صفحات سوريةعبد الرزاق عيد

المخابرات السورية ترد عبر مثقفيها الأمنيين الطائفيين…!

null
د. عبد الرزاق عيد
في سياق الردود على حواريتي الثلاثية مع موقع (شفاف الشرق الأوسط) والذي نشرته أخبار الشرق وموقع اعلان دمشق وموقع أمانة بيروت لاعلان دمشق، وسوريا الحرة وأحرار سوريا وموقع حزب الشعب الديموقراطي وصفحات سورية… الخ
كتب (سوري مقهور) في رده على (سوري مديني) في موقع الشفاف، وفي اطار التعقيبات على الحوارأن الكتابات الأمنية التي انهالت علينا شتما وقدحا ونهشا وتهديدا انما هي نتاج المثقفين الأمنيين ان كانوا من رعاع الريف (نعيسة) كما فعل مع ميشيل كيلو، او حثالات المدن (باروت) كما فعل مع رياض الترك!
وذلك في سياق تحديه للأمن ومثقفيه أن يوردوا جملة واحدة من هذا الحوار تتضمن كراهية موجهة الى الطائفة العلوية.. الا إذا كانوا يرون ان النظام ممثل للطائفة فعلا… أو أن شرف الطائفة مرتبط بشرف آل الأسد…!
ويضيف (سوري مقهور) أن الحلقات الثلاث للحوار لم نعثر فيها الا على كراهية واحدة توحد ضمير الشعب السوري، وهي كراهية نظام العصابات الطائفي القائم….
سعدت بهذا التعليق ليس لأنه ينصف ما كتبت ويتضامن معه، بل فرحا بشعبنا أنه بدأ يخرج من سكرة الأكاذيب الشعارية وأصبح قادرا على التمييز بين الخطاب الطائفي، والخطاب السيولوجي العلمي الذي يكشف بشاعة واقع الطائفية بسوريا بوصفه واقعا سياسيا ينتجه الصانع الوحيد للسياسة في سوريا، وهو النظام الذي راح يختزل مجتمعه اذ يختزل ذاته من الحزب الواحد في الستينات، الى القائد الواحد في السبعينات، الى الطائفة الوحيدة في الثمانينات، الى العائلة الواحدة في التسعينات من خلال التأسيس لواقع النظام الطائفي الوراثي العائلي القائم.
بل إن أكثر ما يسر النفس أن الوعي الوطني في سوريا دخل مرحلة تشكل رأي عام واع بذاته وطنيا، ليشكل مدخلا لتأسيس ما يسميه غرامشي بـ ” الحس السليم “، والحس السليم بهذا المعنى هو شكل من أشكال تجوهر الوعي الاجتماعي السليم بالوجود الذي لايمكن مخاتلته أو تضليله أوخداعه بالايديولوجيات والشعارات والكلمات الكبرى، لأن الحس السليم سرعان ما ينفذ إلى الأعماق ببداهة وعيه لذاته وبذاته، وسرعان مايفكك الأبهة الخطابية ويسقط الفخفخة اللفظية عن الحقيقة مهما تدثرت بالديماغوجيا والأكاذيب، حيث تجلي تلك اللحظة التي ينكشف عنها الغطاء “فبصرك اليوم حديد”…
إن مظاهر الحس السليم أو البصر الحديدي، تمثل في تلك السلاسة الشديدة التي عبر عنها ” سوري مقهور ” وهو يكشف عن الشخص القابع وراء الخطاب الأمني، فقال بتلقائية شديدة معبرة عن الحس الوطني السليم هذا الذي أصبحت الألاعيب الأمنية مكشوفة بل ومفضوحة أمام باصرته التي لم يتمكن تاريخ عشرات السنين من خطف هذا المجتمع وأخذه كرهينة أن توهن من قوة ونفاذ هذه الباصرة، عبر عن بصيرته الداخلية هذه بكل سلاسة وحذاقة، بأنه لابد ان يكون الكاتب المتخفي تحت اسم (سوري مديني) “من رعاع الريف (نعيسة) كما فعل مع ميشيل كيلو، أو حثالات المدن (باروت) كما فعل مع رياض الترك”.
والحس السليم لـ (سوري مقهور) ولكل السوريين المقهورين يؤكد مدى الامتلاء الوطني الذي يتوفر عليه وعي مجتمعنا، فلا تأخذه العزة المذهبية بالنفس فلا يقسط،إذ يتهم رعاع الريف بموالاة الأمن فحسب دون حثالات المدن، بل أكد أنه لايتهم ولا يهجو ولايثأر بل يعبر عن حس تلقائي سليم لا يخصه فحسب، بل ويمثل حسا مشتركا بات يتغلغل إلى مناطق نفوذ مايبدو للمخابرات أنها من عوالم أسرارهم الغامضة، فيحدس حدسا سوسيولوجيا قادرا على اكتشاف المبعوثين الثقافيين الأمنيين المتوارين، وآية ذلك أنه اكتشف من سيكون (السوري المديني) قبل أن يكتب السيد نعيسة مرافعته الأمنية تحت عنوان (عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجا).
الحس السليم والبصر الحديد ما كان بحاجة ليساجل ويعاضل، بل طرح على المخابرات السورية في شخص نص (نعيسة) الذي اكتشفه بحدس مذهل، وذلك قبل أن يكتب تقريره المعلن عن العقلانية وعبد الرزاق عيد على موقع الحوار المتمدن، فسأله عندما كان متواريا وراء اسم (سوري مديني) سؤالا لايزال صالحا للطرح على تقريره العلني، وهو أن يقدم مثالا واحدا من كل الحوار المطول الذي دار على ثلاث حلقات على معظم مواقع الانترنت الجدية، أن يقدم مثالا يثبت أن عبد الرزاق عيد تفوه بجملة واحدة فيها اساءة أو عداوة أو كراهية للطائفة العلوية أو أية طائفة من مكونات المجتمع الوطني السوري الذي يردد تقرير المخابرات في نص (نعيسة) أن د. عيد يشتم هذه المكونات الوطنية، إلا اذا كان نقد النظام هو نقد للطائفة ومن ثم فهو نقد لسوريا، وهي جائحة تضليلية أشاعها النظام، وهي أن أي نقد آو ضغط على النظام لارتكاباته هو ضغط على سوريا، على هذا كان على الشعب السوري أن تخرجه المخابرات قطعانا قطعانا لافتداء بشار الأسد من حكم القضاء الدولي الذي ينتظره في جريمة اغتيال الشهيد الحريري وسلسلة الشهداء الذين توالوا بعده. والنظام بهذه الديماغوجية يسعى لاحداث التباس وغموض (هدام) في وعي أو لا وعي غلابة المجتمع السوري في أن بشار الأسد هو النظام وأن النظام هو الطائفة وأن الطائفة هي سوريا، والنظام بهذا التلبيس الشيطاني الأغبى في التاريخ الابليسي، يريد الايهام بالتطابق بين النظام والطائفة لتحشيدها وتجييشها خلفه، وذلك على مستوى الفعل والممارسة، أما على مستوى الشعار فإنه يصدر الشعارات القومية الكاذبة للاستهلاك والايقاع بكل من من لا يصدق أن هذا النظام وطني وهو فوق الطائفية ليحبس ويعتقل كل من يحاول الكشف عن هذا التلبيس الابليسي الغبي الرعاعي كرعاعيتهم، حيث لكل ابليسه وعلى شاكلته، فابليسهم رعاعي وغبي مثلهم، لأن كل الناس تعرف أن النظام طائفي، لكن الناس يظهرون أنهم مصدقون وطنية وعدم طائفية النظام بما فيها جبهته الوطنية التقدمية، فالكل يتكاذب على الكل في سوريا في أغرب عملية لتغريب الوعي الوطني عرفته سوريا في تاريخها.
وفي هذا السياق يمكن ايراد هذه الطرفة لشدة دلالتها وليعذرني الأستاذ يوسف فيصل الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوري لاضطراري لذكر اسمه، فذكر اسمه في هذا السياق تقتضيه ضرورة المغزى الدلالي والمعرفي والسياسي لهذه الواقعة، فقد قصدته في سبيل صديق عاد من الغربة لقضاء اجازته الصيفية المنكودة في الوطن. وعندما أراد العودة لم تعطه المخابرات الجوية موافقة الخروج، فقد كان قد خدم ضابطا مجندا في الدفاع الجوي، وهو مقيم في الخارج للعمل ولو تأخر عن موعد التحاقه بعمله سيخسره، وبدأ الرجل يستدين بعد أن صرف ما معه في نهاية اجازته، وذلك ليجمع (تسعيرة) الرشوة المطلوبة لمثل هذه الخدمة،عندها سافرت لدمشق وطرحت الأمر على الأستاذ يوسف فيصل رغم ابتعادي عن الحزب الشيوعي منذ عقود، لكن الرجل كان بمنتهى الايجابية، فاتصل بممثلهم في الجبهة الوطنية التقدمية رحمه الله ووزيرهم النافذ حينها، ولكن الاثنين عبرا -حينها-عن عجزهما عن امكانية الاتصال برئيس فرع المخابرات الجوية، وبعد أن يئس الرجل لم يجد سوى أن قال لي: أظن أن لاحل سوى أن تطرح هذا الموضوع على أحد أصدقائك العلويين، وهذا ما كان، فقد كانت صداقتي تتيح لي مع هذا الصديق أن أنقل له اقتراح يوسف فيصل في صيغته دون أي حرج أدبي أوسياسي، فحل المشكلة رحمه الله، إذ كان من الذين يستشعرون خطر مستنقع الطائفية التي راح يتردى فيها نظام حافظ الأسد وهو يتخلى عن تاريخ فكره السياسي البعثي، وعلى كل حال كان صديقنآ الراحل آخر البعثيين المحترمين…! ليس هناك في سوريا كذبة سياسية وايديولوجية مثل كذبة هذه العصابة الحاكمة التي تعلن كل يوم عن وطنيتها وتمارس في كل يوم طائفيتها وحرصها على أن تقدم نفسها أمام الطائفة بأنها ممثلتها لتلبس عليها وعلى الواقع تلبيسا ابليسيا أيضا من خلال الايحاء بوحدة المصير بين النظام والطائفة. فما يبرهن على طائفية النظام هو النظام ذاته الذي يعتبر ذاته ويقدم نفسه والأمر كذلك ممثلا للطائفة، وليس برهانا على طائفية عبد الرزاق عيد الذي يفصل بين النظام والطائفة، عندما يحذر الطائفة من توظيفات النظام لها لتوريطها في معركة مواجهته لمجتمعه وشعبه، وهو ينتقد دور حافظ أسد الذي حرم الطائفة من فاعليات دور تحريري تحرري مفترض مثلها مثل الأقليات الميالة سوسيولوجيا (أقلويا) للتجديد، أي أن مصلحتها بالتغيير يجعلها في حالة تناقض مضطرد مع ميل الأكثرية للمحافظة.
بل ان تضييع حافظ الأسد على الطائفة العلوية دورها التحديثي في المجتمع السوري أدى عمليا من الناحية الفعلية بعد تحالفه الاستراتيجي مع ايران ومن ثم الالتحاقي في زمن الابن إلى أن تتحول الطائفة إلى ملحق بالهلال الشيعي الذي تتزعمه ايران لكي يستظل مشروع التشييع في سوريا بمظلة طائفية النظام، ومن ثم تخلي الطائفة العلوية تدريجيا عن بعض مكتسبات الحداثة الذي أصابت وعي النخب عندهم، وخاصة في مجال دور وفعالية المرأة التي عليها أن تحضر نفسها للشادور الايراني (الثوري) القادم إذا ما تمكنت ايران، رغم أن هذا الأمر يستحيل استساغته من قبل المرأة العلوية بوصفها ابنة البيئة الساحلية المنفتحة دائما، لكن التحاق جيل السلطة الجديد النهائي بسلطة ولي الفقيه السياسية ستفرض عليه القبول بالسلطة الثقافية والدينية، ليحل محل التطلع الحداثي لشباب الطائفة العلوية لمغادرة الوعي الميثولوجي السحري باتجاه الوعي العقلاني (اللوغوس)، نقول: ليحل محله -بالتأثير الايراني-دوران في تيه العود الأبدي إلى الوعي الميثولوجي السحري لكن في صيغة فقهية شيعية (ثيولوجية) طقسية تتزاحم مع حزب الله -نضالويا وجهاديا – لمنافسة منظمة القاعدة الوهابية. وبذلك ستخسر الثقافة الوطنية السورية هذا الميل التاريخي والحداثي لدى الطائفة العلوية— بل وربما حتى الأقليات الأخرى- للخروج من الميثي والثيولوجي الى (اللوغوسي) العقلاني ممثلا بالوعي المدني القومي (عربي سوري) أو يساري علماني.
سيما وأن الايرانيين يجاهرون بمشروعهم (الديني المذهبي النضالي هذا) عندما لايترددون بالرد على الشيخ يوسف القرضاوي -بما يمثله من زعامة رمزية على مستوى العالم الاسلامي السني- بأنه يتحدث نيابة عن ” حاخامات اليهود “، وذلك ردا على تحذيره من مشروع ايراني للتشييع. ويضيف أحد الملالي أن ” توجه الشباب العربي نحو المذهب الشيعي الاسلامي الثوري… يأتي ضمن معجزات أهل البيت عليهم السلام ” هذا ما أتى على لسان خبير الشؤون الدولية بوكالة ” مهر ” عندما انتقد القرضاوي مسألة التشييع، ودعا الى “تحصين أهل السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي”.
نعود إلى موضوعنا الأساس وهو الرد المخابراتي العنيف الذي صاغه (نعيسة)، لكن قبل تناول هذا الرد لابد لي من الاشارة إلى أنني بعد أن كثر زملاؤنا في ميدان الكتابة مع الثورة المعلوماتية، وتيسر الانترنت للجميع، وهو مكسب انساني عالمي وديموقراطي، لكن المنجزات العالمية الكبرى عندما تنتقل الى عوالمنا البرزخية فان الطغاة والسجانين والجلادين والقتلة أول من ينقض عليها نظرا لامتلاكهم ثروات بلادهم كثروات أبيهم، حتى يحولوا المكاسب الانسانية الديموقراطية الى زقوم في حلوفنا، مادامت قد فتحت لنا كوة في ظلامات جحيمهم لنتنفس بعض الحرية، ولذلك مقابل ولادة أي كاتب حقيقي يستنسخون عشرات كتاب التقارير والمحللين ليس السياسيين، بل المحلليين للحبس والاعتقال والقتل والسحل محليا واقليميا وعالميا، كما هو شأن كاتب تقرير (عقلانية العرب : عبد الرزاق عيد نموذجا)، وذلك عندما يتساءل بحسرة ربما هي حسرة معلميه ذاتهم عن سرعدم اعتقال عبد الرزاق عيد “، فيقول : هناك شنبات أثخن وأكبر بكثير من شنبات عيد حظيت باهتمام النظام… فعبد الرزاق عيد ليس خطا أحمر – على النظام – ولن يخجل منه ولا من غيره… وليس هناك من داع منطقي لاستثنائه من “مكارم النظام الأمنية”.
من عادتي تجاه هذا الطوفان من الكتابات التي ينبغي أن نرحب بها بغض النظر عن الروائح النتنة لبعضها، فأعطي اسم أي كاتب جديد فرصته،حيث أقرأ له ثلاثة مقالات : إما أن أتابعه دائما أو انصرف عنه واتركه لشأنه مع ربه، وقد أعطيت هذا المندهش والمتحسر لعدم اعتقالنا فرصة أكبر، وخاصة بعد مقاله الاحتفالي باعتقال ميشيل كيلو، بل ولا سيما وأن الأجهزة الأمنية بدأت تعتمده كنجم فضائي ” معارض ” تفرضه غلى الفضائيات -يبدو – لكي يسمح لها البث من دمشق، مثال ذلك استضافه د فيصل القاسم له في برنامج (الاتجاه المعاكس)، وكان من الواضح أن فيصل كان يبادل جمهوره نظرات السخرية، موحيا للجميع تعالوا لندخل هذه التغريبة البريختية، واقبلوا معي هذه التمثيلية الهزلية التي يلعب فيها مدلل المخابرات دور معارض.
لقد اقنعني الأصدقاء أن أكتب ليس ردا على “المثقف ما دون الجلاد ” الذي يأخذ على الجلاد عدم جديته في عمله، وربما ليحرض الجلاد على الجلاد لعقابه على تقصيره، وعلى الأغلب – حسب تصورنا للسيناريو الأمني المفترض – أنه يسوق نقدا (أمن دولتيا) لعدم جدية الأمن العسكري، وخاصة فرع فلسطين الذي كان يهتم بملفي،وذلك لصالح مخابرات أمن الدولة التي هددتني بقطع لساني، لكنها لم يكن لها الحق – فيما يبدو – باعتقالي لأكثر من ثلاث عشرة ساعات لا تكفي لقطع اللسان، بسبب أن ملفي لدى فرع فلسطين الذي يأخذ عليه تهاونه بعدم (الاهتمام بشنبات عبد الرزاق عيد)، لنتصور هذه الطريقة في التعبير عن الشنبات ؟ التي يتداولها على الأرجح (سائقو السرافيس في جبلة)، ومع ذلك يصعب عليه وعلى قومه المخابرات وصفه وأمثاله بالرعاع…!
أقنعني الأصدقاء أن أكتب، لأن النص الممهور باسم “نعيسة” ليس الا نصا أمنيا خطه يراع هذا المنشيء الذي أخطأه الحظ فلم يحقق حلمه في أن يكون جلادا يتمتع مع الجنرالات في حفلات التعذيب – ولا نعرف ان كان يتاح له ذلك مع ذلك – وفق ما حدثنا الأصدقاء الذين وردوا حياض جهنم ملذاتهم وشهواتهم السادية، أنهم كانوا يعذبون على أيدي الجنرالات الذين كانوا يحتسون الويسكي ويدخنون السيجار على أصوات غناء اللحم الآدمي الممزق.
اذن بناء على طلب الأصدقاء قررنا أن نتأمل بعض الصياغات التي يمكن أن تدافع بها الأجهزة الأمنية عن نفسها العصابية الاجرامية.
يحدثوننا أن ثمة بدويا في داخلنا حتى ولو كنا ” عضوا في رابطة العقلانيين العرب”، التي يسخر منها النص الأمني… ليعود النص فيتهمنا باللاعقلانية والانفلات الخلقي والتحلل الوطني ويصف خطابنا بالسوقية الجارحة والطائفية… ومن ثم السمية والغل والحقد الأسود والسب والشتم… !؟ كل هذه الرقاعات يتهمنا النص الأمني بأننا وجهناها ضد ” المكونات المجتمعية السورية ” التي تتردد عبر النص وهو يزعم الدفاع عنها!
ماهي هذه المكونات التي فكك نصنا بناها السوسيولوجية؟ إنهم ببساطة ما وصفناه سوسيولوجيا بـ “رعاع الريف وحثالات المدن”، هذه الصياغة هي التي استدعت كل هذه الكمية من المفردات المقذعة السالفة، في حين أن علم الاجتماع السياسي يستخدم مصطلح (الرعاع) ليصف الفئات الدنيا من الفلاحين المعدمين الذين لايملكون أرضا للزراعة أو للسكن، فلا يملكون سوى أيدي عملهم، فنحن عندما نستخدم هذا المصطلح فنحن لانشتم ولانسب، ولانعبر عن غل وحقد أسود، بل نومئ الى حالة من المفارقات السوسيولوجية تتمثل في أن قطاعا واسعا من الرعاع (الفلاحين المعدمين) انتقل باسم الثورة إلى موقع الادارة والقيادة للعملية السياسية والاقتصادية، وهذا ما يساعد على تفسير حالة التدهور والانهيار والانحطاط التي يشهدها مجتمعهنا، ولو أن في الأمر ثمة طائفية لما وضعنا حثالات المدن في التوليفة التكوينية ذاتها للنظام، ولما كنا اعتبرناها شريكا في صناعة واقع انحطاط الأمة ككل…!.
بل ان أي قارئ حيادي يفهم أن تعبير رعاع الريف، لا يعني الريف بمجموعه، وكذلك حثالات المدن، لا يعني أن المدن كلها حثالات، وتعبير حثالات يستخدمه شيخ البروليتاريا العالمية (لينين) ليوصف فيها بعض البروليتاريا،أي بعض القطاعات العمالية الخائنة لقضيتها الطبقية بتعبيره: “حثالة البروليتاريا” وعلى هذا فوفق القراءة الأمنية السورية لتعبير لينين، تغدو البروليتاريا العالمية كلها حثالات وربما حاكموا لينين على نقص في ثوريته كما حاكموا القائد العمالي عمر قشاش وحكموه باثني عشرة سنة لعدائه للاشتراكية…! وهم يعتمدون هذا المنطق ذاته في قراءة نصوص القوانين، عندما يحاكمون نشطاء الحركة الديموقراطية من قبل قضاتهم المأجورين الصغار كمثقفيهم الآنفي الذكر بوصف هؤلاء المناضلين الديموقراطيين طائفيين ومتآمرين وينشرون الأخبار الكاذبة…!
كما تذهب النصوص الأمنية في المقال المشار له، بل وفي نص أمني طائفي آخر نشرته الحقيقة التي نتمنى لصاحبها (نزار نيوف) الشفاء العاجل : إذ تقول “وكان الدكتور عيد قد وصف الآسبوع الماضي العلويين بأنهم” حثالة ورعاع” ووصف مسؤولي السلطة المنحدرين من الطائفة المذكورة بـ “الكلاب”.
بهذه الديماغوجية المكشوفة والمفضوحة يتعاملون مع نص حواريتي الثلاثية على أنني أشتم المكونات المجتمعية واعتبرها (رعاع وحثالات) دون أن يجدوا في هذا الحوار على مدى أربعين صفحة جملة واحدة تخدم قصدهم في الادانة، إننا لسنا مفاجأين من انعدام امانتهم مع النصوص، بعد أن عايشنا وعاينا أمانتهم مع النفوس والفلوس بل وانتهاكاتهم الاجرامية الى كل ما يلوذ بمقدسات القدوس، بوصفه معنى وضميرا والها، بفجور ونذالة ووحشية تعتم لها الشموس، منذ بطولاتهم على أنقاض حماة وصولا لانتقاماتهم الرعاعية من سادتهم الذين أنقذوهم من الطين وفتحوا لهم أبواب الطريق باتجاه الآدمية، بأخذ بنات الذين أحسنوا اليهم أسارى (فداء حوراني) أو بالحكم بالاعدام البطئ على رياض سيف انتقاما من المدنية والقيم المدينية، وكل من هو خارج تحالفاتهم الرعاعية من حثالات المدن الذين تبقوا لهم كحلفاء لصوص في مجلس الوزراء وأعضاء مجلس شعب من مهربي السلاح والمخدرات وصولا الى مبعوثيهم (الدواويث) للخيانة الوطنية بالنيابة عنهم.
ولسنا بحاجة الى فقه “الدواثة الكبرى” على حد التعبير المتسائل المندهش للمراسل الأمني بمرتبة جلاد، وهو يتساءل كيف لنا أن نعرف الدواويث؟ وأن الأمر يستلزم الخبرة ليتظارف بأن هذا الأمرغريب عليه لدرجة أنه يشحذه “ديوث من مال الله”!؟
وما دام على هذه الدرجة من الغفلة والبراءة، فننصحه بالاطلاع على بعض علم الانثربولوجيا الثقافية، ويقوم ببعض التطبيقات على الثقافة الجنسية وممارستها خلال قرون في بيئته الخاصة جدا، وليأخذ (شطحة) مثالا وحاشا الرب سليمان…! عندها سيتعرف جيدا على (الديوث) بالأصل (شخصي وحسي) وليس (الديوث) بدلالة المجاز السياسي ممن يستعملهم النظام المقاول بكل شيء، حتى لتختلط عليه الأمورفلا يميز بين الديوث والقدوس…!
وعلى هذا (فالدواثة الكبرى)- والأمر كذلك- هي أن تمارسها يوميا وتتهم بها خصمك، أن تتهم خصمك أنه عون لبوش ضد سوريا، في حين أنك الوحيد كنظام وعصابة تنادي يوميا أمريكا لتوافق على الاشراف على المزاد العلني لسوريا المعروض على اسرائيل…هل المعارضة هي التي أرسلت وفد (الدواويث) الى أمريكا ليعرض نفسه على اليمين الأمريكي الصهيوني عساه أن يستعطف بوش على الأسد الصغير الذي لايمر يوم دون أن ينادي أمريكا أن تكون مشرفة على ما يسميه المفاوضات مع اسرائيل…؟ والطريف في الأمر أن الكاتب الأمني بمرتبة دون جلاد يتحدث عن (هجمة بوشية بدوية) ضد سوريا، ولو أن للمرجعية الثقافية الأمنية بعض الرهافة في استخدام المصطلحات، لكان أجدى لها أن تجعل الموروث البدوي خاص بيئي ثقافي عربي، ولكان عليها مادامت تتحدث في مجال علم النفس أن تنسب موروث الكوبوي عند الأمريكان لبوش… لكن المهم أنهم يريدون الشتم وأن يظهر (العريف الثقافي) أمام معلميه من الجنرالات بالفهلوة والاستعراض الثقافي ماداموا جهلة لا يميزون بين أمريكا والبداوة، وما دام الهدف هو القدح والذم، فلا مشاحة عندها بالمصطلح.
والدواثة الأصلية -على كل حال- قد لا يكون للمرء يد فيها لأنها شذوذ في الأنا الطبيعية، لكن الدواثة الأخلاقية هي ما تمارسه عصابات مافيا النظام الطائفي، عندما تمارس الطائفية ليل نهار وبلا خجل ولا مواربة منذ أن خاضت معركتها الطائفية ضد المجتمع في الثمانينات وانتصرت فأصبح لديها (فائض طغيان) يمنح حتى كتبتها ومثقفيها الصغار الثقة والشجاعة ليتحدثوا بلغتها كزعران الشوارع عن (الشنبات الأثخن).
–  قلت لضابط حلبي لماذا لاتترفع مثلك مثل زملائك الذين أصبحوا برتب ألوية في الجيش وأنت لازلت عقيدا!؟
–  قال: هل يعقل أن يسألني واحدمثلك يعرف هذا البلد مثل هذا السؤال!؟
–  قلت: نعم أعرف أنك لا تترفع لأسباب طائفية، كونك حلبيا، لكن أريد أن أعرف كيف يواربون على هذه الحقيقة ويسترونها، كيف يفسرون لك عدم ترفيعك المؤبد!؟
قال: هذه المواربة كانوا يقومون بها قبل الثمانينات، لكي يتجنبوا السلوك الطائفي الفظ والمباشر، أما اليوم فهم يتعاملون كمنتصرين على شعبهم ومجتمعهم، أي أنهم غير معنيين أبدا بما أفكر أو أستنتج، نعم وبكل صراحة ووضوح يتصرفون كذلك، ومن ثم فالأفسر ماشئت أن أفسر، فهم على درجة من الثقة الطغيانية بالذات أن يقولوا لك : نعم لأسباب طائفية، ولأنك حلبي واذهب وبلط البحر… لكن اياك أن تعلن عن ذلك لفظيا… عندها ستحاكم وتحبس بتهمة أنك تثير النعرات الطائفية…! وهكذا يحاكم أصدقاؤنا أنبل وأشرف الضمائر الوطنية النزيهة والمتعالية على الصغار الطائفي والمذهبي والعشائري والعائلي، هكذا يحكمهم الطائفيون بالطائفية حتى ولو كانوا مشهورين كصحافيين وكتاب ومفكرين علمانيين، بل وحتى ممن هم من أصحاب النزعات الللادينية بل والالحادية… ومن كل الديانات والمذاهب… فهم يحاكمون كمثيرين للنعرات الطائفية.
ينبطحون امام الغرب ويتسولون رضى أمريكا، ويحاكمون الناس اذا عبروا عن اعجابهم بالنموذج الديموقراطي الغربي بوصفهم أتباع أمريكا، فهم يخشون أن يسبقهم أحد للخيانة انطلاقا من الاحتكار المطلق للبلد، ينحطون بالشعور القومي الى مستوى أن يتفردوا في العالم العربي بشق الصف العربي ويلتحقون بايران ويفتحون أبواب سوريا أمام المذهبية الدينية (القومانية) الفارسية وهم في الآن ذاته يحاكمون الناس على اضعاف الشعور القومي…! يغيرون كيان الدولة الاقتصادي والاجتماعي من خلال تسليمها إلى عصابات مافيا اقتصادية، وطغم عصبوية : طائفية وعائلية، ومن ثم يحاكمون فضلاء البلد بانشاء جمعية بقصد تغيير كيان الدولة الاقتصادي والاجتماعي… يحولون ادارة مدنية مسيحية كـ(الصقيلبية) الى ادارة من الموظفين العلويين من ريف الصقيلبية الحموي عبر طرد أبنائها الى مدن أخرى، ليجعلوا من الحاضرة المسيحية حاضرة علوية لجبال العلويين المحيطة بهم كما أصبح القاصي والداني من أهل الصقيلبية يتحدثون وبشكل علني… يفتحون أبواب البلاد للتشييع الفارسي الايراني ثم يحاكمون الناس حسب المادة 307 (أي عمل أو قول أو كتابة يقصد بها اثارة النعرات الطائفية أو الحض على النزاع بين الطوائف.)
يقومون بعملية ابادة شاملة ضد مدينة كاملة تهدم فوق رؤوس أصحابها، والتي لايمكن أن توصف بأقل من جرائم حرب ضد الانسانية التي أمن- المؤسس الأول لثقافة وسياسة الارهاب والقتل والاغتيال الداخلي والخارجي حافظ الأسد -لها الغطاء الدولي في الثمانينات، بغض النظر عن غباء الابناء واعتقادهم أنهم سيفروا بجرائمهم كما فر منها (الأب القائد)، والذين يريدون بيع الجولان بأي ثمن لاسرائيل مقابل وساطتها لدى أمريكا للتفلت من المحكمة الدولية، ظانين أن المجتمع الدولي يساس ويدار كما يديرون هم البلاد، وذروة المفارقة بهذا السياق : حديث المرافعة الأمنية المذكورة عن وساطة لتعيين ابني استاذا في الجامعة الأمريكية في بيروت…فهم بسبب تصوراتهم الرعاعية عن العالم يعتقدون أن الجامعة الأمريكية تدار كما يديرون هم الجامعات بأوامر أمنية فيوفدون طلاب جامعة اللاذقية على اسم مخصصات كل الجامعات السورية، فلا يخرج موفدون للدراسات العليا إلى الخارج من خارج جامعة اللاذقية إلا ما يوازي نسبة من هم من خارج محافظة اللاذقية في صفوف ضباط الجيش والمخابرت :أي حوالي 3-5 بالمئة، بينما تذهب النسبة الأخرى من جامعة اللاذقية، بعد أن تستولي على مخصصات كل الجامعات اسورية الأخرى باسم الوحدة الوطنية التي تعطي الحق لطلاب اللاذقية أن يترشحوا باسم كل الجامعات السورية ما دام من يوافق ويقرر هم المخابرات، والله وحده علام بالأرقام في ممالك الصمت والخوف والاعتام والاظلام… وهو ملف سنفتحه قريبا…!
لقد انتهى الغطاء الدولي لجرائم الأب في الثمانينات، لكن لا بد من أن العدالة قادمة، واحالتهم للمحاكم الدولية على الأبواب، وهي ستبدأ بالشهيد الحريري ولن تنتهي بمجازر سجن صيدنايا. كل هذا -ومع ذلك- لايترددون بأن يتظلموا ويقولوا-عنا نحن الذين لانملك سوى أقلامنا- أننا “سياف وقاطع رقاب ومخوزق للآخرين…. لعن الآخرين..و دوسهم وتحقيرهم والحط من قدرهم ورميهم بأقذع الألفاظ… الخ).
