لماذا تركت «الحياة» الآن؟
براهيم حميدي
تعود علاقتي مع صحيفة «الحياة» إلى بداية التسعينيات. ولابد من نهاية ما لكل علاقة. المهم ألا تكون النهاية مبكرة أو متأخرة
وآمل أن يكون قراري ترك مكتب صحيفة «الحياة» في دمشق جاء في اللحظة المناسبة.
لو أنني اتخذت هذا القرار قبل أسابيع لكان مبكراً، لأنني كنت قادراً وقتذاك على تقديم تغطية معقولة للأحداث بفضل تعاون السلطات الوطنية بحيث يكون الموقف السوري حاضراً في جريدة نخبوية تصدر في لندن وتوزع في معظم أنحاء العالم وتقرأ من صناع القرار. وساهم التعاون السوري في الإبقاء عليها جريدة معتدلة وغير متشنجة كما حصل في صحف عربية أخرى في السنوات الأخيرة. بل إن تغطية «الحياة» لكل من القمة العربية في دمشق في آذار الماضي والمشاركة المميزة للرئيس بشار الأسد في القمة المتوسطية في باريس والقمة الرباعية وزيارة الرئيس نيكولا ساركوزي إلى دمشق، أثارت الصحف المصرية لتشن حملة تحريض على «الحياة» ومدير مكتبها في سورية. (مقال عبد اللـه كمال في مجلة «روز اليوسف» في 17 تموز الماضي). لو أنني تركت «الحياة» بعد أسابيع لكان القرار مـتأخراً جداً. ربما كنت وقتها جزءاً من شيء لا يشبهني. لماذا الآن؟ التعاون السوري استمر وتكثف، لكني بدأت ألمس وكأن ثقل الموقف السياسي يخيم بظلاله على السياسة التحريرية لـ«الحياة». حاولت مرات عدة الإشارة إلى ذلك. كان هناك تعاون من بعض الزملاء والأصدقاء، إلى أن بدأت أشعر أن هامش التعاون بدأ يضيق لمصلحة طغيان سياسة مسبقة.
تصاعدت الأمور في المرحلة الأخيرة. ونقطة التحول، كانت لدى حصول التفجير الإرهابي في «السبت الأسود» في نهاية الشهر الماضي. المشكلة كانت في«تسييس» بعض الأخبار وروحية بعض مقالات الرأي. أبرزت الجريدة أخباراً ونشرت مقالات تتعلق بالتفجير الإرهابي، بطريقة مفاجأة. لست ساذجاً كي أظن أنني قادر على تغيير سياسة «الحياة». ولست ساذجاً كي أظن أنني قادر على فرض المواقف السورية على سياستها التحريرية. لكن بالتأكيد أملك قراراً لأخرج من مشروع كهذا قبل أن يبتعد كلياً من قناعاتي.
حاول البعض في الأيام الأخيرة «تسييس» قراري ترك «الحياة» وتقديم إيحاءات «ماضوية». واقع الحال، أن قراري ناتج من اعتراضي على أخبار ومقالات نشرت بطريقة تحريضية في الأيام الأخيرة في محاولة للإساءة إلى سورية في لحظة مؤلمة.
قراري جاء قبل منع الحكومة توزيع الجريدة في الأسواق السورية. أبلغتني الجهات المسؤولة بإمكانية استمراري في العمل وأن قرار منع الجريدة ليس موجهاً لي ولا لمكتب دمشق، بل بسبب ما ينشر من مكاتب أخرى.
أما أنا فلن أكون، مهما كان الثمن، جزءاً من حملة إعلامية وسياسية تستهدف بلدي. وأملك قرار طي صفحات 18 سنة والتطلع إلى مرحلة جديدة من حياتي الإعلامية.
الوطن السورية