عيدكم سعيد!
رزان زيتونة
انتقلت حرائق «مصر بتولع» إلى أبعد من حدودها بكثير. النكات خفيفة الظل قوية المضمون، التي وصلت كما ذكر في وسائل الإعلام إلى الهواتف النقالة لملايين المصريين، أضحكت واستفزت الكثير من جيرانهم وأبناء منطقتهم، تحت عنوان خبر عاجل، جرى تبادل الخبر عبر البريد الإلكتروني على نطاق واسع.
الرسائل مجهولة المصدر الطائرة عبر الأثير، ضحكت وأضحكت على أكثر ما يدعو للبكاء في واقع المصريين، وبالإسقاط، على واقع أشقائهم في غير مكان!
فقط من باب المقارنة، فقد كانت الهواتف النقالة للكثير من المعنيين بالشأن العام في سورية، تتبادل تهاني العيد بكثير من التجهم والجدية، تستحث الدموع وتقلب الآلام «كل عام وسورية بخير، العيد القادم عيد الحرية، عسى أن نحتفل العيد القادم مع جميع المعتقلين وقد أفرج عنهم»!
حس الدعابة وخفة الظل، كان عاملا أساسيا في كثير من حركات المقاومة اللاعنفية ضد الاستبداد والتمييز في غير مكان من العالم. ولعل من أبرز تلك الحركات التي استخدمت الفكاهة والسخرية في حراكها السلمي حركة «أوتبور» OTpor الصربية الطلابية، التي ناضلت ضد حكم سلوبودان ميلوسوفيتش الاستبدادي.
أحد قادة هذه الحركة التي بدأت بعدد قليل ومحدود من الشباب والشابات، واتسعت لتصبح حركة شعبية في ما بعد، يقول إنهم كانوا يواجهون الاستبداد بالشجاعة والفكاهة، ويقول «لا نكف عن إلقاء النكت حتى عندما نعتقل»، ويشرح كيف تكون الفكاهة جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية المقاومة اللاعنفية، بالقول: «أنا أضحك، ستغضب، أنا ممتلئ بالفكاهة والسخرية، وأنت تضربني، تعتقلني، وهكذا تبدو كالدمية». ويؤكد كيف أثّر عامل الفكاهة والسخرية في اجتذاب عامة الناس إلى الحركة ودفعهم إلى تأييدها والانخراط في حراكها، عبر زعزعة جدران الخوف في داخلهم، وتقوية عزيمتهم وإيمانهم بقدرتهم على التغيير. «الشباب دائما يضحكون ويشعرون أنهم على ما يرام، ويجعلون ميلوسوفيتش يبدو سخيفا».
وراوحت أنشطة «أوتبور» الفكاهية من الملصقات والإعلانات الساخرة، إلى الأداء المسرحي الساخر لأعضاء الحركة في أماكن عامة إلى عمل «المقالب» بأجهزة الشرطة والأمن!
في إحدى المرات، كان على الحركة أن تنقل صناديق مليئة بالملصقات ضد ميلوسوفيتش، فأغلق الشباب الصناديق بإحكام، وقاموا بنقلها بشكل علني وهم يئنون تحت ثقل حملهم، وعندما داهمهم رجال الأمن وقاموا بمصادرة الصناديق، تبين أنها لا تحتوي إلا على الهواء!
كان غاندي يقول «لو لم أتحلَّ بحس الدعابة، لكنت انتحرت منذ زمن بعيد». السوريون الذين يتحلون بروح جدية تفتقر قليلا إلى حس الفكاهة! ضحكوا كثيرا أخيرا، على واقعهم السياسي والاقتصادي. رمضان الذي مضى، كان حافلاً بالأعمال الفنية الساخرة، التي لم توفر من تهكمها أكثر ما يثير الرهبة و«الجدية» في النفوس، كرجال الأمن والاعتقال وسوى ذلك. وتساءل كثيرون: ما جدوى أن نحيل ما يثير الخوف والأسى في الواقع، إلى سخرية وضحكات هازئة؟ وأين الفائدة في أن نضحك خلال ساعة من الزمن أمام الشاشة الصغيرة، مما يبكينا ساعات طويلة بعيدا عنها؟!
لوحات تلفزيونية ساخرة كثيرة عرضت وتعرض في غير بلد عربي. من غير أن يعني ذلك أننا أوحينا لـ«أوتبور» بالجزء الأهم من استراتيجيتها في المقاومة!
فكاهتنا معزولة تماما عن مقاوماتنا السلمية، الحراك في كل مكان حيث وجد، يتسم بالكثير من الجدية والعبوس. الأدبيات والمواقع الإلكترونية غالبا ما تثير الرهبة والرغبة في الهرب سريعا، والأنشطة الميدانية على قلتها، توجه تحذيرا مبطنا وغير مقصود بالتأكيد، لعامة الناس، من مغبة المشاركة بها!
الفكاهة لدينا تبدأ وتنتهي على شاشة التلفزيون أو في الدردشات الشخصية ضمن حلقات مغلقة. وفي الواقع، يبدأ الجد، والوجه الأكثر صرامة هو الأكثر تأثيراً، والقصة الأكثر مأساوية هي الأكثر قبولا، وعامة الناس من ضحايا الواقع السياسي والاقتصادي المتأزم، تنأى بنفسها عن «خطر» تلك الجماعات التي تبدو «حديدية» ومتعملقة في خطابها ومظهرها، مهما قل عددها وصغر حجم نشاطها.
«مصر بتولع» قالت إن الضحك يجب ألا يكون على ذواتنا المتعبة وواقعها المهترئ، بل على من يتسبب في ذلك التعب والاهتراء، على الأقل، حتى تصبح تهمة النَّيل من هيبة الدولة، تنطبق في عناصرها القانونية على «الجرم» ومرتكبه!
* كاتبة سورية