على كل حال: إن المغزى الدلالي الأهم في النص الأمني ليس التهديد الذي لم يتوقفوا عنه منذ ثمانية أعوام تاريخ الانتقال بكتابتنا من الاهتمام بالكليات الكبرى العظيمة كالأدب والفكر والثقافة، الى الانخراط في النثريات السردية المتسفلة بتسفل فاعليها ومنتجيها من الرعاع والحثالات الذين جلبوا كل هذا العار لبلدنا لسوريا.
بل إن المغزى الأهم هو توحد الخطاب في صيغة نص “العقلانية العربية: عبد الرزاق عيد نموذجا”، مع نص مايسمى بنشرة (الحقيقة) لصاحبها الذي طالما دافعنا عنه في أن يكون عميلا للأمن (نزار نيوف)، ليبرهن رغم أنف مرافعاتنا المدافعة عنه على أنه ابن مطيع للقطيع، وإلا ما مبرر الكذب الصريح على لساننا، بالقول بأننا نعتبر أن “كل العلويين رعاع وحثالات، وقادتهم ابناء كلب؟”
والمؤلم في الأمر، هو نجاح الأمن في البرهنة على انتصارهم في توريط الطائفة خلفهم من خلال اثبات أن مثقفيهم أمناء لطائفتهم، من خلال هذين النموذجين (نعيسة – نيوف)، اللذين تفردا بهذا الخطاب العدواني والتضليلي والكاذب تجاه حواريتنا، إذ لم يتمكن النظام أولم يرد -على الأقل- أن يوظف بعض أقلامه من حثالات المدن (من السنة)، ليظهر أمام المجتمع وبكل صفاقة أن المثقفين العلويين أبناء للنظام وهم مخلصون لعصبيتهم الطائفية، لتعميم الانكسارات الطائفية والتمايزات المذهبية، لتوسيع وتعزيز شائعة أن العلويين لايمكن الا وأن يكونوا موالين لطائفتهم، وهذا نهج بدأوه منذ زمان طويل، ليس أوله أن يخص عارف دليلة بحكم عشر سنوات كعقاب مذهبي للمنشقين عن النظام المذهبي سياسيا… وليس آخره تحويل حبيب صالح الى مكسر عصا للأمن لايخرج من السجن أيام حتى يعود اليه، بعد أن سرقت العصابة الحاكمة منه مورد رزقه ولقمة عياله وأطفاله في عمله في الميناء، وذلك لأنه لم يسكت مذعنا لحقوق رؤساء عصابات الميناء في أن يتصرفوا بمصيره ومصير الآخرين كرعايا يكفيهم فخرا أنهم يسرقون من قبل سادتهم لكن من بني ملتهم ومذهبهم، أي يكفيه فخرا أنه ينتمي إلى مقدس حوزتهم المذهبية، أليس هذا ما قاله شيخ لصوص موانيء سوريا لعقود ثلاثة دون أن يسمع أخيه حافظ الأسد بالأمر للرجل الذي اغتصبت أبنته من قبل أحد أبنائه : أنه يكفيه شرفا أن ابنته تحمل في رحمها من نطفة العائلة المقدسة…! لم يسمع حافظ الأسد باستيلاء أخيه على موانيء سوريا -على الأغلب- لأن ريعيتها لا تنافس ريعية استيلائه على نفط سوريا…!
–  ارهاب أهل وعائلة فراس سعد: (الأيقونة الشابة المضيئة التي لا تطفئها قوافل من كتبة الأمن بمرتبة الجلاد أو ما دونه)، نقول: ارهاب أهله لكي لا يعلنوا عن اعتقاله منذ حوالي السنتين…
وليس آخرا الايحاء أن المثقفين العلمانيين الديموقراطيين المتحدرين من الطائفة العلوية – والذين قضوا عشرات السنوات من زهرة عمر شبابهم في السجون- يتراجعون عن أولوية المطلب الديموقراطي في سوريا لصالح الوقوف خلف النظام لمواجهة الهجمة الامبريالية الشرسة على حد تعبير الأدبيات البكداشية البائدة، التي كان شباب حزب العمل الشيوعي من أول من تمرد عليها جيلياعلى طريق قيام حركة يسار ديموقراطي بالتوازي والتلاقي مع قيام حركة التغيير التي قادها رياض الترك داخل الحزب الشيوعي (البكداشي) فيما سمي بـ(المتب السياسي) وبالتناظر مع الممارسات النظرية الرفيعة التي رفد بها ياسين الحافظ والياس مرقص حركة اليسار الديموقراطي السوري… هكذا يسعى النظام الطائفي لا ختزال التاريخ النضالي لحزب العمل إلى مجرد أتباع طائفيين باسم وحدة الموقف المناهض للامبريالية…!
• كاتب سوري
شفاف الشرق الوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى