانشقاقاتهم السياسية والدينية والمذهبية.. لكنه يعرف ايضا ان بعض هذه العمليات كان من تدبير وتنفيذ شبكاته وخلاياه المنتشرة في انحاء العالمين العربي والاسلامي.. والتي لم يعد يستطيع ان ينسب اليها اي فضل ولم يعد يستطيع ان يطلب لها اي ترقية.
من لبنان الى سوريا الى فلسطين الى العراق وربما ابعد منه ايضا، بات الموساد وقائده الشهير بالعمليات الارهابية الخاصة، آخر ما يفكر فيه الجمهور وحتى المسؤول، عندما تحصل جريمة كبرى مجهولة الفاعل او تنفذ عملية انتحارية مجهولة المصدر، وتأتي من خارج سياق الاحداث، لتساهم في تأجيج صراعات كادت تخمد وتوتير اجواء كادت تهدأ.. وتحقق لاسرائيل مكاسب تاريخية لم تكن تحلم بها يوما ، ولم يكن يستطيع جيشها مهما بلغ جبروته ان يحقق مثلها. والنموذج الفلسطيني خير دليل.
في الفترة الماضية، كاد داغان يخرج الى العلن ليتبنى مسؤولية هذا الاغتيال او ذاك التفجير، ونشرت الصحف الاسرائيلية تلميحات الى ان الموساد استعاد نشاطه في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، لكن اعداء اسرائيل ما زالوا يصرون على حرمانه من حق التسبب ببعض الخراب الذي يعم العالمين العربي والاسلامي.. ولاسباب لا تقود الا الى مستشفى المجانين.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى