صفحات سورية

الحاجة السورية إلى العرب

null
عبدالله اسكندر
ثمة نظريتان متداولتان على نطاق واسع لتفسير التفجيرات وعمليات الاغتيال الاخيرة في سورية. الاولى، ومصدرها خارجي لا تنفيه اسرائيل، تحاول ان تربط بين هذه العمليات وسعي سوري لامتلاك برنامج نووي عسكري. والاخرى، ومصدرها سوري أساساً، تربط هذه العمليات بجماعات تكفيرية.
وفي ظل التعتيم السوري على التحقيقات ونتائجها وعدم تقديم الأدلة التي تدعم اياً من النظريتين، يلجأ المحللون الى الاستنتاج من حوادث متفرقة، لا يخلو احيانا الربط في ما بينها من تعسف. ووفق النظرية الأولى، يبدأ المسلسل الجديد بالغارة الجوية الاسرائيلية على موقع الكبر الذي قالت اميركا لاحقاً إنه موقع مفاعل نووي على الطريقة الكورية الشمالية ويعمل على برنامج عسكري. وفُسر اغتيال ضابط أمني كبير، وهو العميد محمد سليمان، قنصا من البحر، بأنه كان يشرف على مثل هذا البرنامج. كما ذُكر ان ضابطاً كبيراً آخر، قد يكون حل محل سليمان، قتل في تفجير دمشق. وفي الغضون، شهدت دمشق اغتيال القائد العسكري في «حزب الله» عماد مغنية.
وفي كل هذه الحالات، يتوجه الاتهام الى اسرائيل صاحبة المصلحة المباشرة في ضرب أي نواة برنامج نووي عسكري سوري، وكذلك تصفية احد خصومها الاساسيين. ولا تعفي المحادثات غير المباشرة السورية – الاسرائيلية الدولة العبرية من المسؤولية، في حال كانت عمليات الاغتيال تستهدف فعلا برنامجا نوويا عسكريا مفترضا في سورية او تصفية خصوم اسرائيل داخل الاراضي السورية، عندما تسمح الفرص بذلك.
ومثل هذا الاستنتاج، في حال صحته، يرتّب على سورية سلوكاً سياسياً وأمنياً مغايراً. فدمشق التي تنفي نفياً قاطعاً توجهها نحو برنامج عسكري نووي، تتعرض لاعتداءات اسرائيلية موصوفة داخل اراضيها، ما يفرض عليها، ليس فقط اثبات الطبيعة السلمية لأي نشاط نووي فيها، بالعلاقة مع وكالة الطاقة الدولية صاحبة القدرة والحق في حسم هذه المسألة، وانما ايضاً حماية امنها وسلامة مواطنيها من هذه الهجمة الاسرائيلية باعتماد السبل الديبلوماسية والسياسية، وربما العسكرية. وفي اي حال، سيكون على سورية ان تعيد النظر في طبيعة علاقاتها العربية على نحو يضمن لها الدعم الكامل في ما يمكن ان تقدم عليه في هذه المواجهة. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، عليها ان تعيد تقويم علاقتها مع ايران، على نحو يفك الارتباط بين البرنامج النووي في كل من البلدين، نظرا الى اللبس الكبير الذي تغذيه ايران في شأن برنامجها ومعركتها مع الغرب في هذا الصدد.
أما اذا كانت اعمال الارهاب التي شهدتها سورية ترتبط بنشاط أصولي وتكفيري، فإن المسألة تأخذ بعدا آخر مختلفاً. واذا كان ما صدر حتى الآن يوحي بأنها ترتبط بالوضع في شمال لبنان، المتهم بأنه المورد لمثل هذه الجماعات الى سورية، فإن ثمة تلميحات الى بعد عربي لها. وبغض النظر عن الجدل الذي أثير في لبنان عن النيات السورية والرغبة في العودة العسكرية إليه مجدداً بذريعة مكافحة الفئات التكفيرية، وهي الرغبة التي نفتها دمشق مراراً وتكراراً، فإن ذلك يؤشر الى اضطراب كبير في العلاقات العربية – السورية، ما يستدعي ايضاً إعادة تقويم هذه العلاقات، على الاقل في اطار مكافحة الارهاب وتعقب شبكاته. وهو امر لا يستقيم قبل استعادة ثقة مفقودة في المحيط العربي، وتالياً اعادة النظر في هذه العلاقات وأسباب توترها الذي لا تزيده الاتهامات إلا تصعيداً.
وفي هذا المعنى، ستكون دمشق معنية، مهما كانت طبيعة التهديد الأمني الذي تواجهه، بإعادة تقويم علاقاتها العربية وإعادة النظر في بعض مواقفها التي كانت وراء تباعدها عن العرب. ومهما شعرت سورية بأن نطاق عزلتها الدولية بدأ بالتراخي، فإن ذلك لن يكون بديلاً من حاجتها الى العرب، خصوصاً في الأوقات التي يبدو فيها ان التحدي يتحول الى العنف.
الحياة     – 05/10/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى